السياق الاستراتيجي للعدوان الإسرائيلي
جاء الاعتداء الإسرائيلي على إيران في إطار استراتيجية معلنة لرئيس الوزراء الإسرائيلي تهدف إلى تغيير طبيعة الشرق الأوسط باستخدام القوة أو التهديد بالعنف عبر المنطقة بأكملها. وتبقى النتائج العسكرية والأمنية والسياسية للأحداث الجارية غير مكتملة، وتحتاج إلى تقييم دقيق عند انتهائها.
الأهداف الإسرائيلية المعلنة والمتصورة
تتلخص أهم الأهداف التي سعت إسرائيل لتحقيقها من خلال تصرفاتها الأخيرة في إيران في عدة محاور رئيسية:
- الأهداف العسكرية والنووية
- القضاء على البرنامج النووي الإيراني
- تحجيم القدرات العسكرية الإيرانية غير النووية
- استهداف المواقع الاستراتيجية والعسكرية الحيوية
- الأهداف السياسية والاستراتيجية
- تأكيد قدرات إسرائيل العسكرية والسياسية المتفوقة في المنطقة
- تثبيت حقها السياسي في استخدام القوة بصورة استباقية تحت ذريعة الدفاع عن النفس
- تغيير النظام الإيراني وبث الانشقاقات داخله
- إعادة الهيبة الاستخبارية
- إعادة هيبة أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية إقليمياً ودولياً
- إظهار قدرات التوغل الاستخباري في العمق الإيراني
تقييم النتائج المحققة حتى الآن
النجاحات الإسرائيلية الجزئية
على المستوى الإعلامي والاستخباري
نجحت البرمجة الإعلامية الإسرائيلية في الأيام الأولى بدرجة كبيرة في إبراز قدرات إسرائيل الاستخبارية والعسكرية من خلال سرعة إعلان قتل الشخصيات الإيرانية السياسية والعسكرية، واستهداف مواقع إيرانية مهمة، مع التحكم في المعلومات الصادرة عن الخسائر الإنسانية والمادية الإسرائيلية.
الخسائر الإيرانية
- مقتل أكثر من 20 شخصية إيرانية قيادية مهمة سياسياً وعسكرياً ومن المتخصصين في المجال النووي
- استهداف أكثر من 100 موقع استراتيجي، بينها مراكز تحكم عسكرية ونووية ومولدات طاقة ومعسكرات
- التأثير في القدرات الإيرانية عامة دون تحمل خسائر عسكرية كبيرة أثناء العمليات داخل الحدود الإيرانية
استعادة الهيبة الاستخبارية
يُعتبر أكبر النجاحات الإسرائيلية إعادة قدر كبير من الهيبة لمنظومة ومؤسسات الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، مع توغلها الشديد في إيران وإتاحة معلومات بالغة الدقة والأهمية. وقد ترك مقتل إسماعيل هنية وهو بين جدران الإقامة وسط الحرس الثوري في طهران انطباعات واسعة على المستويين الدولي والإقليمي.
الأهداف غير المحققة
البرنامج النووي الإيراني
ليس من الواضح حتى الآن مدى تأثر البرنامج النووي الإيراني بالعدوان الإسرائيلي، وطبيعة الخسائر في مرفقي نطنز وفوردو. فالقضاء على هذا البرنامج يتطلب:
حجب المواد النووية المطلوبة لتغذية التسليح النووي
تدمير الأجهزة اللازمة لصناعة تلك الأسلحة
القضاء على المعرفة الإيرانية الضرورية لتحويل المواد إلى أسلحة نووية
وكلها أمور لا يوجد دليل مادي على حدوثها، لذا فلم يتحقق هذا الهدف الإسرائيلي حتى الآن.
المقاومة الإيرانية المستمرة
واصلت إيران القصف الصاروخي داخل إسرائيل، وحققت بعض الخسائر التي جعلت سكان إسرائيل يشعرون أنهم في حرب حقيقية. كما استطاعت إيران إعادة تشكيل هيئاتها سريعاً، والاستمرار في إطلاق مئات من الصواريخ ضد إسرائيل، على رغم خضوعها لنظام العقوبات الغربية منذ أكثر من عقد من الزمن.
