بلغة الاقتصاد

العالم شريك في حرب الإبادة من خلال دعم وتحصين "الشيكل"

الشيكل الإسرائيلي
الشيكل الإسرائيلي

مدخل

مع اندلاع أطول وأعنف الحروب الإسرائيلية على الفلسطينيين استمرت عامين، وتحديدًا في قطاع غزة، كان يُتوقع أن تواجه إسرائيل آثارًا اقتصادية قاسية تُترجم إلى تدهور في قيمة الشيكل الإسرائيلي، تبعًا لما تفترضه الأسس الاقتصادية الكلاسيكية في حالات الحرب، لاسيما إن صُنفت كـ"حرب إبادة".

إلا أن الواقع الاقتصادي الإسرائيلي، كما تعكسه مؤشرات النقد والأسواق، سار في الاتجاه المعاكس تمامًا. لم ينهَر الشيكل، بل ظلّ مستقرًا، بل وعزز من قوته. يشير هذا الاستقرار النقدي غير المسبوق إلى دعم دولي مؤسسي فعّال وممنهج، يتجاوز مجرد الغطاء السياسي أو الدبلوماسي، ليؤكد أن الحرب على غزة جرت – ولا تزال – ضمن مظلة حماية اقتصادية ومالية دولية صلبة، ما يعكس تورطًا بنيويًا للأسواق العالمية في دعم الحرب، ولو بصورة غير مباشرة.

أولًا: الشيكل كمؤشر على الحماية البنيوية للاقتصاد الإسرائيلي

الاستقرار النقدي غير المفسَّر تقليديًا:

على الرغم من أن الأدبيات الاقتصادية تشير إلى أن الحروب تضعف العملات الوطنية بفعل نزوح رؤوس الأموال وارتفاع التضخم وتراجع الثقة، فإن الشيكل حافظ على استقراره، بل سجّل مستويات قوية أمام الدولار (أقل من 3.40 في حزيران 2025).

هذا الأداء لا يمكن فهمه إلا في إطار تدخلات ضخمة ومنظمة من البنك المركزي الإسرائيلي، الذي ضخ أكثر من 30 مليار دولار لدعم الشيكل، بدعم من احتياطات تموّلها الولايات المتحدة بشكل غير مباشر.

دور الولايات المتحدة والأسواق الغربية:

المساعدات الأميركية السنوية (3.8 مليار دولار) تُغذّي النظام المالي الإسرائيلي مباشرة.

إصدار سندات حكومية إسرائيلية "Israel Bonds" يستقطب مؤسسات استثمارية ضخمة من الولايات المتحدة، ما يعني أن النظام المالي الأميركي نفسه متشابك بشكل عضوي مع تمويل الاقتصاد الإسرائيلي، حتى أثناء حرب تُوصف بكونها إبادة جماعية.

ثانيًا: استثمار العالم في حرب الإبادة عبر الأسواق والمؤسسات المالية

سندات الحرب ومؤشرات البورصة:

بين 2023 و2025، أصدرت إسرائيل سندات سيادية بمليارات الدولارات لتمويل عجز ميزانيتها الناتج عن الحرب. وقد تجاوز الطلب على هذه السندات 4.6 أضعاف المعروض، ما يعكس إقبالًا هائلًا من المستثمرين.

مؤسسات مالية كبرى مثل Goldman Sachs وCiti Bank لعبت أدوارًا مركزية في تسويق هذه السندات، ما يعكس عمق دعم الأسواق العالمية لحرب مستمرة على غزة.

عودة رؤوس الأموال الأجنبية وتحوّل في المزاج الاستثماري:

بعد انسحاب أولي للمستثمرين في 2023–2024، عاد المستثمرون الأجانب بقوة في 2025، بضخ 2.55 مليار دولار في البورصة الإسرائيلية، لا سيما في قطاعات البنوك والدفاع.

شركات مثل Elbit Systems، وهي ركيزة في الصناعة العسكرية الإسرائيلية، سجّلت أرباحًا ضخمة نتيجة للحرب، ما يجعل من الأسواق نفسها مستفيدة من استمرار القتال.

الثقة الائتمانية المتواصلة:

حافظت وكالات التصنيف مثل Moody’s على تصنيف إسرائيل الاستثماري رغم القتال وتضاعف ميزانية الدفاع، ما يشير إلى تجاهل تام للأبعاد الأخلاقية والحقوقية في تقييم المخاطر الاقتصادية.

ثالثًا: غياب العقوبات الدولية وتكريس الحصانة الاقتصادية لإسرائيل

لا عقوبات، لا ضغوط اقتصادية:

رغم الأدلة المتزايدة على أن ما يحدث في غزة يصنّف كـ"جرائم إبادة"، لم تُفرض أي عقوبات اقتصادية دولية ذات معنى على إسرائيل.

بقيت حركة رؤوس الأموال، والصادرات، والتجارة العالمية مع إسرائيل نشطة ومفتوحة.

الأسواق لا تقرأ الأخلاق:

لم تعكس الأسواق أي مخاوف جادة من إمكانية فرض عقوبات على إسرائيل، بل تصرّف المستثمرون وفق قناعة راسخة بأن إسرائيل محصّنة سياسيًا واقتصاديًا بفضل علاقاتها الغربية.

هذا ما يفسر تراجع "علاوة المخاطر" في النصف الأول من 2025، وعودة الاستثمارات بشكل أقوى مما كانت عليه قبل الحرب.

