تقدير الموقف

من الردع إلى التفكيك: إسرائيل وإيران... المواجهة تدخل منطقة اللاعودة

قصف ايران تل أبيب
قصف ايران تل أبيب

تمهيد

في عملية استباقية واسعة النطاق، دشّنت إسرائيل مرحلة جديدة من المواجهة مع إيران، عبر سلسلة ضربات استخباراتية وجوية مركزة استهدفت العمق الإيراني، بهدف شلّ قدراته الدفاعية والهجومية وتفكيك بنيته النووية. هذه العملية، التي تُعرف بـ"الأسد الصاعد"، شكّلت تحولًا جذريًا في تكتيكات الصراع، ووضعت النظام الإيراني أمام أكبر اختبار استراتيجي منذ الثورة عام 1979.

أولًا: من التكتيك إلى الاستراتيجية – «الأسد الصاعد»

بُنيت العملية الإسرائيلية على ثلاثة ركائز حاسمة:

مشروعية قانونية ودولية مُمهدة: استندت إسرائيل إلى قرار مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بإدانة إيران، مما وفر غطاء قانونيًا لتحرك عسكري واسع ضد المنشآت النووية.

المبادرة والصدمة: باعتماد تكتيك الحرب غير المتماثلة، سعت تل أبيب إلى شل القيادة الإيرانية بسرعة، تمامًا كما فعلت في لبنان سابقًا مع حزب الله.

الاستثمار في الفوضى الداخلية: توقيت العملية جاء في ذروة أزمات الحكومة الإسرائيلية، لكنها مثّلت فرصة استراتيجية لتوحيد الجبهة الداخلية وإعادة صياغة ميزان القوى الإقليمي.

ثانيًا: الضربة الذكية – كيف أُدير بنك الأهداف؟

اعتمدت إسرائيل على تفوق استخباراتي خارق، مكّنها من بناء بنك أهداف شمل شخصيات نووية وعسكرية، كما استنسخت تجاربها الناجحة في اغتيال محسن فخري زادة عام 2020.

عمليات اختراق عميقة للمجتمع الإيراني مكنت الموساد من تخزين طائرات مسيرة وأسلحة داخل إيران قبل بدء الضربات.

تم استهداف مواقع في عمق الجغرافيا الإيرانية، من نطنز إلى مشهد، في تنسيق نوعي مع الولايات المتحدة ودول غربية.

ثالثًا: إخفاق الردّ الإيراني – مكامن العجز

رغم إطلاق إيران دفعات من الصواريخ والمسيرات، إلا أن الرد جاء تقليديًا ومتوقعًا:

  • غياب المفاجأة وضعف فاعلية الضربات.
  • سيطرة إسرائيلية شبه تامة على المجال الجوي الإيراني، وغياب التفوق الإلكتروني الإيراني.
  • تفكيك أذرع إيران الإقليمية (حزب الله، الحوثيين، فصائل العراق) في السنوات الأخيرة حدّ من قدرة طهران على توسيع رقعة الرد.

رابعًا: المحددات الكبرى للتصعيد

  • ثغرات أمنية إيرانية مزمنة: انكشاف الجبهة الداخلية، واعتقال العشرات بتهمة التخابر لصالح إسرائيل.
  • تفوق استخباراتي غربي مشترك: تنسيق بين الموساد وأجهزة أميركية وأوروبية مكن إسرائيل من استهداف منشآت شديدة التحصين.
  • تآكل جبهات الدعم الإقليمي: انهيار شبكة الدعم في سوريا ولبنان والعراق، والحصار العسكري حول طهران.
  • الاحتمالات البحرية: تهديد مضيق هرمز يفتح المجال لتحالف دولي يعمّق عزلة إيران.
  • السيناريو الأميركي المحتمل: إذا رفضت إيران عروض التفاوض، فإن تدخلًا أميركيًا عسكريًا مباشرًا يصبح أكثر ترجيحًا.

خامسًا: الخيارات الإيرانية في سياق المقايضة

  • خيار «الرد المحدود»: الحفاظ على الهيبة دون التصعيد لحرب شاملة.
  • خيار «شجاعة اليأس»: تصعيد مدمر قد يشمل استهداف المصالح الأميركية أو إغلاق مضيق هرمز.
  • خيار «التفاوض تحت النار»: قبول اتفاق نووي جديد أكثر تشددًا بشروط واشنطن وتل أبيب.

سادسًا: التحولات المتوقعة في مسار الحرب

  • استمرار التفوق الإسرائيلي في إدارة مراحل التصعيد.
  • استنزاف تدريجي لقدرات الرد الإيرانية، مع تضاؤل عدد الصواريخ والعمليات النوعية.
  • تزايد عزلة إيران الدولية مع رفض روسيا الانخراط العسكري، واكتفائها بعرض الوساطة.

خلاصة التقدير:

إسرائيل لا تسعى فقط لردع إيران، بل تقود عملية تفكيك شامل لبنية النظام السياسي والعسكري الإيراني. عملية "الأسد الصاعد" تمثل تحولًا حاسمًا في شكل وميدان الصراع، وتدفع طهران إلى زاوية خانقة من حيث الخيارات العسكرية والسياسية. كل تأخير إيراني في الرد الاستراتيجي يقابله تقدم إسرائيلي في تفكيك المقدرات الإيرانية. وفي ظل انعدام التوازن الدولي لصالح طهران، تبقى خياراتها محصورة بين التفاوض من موقع ضعيف أو التصعيد الانتحاري. والمشهد مرشح لأن يتحول إلى نموذج جديد من حروب الإسقاط الذكي وليس فقط الردع التقليدي.

المصدر : متابعة-زوايا
atyaf logo