الملخص التنفيذي
أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فجر الثلاثاء 24 يونيو 2025، بدء سريان وقف إطلاق نار لمدة 12 ساعة بين إسرائيل وإيران، بعد ساعات من قصف إيراني استهدف قاعدة العديد الأمريكية في قطر. يأتي هذا الإعلان في إطار جهود الوساطة القطرية والضمانات الأمريكية، ليشكل نقطة تحول محتملة في ديناميكيات الصراع الإقليمي. يحلل هذا التقدير دلالات هذا التطور وفرص صموده واستدامته.
الدلالات الاستراتيجية لوقف إطلاق النار
1. كسر الخطوط الحمراء والتدخل الأمريكي المحدود
يكشف التدخل الأمريكي عن تعقيدات السياسة الداخلية في إدارة ترامب، حيث تتصارع رؤيتان متباينتان:
تيار المحافظين الجدد: المؤيد بقوة لإسرائيل والداعي لموقف أكثر حسماً تجاه إيران تيار "ماجا" الصاعد: الذي يتبنى خياراً انعزالياً ولا يرى ضرورة في الانخراط بحروب الآخرين
هذا الصراع الداخلي انعكس في اختيار استراتيجية التدخل المحدود التي تحقق المصالح الأمريكية أولاً وتخفف من حدة التوتر الإقليمي. وقد تجسد هذا التدخل في:
- الاستهداف المباشر لمنشآت التخصيب الرئيسية في نطنز وفوردو وأصفهان
- إبراز الخلاف علناً مع رغبات الجانب الإسرائيلي في استمرار التصعيد
- إبداء موقف حاسم تجاه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو
يهدف هذا التدخل إلى حلحلة رفض طهران المطلق لوقف التخصيب على الأراضي الإيرانية عند استئناف المفاوضات، خاصة في ضوء رسائل وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي بأن بلاده قد تبدي مرونة في المفاوضات لكنها لن تتفاوض قبل وقف العدوان الإسرائيلي.
2. تحقيق أهداف الحرب وترميم الكبرياء
يوفر الموقف الأمريكي لكلا الطرفين فرصة لترويج انتصاره أمام جبهته الداخلية:
من الجانب الإيراني:
- استهداف قاعدة العديد يمثل فرصة لترميم الكبرياء الإيراني
- الالتزام بالرد المتناسب والمتوافق مع القانون الدولي
- القصف جاء بتفهم واسع في الدوحة وواشنطن دون إسفاره عن أضرار بشرية أو مادية
- إظهار الصمود من خلال الاحتفاظ بحق توجيه الضربة الأخيرة
من الجانب الإسرائيلي:
- الإشارة إلى تحقيق كل أهداف الحرب و"النجاحات التاريخية" لعملية "الأسد الصاعد"
- تعزيز مكتسبات الرئيس الأمريكي الذي حرص على إبراز موقفه الرافض للتصعيد الإسرائيلي
تحليل فرص الصمود
1. المناعة الداخلية: تحولات جذرية في طبيعة المواجهة
انتهت حالة الترقب الحذر التي سادت العلاقات الإسرائيلية الإيرانية قبل أبريل 2024، وفرضت المواجهات الثلاث بين الجانبين تحولات جذرية:
الاختراق الإسرائيلي للداخل الإيراني:
- يمثل أداة رئيسية لإخماد القدرات الصاروخية والدفاعية الإيرانية
- يهدف لتقويض أسس النظام وبنيته الداخلية ودعم الجماعات المعارضة
- عمق خبرة طيران الاحتلال الإسرائيلي في العمل بالأجواء الإيرانية
- عزز رصيد وبنك الأهداف الإسرائيلية في الداخل الإيراني
القدرة الإيرانية على الامتصاص والاستمرار:
- امتصاص الضربات وإعادة ترتيب صفوف القيادة العسكرية في زمن الحرب
- القدرات الصاروخية المتطورة تحقق نوعاً من التوازن في نهاية المعركة
الخلاصة: يرتبط منع تجدد المواجهات بقدرة إيران على تحصين جبهتها الداخلية ومعالجة الاختراقات الاستخباراتية الإسرائيلية وتعزيز قدراتها الدفاعية عسكرياً وسيبرانياً.