أداء الأسواق المالية الإسرائيلية

البورصة الإسرائيلية (TASE)

  • 2024 ارتفاع مؤشر TA-125 بنسبة 29%، ومؤشر TA-35 بنسبة 28%
  • 2025عائد مؤشر TA-125 بلغ 19% في النصف الأول
  • الاستثمارات الأجنبية: 9.1 مليار شيكل (2.55 مليار دولار) صافي مشتريات في منتصف 2025

القطاعات الرابحة

  • البنوك: استحوذت على 67-70% من إجمالي المشتريات الأجنبية
  • بنك هبوعليم: أرباح قياسية بلغت 2.7 مليار شيكل
  • قطاع الدفاع: نمو في شركات مثل Elbit Systems
  • التكنولوجيا: شركات مثل NICE Systems

التحصين ضد العقوبات الاقتصادية

المؤشرات الدالة على الحصانة

  • غياب العقوبات: لم تُفرض عقوبات اقتصادية واسعة النطاق من القوى الكبرى
  • التصنيف الائتماني: حافظت موديز على تصنيف إسرائيل عند مستوى استثماري (BAA1)
  • استمرار التجارة: الصادرات التكنولوجية (64% من إجمالي الصادرات) تواصل عملها دون انقطاع

العوامل الهيكلية للحصانة

  • التحالفات الاستراتيجية: مع الولايات المتحدة ودول أوروبية وآسيوية رئيسية
  • الاندماج الاقتصادي: تداخل هيكلي مع أسواق رأس المال الغربية
  • الأهمية التكنولوجية: قطاع التكنولوجيا يمثل 20% من الناتج المحلي الإجمالي

تحليل الأسباب الجوهرية

العوامل الخارجية

  • الدعم الأمريكي المؤسسي: يتجاوز الدعم السياسي إلى دعم مالي ومؤسسي حقيقي
  • ثقة المستثمرين العالميين: قناعة بأن إسرائيل محصنة ضد العقوبات الفعالة
  • الاندماج في النظام الرأسمالي: إسرائيل جزء عضوي من المنظومة المالية العالمية

العوامل الداخلية

السياسة النقدية: تدخلات مدروسة وسريعة من بنك إسرائيل

  • الهيكل الاقتصادي: فائض في الحساب الجاري واقتصاد موجه نحو التصدير
  • أسعار الفائدة: ارتفاع نسبي مقارنة بالدول الغربية يعزز جاذبية الشيكل

النتائج والاستنتاجات

المؤشرات الرئيسية

  • استقرار الشيكل الإسرائيلي خلال الحرب يعكس دعماً اقتصادياً عالمياً منسقاً
  • الأسواق المالية العالمية تتعامل مع إسرائيل كـ"شريك آمن" رغم النزاع المستمر
  • غياب العقوبات الاقتصادية الفعالة يدل على حصانة هيكلية

الدلالات الاستراتيجية

  • الدعم الاقتصادي العالمي لإسرائيل يتجاوز الخطاب السياسي إلى إجراءات مالية ملموسة
  • المنظومة الرأسمالية العالمية متداخلة هيكلياً مع الاقتصاد الإسرائيلي
  • قدرة إسرائيل على تمويل الحرب دون تدهور اقتصادي كبير تعكس عمق هذا الدعم

التوقعات المستقبلية

  • استمرار الدعم المالي والمؤسسي العالمي لإسرائيل
  • مواصلة الاستثمارات الأجنبية في الأسواق الإسرائيلية
  • بقاء الشيكل محصناً ضد التقلبات الجيوسياسية

النتيجة: الشيكل مرآة لصمت العالم وتواطئه المالي

ما تكشفه هذه المؤشرات الاقتصادية ليس مجرد استثناء مالي بل تأكيد على أن الاقتصاد الإسرائيلي، وعلى رأسه الشيكل، لا يعمل بمنأى عن السياسة، بل يتمتع بدعم عميق من المنظومة الرأسمالية العالمية. وقد وفرت هذه المنظومة غطاءً اقتصاديًا فعليًا لاستمرار حرب الإبادة في غزة، من خلال:

التدفق المستمر للاستثمارات الأجنبية.

  • التسويق النشط لأدوات الدين الإسرائيلي من قبل البنوك الغربية.
  • غياب العقوبات وتجاهل التبعات الأخلاقية للحرب.
  • حماية التصنيف الائتماني لإسرائيل بالرغم من تصاعد الدمار والعنف.

انعكاس لوظيفة "الغطاء المالي العالمي" للحرب على غزة

الأهم:

إن استقرار الشيكل ليس دليلًا على قوة الاقتصاد الإسرائيلي بقدر ما هو انعكاس لوظيفة "الغطاء المالي العالمي" للحرب على غزة، ما يجعل من الحرب مشروعًا مدعومًا، لا فقط بالأسلحة، بل أيضًا بالأموال والاستثمارات والتطمينات المالية.

التوصية:

لمن يسعى إلى مساءلة الدعم الدولي لحرب الإبادة في غزة، يجب تسليط الضوء ليس فقط على الجوانب العسكرية والدبلوماسية، بل أيضًا على التواطؤ المالي العالمي الذي يجعل من القتل الجماعي مشروعًا مستدامًا ومربحًا في نظر الأسواق. المطلوب هو إعادة صياغة الخطاب الحقوقي ليتقاطع مع أدوات الضغط المالي، بدءًا من حملات المقاطعة الاقتصادية وسحب الاستثمارات، مرورًا بتعطيل قنوات تمويل الحرب، وصولًا إلى فرض واقع يُجبر المؤسسات المالية على الاعتراف بأن رأس المال لا يمكن أن يكون أداة لصناعة الإبادة.

المصدر : متابعة-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo