أولاً: ملخص تحليلي
المشهد التفاوضي الحالي يشهد زخماً بفعل التقاطع بين انتهاء الحرب الإسرائيلية على إيران واستمرار الضغط الأميركي لإنهاء حرب غزة.
ثلاثة ملفات رئيسية تعرقل التوصل إلى اتفاق: وقف الحرب خلال التفاوض، آلية توزيع المساعدات، وتموضع الجيش الإسرائيلي.
واشنطن تبذل جهداً دبلوماسياً محموماً عبر مبعوثها ويتكوف وتعديلاته المتتالية، لكنها تصطدم بحسابات نتنياهو السياسية ورؤية إسرائيل لـ"حل شامل".
سيناريوهات محتملة تتراوح بين التوصل إلى اتفاق جزئي مؤقت، أو استمرار الجمود الميداني، أو انفراجة تقود إلى صفقة شاملة بدعم إقليمي ودولي مشروط بتنازلات كبرى.
ثانياً: السياق العام للمفاوضات
تعكس المعطيات المسربة حول المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل وحركة "حماس" جديّة الجهود الأميركية للوصول إلى تهدئة قابلة للبناء عليها، لكنها في ذات الوقت تُبرز مدى تعقيد الملفات العالقة. دخول الحرب الإسرائيلية الإيرانية على الخط، ثم توقفها، شكل فرصة سياسية نادرة تحاول الأطراف استغلالها لدفع التسوية في غزة.
ثالثاً: تعقيدات التفاوض – ثلاث عقبات رئيسية
1: وقف إطلاق النار أثناء المفاوضات
موقف حماس : تطالب بضمانات تمنع استئناف القتال طالما أن المفاوضات جارية.
الموقف الأميركي والإسرائيلي: يعرضان وقف إطلاق نار مشروط بـ"نوايا حسنة"، وهو بند فضفاض ترفضه حماس.
دلالة العقبة: تكشف أزمة انعدام الثقة المتجذرة بين الطرفين، وغياب جهة راعية ذات قدرة إلزامية حقيقية.
2: آلية توزيع المساعدات الإنسانية
إسرائيل: تصر على إشراف شركة أميركية (Gaza Humanitarian Foundation) لضمان "تحييد حماس".
حماس: ترفض الآلية الجديدة، وتطالب بعودة الإشراف إلى المؤسسات الدولية المعروفة (كالأونروا وبرنامج الغذاء العالمي).
الدلالة: هذا الخلاف يُظهر تقاطعاً بين البعد الإنساني والسياسي، حيث تُستخدم المساعدات كورقة ضغط وضبط وسلطة.
3: تموضع القوات الإسرائيلية
حماس: تطالب بانسحاب القوات الإسرائيلية إلى ما قبل 2 مارس.
إسرائيل: ترفض، وتتمسك بوجودها الحالي لأسباب أمنية وتكتيكية.
الدلالة: يُظهر أن أي تهدئة تحتاج إلى تفاهم حول "الحيز الميداني"، وهو ما يصعب تحقيقه دون رؤية متكاملة لمرحلة ما بعد الحرب.
رابعاً: تأثير الحرب الإسرائيلية على إيران
الفرصة: توقف الحرب على إيران قلّص الضغط الإقليمي، وفتح نافذة لتحويل المجهود الدبلوماسي نحو غزة.
الرهان الأميركي: استثمار هذا الظرف لدفع مسار تطبيع جديد في المنطقة، مشروط بإنهاء الحرب في غزة، وتقييد أذرع إيران في المنطقة (حماس – حزب الله – الحوثيون – الميليشيات العراقية).
المعادلة الجديدة: عودة إيران إلى الداخل والتخلي عن دعم الفواعل غير الحكومية باتت جزءاً من حسابات التهدئة، ما يربط غزة بملفات إقليمية أوسع.
خامساً: الرؤية الإسرائيلية – من التسوية الجزئية إلى الحل الشامل
نتنياهو يفضل "الحل الشامل": تجريد غزة من السلاح، إبعاد قيادات حماس، تسليم إدارة القطاع لسلطة محلية جديدة، وإعادة الإعمار المشروط.
لكن… هذا السيناريو يصطدم بعقبتين:
- رفض حماس ومجمل القوى الفلسطينية له.
- الاستحقاقات الداخلية في إسرائيل، بما فيها الحاجة لانتخابات مبكرة لدخول مسار سياسي أوسع.
الانقسام داخل المؤسسة الإسرائيلية بين القبول باتفاق مؤقت وبين الإصرار على استمرار الحرب، يضعف الموقف التفاوضي.
سادساً: السيناريوهات المحتملة
السيناريو |
العناصر |
الاحتمالية |
1. اتفاق جزئي مؤقت |
قبول صيغة معدلة لخطة ويتكوف |
مرتفع نسبياً (50-60%) مع استمرار الضغط الأميركي |
2. استمرار الجمود/التصعيد |
- فشل الوصول لصيغة ترضي حماس |
متوسط (30%) في ظل هشاشة الثقة |
3. صفقة شاملة بضمانات إقليمية |
- توافق أميركي-مصري-قطري على صيغة "إدارة انتقالية" |
ضعيف حالياً (10-20%) بسبب رفض نتنياهو وانتخابات مؤجلة |
سابعاً: خلاصة وتوصيات
- نقطة التحول في المفاوضات الحالية ليست في الصيغة التقنية، بل في توفر الإرادة السياسية، خاصة من الجانب الإسرائيلي.
- نجاح الوساطة الأميركية يعتمد على قوة الضغط وليس على "تعديل الصياغات".
- المطلوب: ضمانات دولية صلبة لأي اتفاق مؤقت، تشمل آلية رقابة ومساءلة، وليس فقط إعلان نوايا.
- أي اتفاق هش دون رؤية سياسية شاملة لن يحقق استقراراً دائماً.