2. الضمانات الأمريكية: إعادة ترتيب الأوراق الإقليمية
قد يمثل وقف إطلاق النار مدخلاً جاداً لإعادة ترتيب أوراق الإدارة الأمريكية في الشرق الأوسط، رغم التحديات البنيوية المستمرة والاعتماد المتواصل على إسرائيل كحليف مفيد.
الإشارات الإيجابية الأمريكية:
- الحرص على استمرار قنوات التواصل الدبلوماسية مع إيران رغم التصعيد الخطابي والانخراط العسكري المباشر
- إبداء بعض المرونة إزاء تخفيف العقوبات من خلال السماح للصين بالاستمرار في شراء النفط الإيراني
- تخفيف محتمل لحملة الضغوط القصوى مقابل الاستجابة الإيرانية لاستئناف المفاوضات النووية
3. الغطاء الإقليمي: تأثيرات القصف على البرنامج النووي
رغم عدم اتضاح آثار القصف على البرنامج النووي الإيراني وحالة مخزون اليورانيوم عالي التخصيب، إلا أن قصف منشآت التخصيب الرئيسية سيؤثر حتماً على قدرات إيران على التخصيب لعدة سنوات في ظل تشديد العقوبات الاقتصادية.
الموقف الإيراني المحتمل:
- قد يبدي بعض المرونة في مسألة نقل المواد المخصبة خارج البلاد
- السعي للحفاظ على البرنامج النووي والحفاظ على أكبر قدر من المكتسبات
- التخصيب بنسبة ضئيلة على الأراضي الإيرانية أو التخلي عن التخصيب مقابل إنشاء تحالف إقليمي (كونسورتيوم)
- المشاركة في تحالف بإشراف أمريكي وأممي وبمشاركة دول الخليج ومصر وتركيا مقابل احتفاظ طهران بدور رئيسي
التحديات والعقبات
1. غياب البنود الواضحة
تتناقل وسائل الإعلام العبرية أن الاتفاق شفاهي بين الطرفين عبر وساطة قطرية وضمانة أمريكية، مما يثير تساؤلات حول آليات التنفيذ والمراقبة.
2. الهدف من وقف إطلاق النار
يهدف الاتفاق لإعادة الملف إلى طاولة المفاوضات بين الجانبين الأمريكي والإيراني بعد تقييم نتائج الضربات وتأثيرها على قدرات إيران النووية والصاروخية.
3. متطلبات بناء الثقة
يتطلب النجاح خطوات لإعادة بناء الثقة غير الموجودة بين الطرفين:
- التزامات مطلوبة من إسرائيل والولايات المتحدة:
- وقف استهداف إسرائيل للنظام الإيراني
- تخفيف الضغوط الاقتصادية على الاقتصاد الإيراني
- إنهاء النشاط العسكري الإسرائيلي في غزة ولبنان وغيرها من ساحات المواجهة
- التزامات مطلوبة من إيران:
- وقف دعم الوكلاء الإقليميين
- إبداء تنازلات في البرنامج النووي بصفة أساسية
الخلاصة والتوقعات
رغم عدم وجود بنود واضحة لوقف إطلاق النار، إلا أنه يرتبط بمجموعة من التحركات حول الملفات الخلافية الرئيسية بين الولايات المتحدة وإسرائيل من جهة وإيران من جهة أخرى.
نجاح هذا الوقف يعتمد على:
- قدرة إيران على معالجة الاختراقات الاستخباراتية وتحصين جبهتها الداخلية
- مدى جدية الضمانات الأمريكية ومرونتها في التعامل مع الملف الإيراني
- إمكانية إيجاد تسوية إقليمية تحفظ ماء وجه جميع الأطراف
إن المرحلة القادمة ستكون حاسمة في تحديد ما إذا كان هذا الوقف سيتحول إلى أساس لحل دائم أم سيبقى مجرد هدنة مؤقتة في صراع أوسع وأعمق.