فشل تغيير النظام
بات واضحاً أن إسرائيل لم تنجح حتى الآن في تغيير النظام الإيراني، وهو أحد الأهداف التي أبرزها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
الانتهاكات القانونية الدولية
استباحت إسرائيل لنفسها مرة أخرى خرق كل قواعد القانون الدولي العام والإنساني من خلال:
انتهاك ميثاق الأمم المتحدة
استخدام القوة من جانب واحد وبصورة استباقية، مخالفة للفقرة الرابعة من المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة، التي لا تجيز استخدام القوة بهذه الصورة.
مخالفة اتفاق جنيف
استهداف مرافق نووية دولية في مخالفة فادحة للمادة الـ56 من البروتوكول الإضافي لاتفاق جنيف، الذي يحظر استهداف المرافق النووية.
ازدواجية المعايير الغربية
رغم أن غالب الدول الغربية أطراف في هذه الاتفاقيات، إلا أنها تعلن تأييدها لحق إسرائيل في الدفاع عن النفس، مما يخل ويضعف من صدقية كل القوانين الدولية.
السيناريوهات المستقبلية للسياسة الإيرانية
لم تتضح بعد التوجهات القادمة في سياسات إيران أمام خيارين رئيسيين:
سيناريو المرونة
- اتجاه نحو مزيد من المرونة بعد تكبد خسائر كبيرة، مما قد يؤدي إلى:
- العودة للمشاورات المكثفة مع وكالة الطاقة الذرية
- استئناف المفاوضات مع الولايات المتحدة
سيناريو التشدد
اتجاه نحو التشدد تحت ضغط الذين يرون أن الأزمة الحالية سببها التراخي والأخطاء من التيارات الإيرانية المعتدلة، مما قد يؤدي إلى:
- تجميد تنفيذ إجراءات التفتيش الخاصة بالبروتوكول الإضافي للضمانات الدولية
- تعليق عضويتها في معاهدة عدم الانتشار النووي
- مجموعة من الخيارات التصعيدية الأخرى
المراجعات المطلوبة والتداعيات الإقليمية
عند سكوت المدافع من الطبيعي والمنطقي إجراء الأنظمة والمجتمعات مراجعة للأوضاع، بعد تقدير حجم ونوعية الخسائر وتداعياتها بعمق.
يتوقع أن تشمل المراجعة السياسية والعسكرية إسرائيل أيضاً، بل وأن تمتد إلى دول وساحات أخرى، بعد انتهاء الجميع من مراجعة الأحداث ونتائجها وتصرفات الجانبين الإيراني والإسرائيلي، وردود الفعل الضعيفة والمتباينة من المجتمع الدولي.
ملخص تنفيذي
• الهدف الإسرائيلي الرئيسي: تغيير طبيعة الشرق الأوسط باستخدام القوة والتهديد بالعنف
• النتائج العسكرية: مقتل أكثر من 20 شخصية إيرانية قيادية واستهداف أكثر من 100 موقع استراتيجي
• الأهداف غير المحققة: لم تنجح إسرائيل في القضاء على البرنامج النووي الإيراني أو تغيير النظام
• الانتهاكات القانونية: خرق إسرائيل لقواعد القانون الدولي العام والإنساني
• المراجعات المطلوبة: ضرورة إجراء مراجعة شاملة للأوضاع من جانب جميع الأطراف
خاتمة
أصبح الاحتياط من المفاجآت والتوترات حاجة ملحة في ضوء عسكرة الأحداث وانكماش الدبلوماسية. إن النتائج العسكرية والأمنية والسياسية للأحداث الجارية لا تزال غير مكتملة، وتحتاج إلى تقييم دقيق ومتوازن يأخذ في الاعتبار جميع الأبعاد والتداعيات الإقليمية والدولية.
