من تل أبيب إلى مكة

إسرائيل تحول الحج إلى وسيلة اختراق بهدف التطبيع

اتفاقيات التطبيع العربي
اتفاقيات التطبيع العربي

أولًا: الحج كحق ديني محروم منذ النكبة

منذ قيام دولة الاحتلال عام 1948، وحرمان الفلسطينيين من حَمَلة الجنسية الإسرائيلية من أداء مناسك الحج كان نتيجة حتمية لانعدام العلاقات بين إسرائيل والدول العربية، لا سيما السعودية، الحاضنة الشرعية للمشاعر المقدسة. هذا الواقع تغيّر تدريجيًا في العام 1978، إثر وساطات دينية أردنية، ما أسفر عن تنظيم أول بعثة حج رسمية غير معلنة من هذه الفئة، بالتنسيق مع وزارة الأوقاف الأردنية.

"أثمرت هذه الجهود عن إنشاء آلية تنظيمية غير مسبوقة، مكّنت الفلسطينيين من حملة جوازات السفر الإسرائيلية من أداء مناسك الحج، على غرار سكان الضفة الغربية وقطاع غزة."

ثانيًا: الأردن.. بوابة العبور الوحيدة

مثّل الأردن الغطاء الرسمي والديني الوحيد لحج الفلسطينيين من الداخل، من خلال "لجنة التنسيق العليا لشؤون الحج والعمرة لمسلمي الأراضي المحتلة عام 1948"، وهي هيئة دينية مستقلة لا تخضع لأي إشراف إسرائيلي، وتتولى عمليات التسجيل والتنسيق عبر مكاتب معتمدة. وظل هذا التنسيق الأردني–الفلسطيني ساريًا حتى قرار سعودي عام 2018 بمنع دخول حاملي "الجوازات المؤقتة"، مما مثّل تقليصًا لدور الأردن وحرمانًا لحوالي 4500 معتمر.

"شكّل هذا القرار نقطة انعطاف حادة، إذ اعتبر بمثابة إنهاء للدور الأردني كوصي على شؤون حج هذه الفئة."

ثالثًا: إسرائيل تحوّل الحج من عبادة إلى ورقة ضغط

بدءًا من العام 2020، وفي ظل موجة "اتفاقيات إبراهام"، سعت الحكومة الإسرائيلية لاستغلال الحج كمدخل إلى التطبيع مع السعودية. فصدر عن وزير الداخلية حينها، آرييه درعي، قرار يسمح بالسفر إلى السعودية لأغراض دينية وتجارية، رغم القيود القانونية السابقة. كذلك أعلن ميكي زوهر، رئيس كتلة الليكود، عن مبادرة لإطلاق رحلات جوية مباشرة للحجاج من تل أبيب إلى جدة بتكلفة رمزية.

"الهدف من هذه المبادرة، بحسب زوهر، هو تخفيض التكاليف وفتح باب التواصل مع السعودية ضمن اتصالات متقدمة".

رابعًا: نتنياهو... الحج كورقة انتخابية وتطبيعية

كشف وزير التعاون الإقليمي الإسرائيلي عيساوي فريج، في يوليو 2022، عن طلب رسمي للسعودية لتسيير رحلات حج مباشرة من مطار بن غوريون. يأتي هذا ضمن محاولة أوسع بقيادة نتنياهو لتوظيف الحج سياسياً، ليس فقط لتحسين صورته داخلياً، بل كأداة لفتح "أبواب مكة" لتل أبيب، تحت مسمى "الخدمة الدينية".

"إسرائيل تسعى لتوسيع نطاق التنسيق الجوي مع السعودية في إطار سعيها لتقديم الحج كمدخل للتطبيع الناعم."

خامسًا: دلالات سياسية واستراتيجية

رمزية الحج: تلعب فريضة الحج دورًا رمزيًا هائلًا في الوجدان الإسلامي، ومحاولة إسرائيل الدخول من هذه البوابة تُمثل سعيًا لتفكيك الحواجز الدينية والسياسية مع السعودية عبر "المدخل الشعائري".

تطبيع ناعم: تعمل إسرائيل على "تطبيع من دون تطبيع"، حيث تكون الخدمات الدينية والرحلات الجوية جسورًا مفتوحة تقنياً، لكنها تمهد لتواصل رسمي معلن لاحقًا.

تحدي الاستقلال الديني: يهدد الانخراط الإسرائيلي في ملف الحج استقلالية اللجنة العليا لشؤون الحج، ويقوض الدور الأردني المتفق عليه تاريخيًا.

إخضاع الفريضة للابتزاز السياسي: الرغبة في تقنين الحج عبر إسرائيل يجعل من الشعيرة أداة ضغط تُستخدم في ملفات سياسية، ما قد يفتح بابًا غير مسبوق لإخضاع الشعائر الدينية لإرادة الاحتلال.

التوصيات:

  • دعم الدور الأردني كراعٍ حصري لتنظيم حج الفلسطينيين في الداخل، حفاظًا على الطابع الديني المحض للفريضة.
  • رفض أي محاولات إسرائيلية للربط بين الحج والتطبيع، سواء عبر الطيران أو المكاتب التجارية.
  • تعزيز التنسيق بين الهيئات الدينية في الداخل الفلسطيني والسلطة الفلسطينية لضمان حماية الاستقلال الإداري والتنظيمي للحج.
  • دعوة المؤسسات الإسلامية والعربية لرفض تسييس الحج وتثبيت مبدأ عدم ربط الشعائر بعلاقات سياسية.

خلاصة مركزة:

  • من الحرمان إلى التنظيم: منذ نكبة 1948 وحتى أواخر السبعينيات، حُرم الفلسطينيون في الداخل من الحج، قبل أن تنجح وساطات دينية أردنية بفتح المسار.
  • الدور الأردني المركزي: لعبت وزارة الأوقاف الأردنية ولجنة التنسيق العليا دورًا محوريًا في تنظيم الحج للفلسطينيين من حَمَلة الجنسية الإسرائيلية.
  • التوظيف السياسي: سعت إسرائيل لاحقًا لاستغلال فريضة الحج سياسيًا ضمن مسار التطبيع، وطرحت مبادرات تنظيم رحلات مباشرة إلى السعودية.
  • الرهان الإسرائيلي: ترى تل أبيب في الحج ورقة ضغط رمزية لاختراق الحواجز مع السعودية وتطبيع تدريجي "تحت غطاء ديني".
  • مخاطر التسييس: توظيف إسرائيل للحج يهدد الطابع الديني المحض للفريضة، ويعرضها لخطر الانزلاق إلى مسار تطبيعي يخدم أجندات الاحتلال.
المصدر : متابعة-زوايا
atyaf logo