'بلاك ووتر' جديد

تحليل: أمريكا ومساعدات غزة.. من الرصيف العائم إلى المرتزقة

من مكان توزيع المساعدات بغزة بإشراف الشركة الأمريكية
من مكان توزيع المساعدات بغزة بإشراف الشركة الأمريكية

ملخص:

يكشف التطور الأخير في الدور الأمريكي بإدارة المساعدات الإنسانية في قطاع غزة عن استراتيجية متعددة الأبعاد تهدف إلى إعادة تشكيل آليات الإغاثة من خلال ثلاث محاور رئيسية: الرصيف البحري العائم، إشراك الشركات الأمنية الخاصة، وإنشاء مؤسسات إنسانية جديدة غامضة التمويل والهوية. هذا التوجه يثير تساؤلات جوهرية حول الأهداف الحقيقية وراء خصخصة العمل الإنساني في منطقة حرب.

سياق معلوماتي

في 18 مايو 2025، أعلن وزير الجيش الإسرائيلي يسرائيل كاتس عن "إبرام اتفاق رسمي مع شركات أمنية أميركية لتتولى مهام توزيع المساعدات الإنسانية داخل قطاع غزة"، وذلك في إطار تنفيذ ما وصفه السفير الأمريكي مايك هاكبي بـ"الخطة الإنسانية في غزة وفق المبادئ التي حدّدها الرئيس ترامب".

التحليل:

أولاً: فشل الرصيف البحري الأمريكي

يُعد مشروع الرصيف العائم نموذجاً للتخطيط المعيب والتنفيذ الفاشل. رغم الاستثمار الضخم البالغ 230 مليون دولار ومشاركة أكثر من 1000 جندي أمريكي، واجه المشروع إخفاقات متكررة. كشف تقرير مفتش وزارة الدفاع الأمريكية أن المشروع كان "مكلف، محفوف بالمخاطر، وغير فعّال"، مع وقوع 62 إصابة في صفوف الجنود بما في ذلك وفاة واحدة.

الأهم من ذلك أن "نحو 6800 طن" من أصل 8000 طن من المساعدات بقيت "مكدّساً قرب الشاطئ من دون توزيع فعلي"، مما يكشف عن عدم جدوى المشروع في تحقيق أهدافه المعلنة.

ثانياً: عسكرة المساعدات الإنسانية

يمثل إشراك الشركات الأمنية الخاصة تطوراً خطيراً في تسييس العمل الإنساني. تتكون هذه القوات من "قرابة 100 عنصر، معظمهم من خريجي وحدات النخبة الأميركية"، بما في ذلك عناصر سابقون في وكالة الاستخبارات المركزية والجيش الأمريكي.

الشركات المشاركة تشمل:

- Safe Reach Solutions (SRS) للتخطيط الاستراتيجي

- UG Solutions لحلول الأمن المتكاملة

- شركة مصرية تحمل نفس الاسم للتفتيش الأولي

ثالثاً: إحياء نموذج "بلاك ووتر"

تمثل خطة إشراك شركات مثل "كونستيلس" - "الامتداد المؤسسي لشركة بلاك ووتر سيئة السمعة" - عودة مقلقة لنموذج خصخصة المهام الأمنية في مناطق الحرب. تقدر تكلفة هذا النموذج بـ"قرابة 200 مليون دولار لكل ستة أشهر"، مما يثير تساؤلات حول الجدوى الاقتصادية مقابل الفعالية.

رابعاً: الغموض المؤسسي لـ"مؤسسة غزة الإنسانية"

يكشف تحقيق موقع "شومريم" عن طبيعة مثيرة للشكوك في هوية القائمين على مؤسسة غزة الإنسانية. الشخصيات الموقعة "لا تمتلك سوابق أو خبرات موثقة في مجال العمل الإنساني"، مع تركز القيادة في يد رجال أعمال مثل ديفيد بابازيان ذي "العلاقات الوثيقة بدوائر النفوذ في دولة الإمارات العربية المتحدة".

التداعيات والمخاطر

1. التداعيات الأمنية

- تحويل العمل الإنساني إلى مهمة عسكرية-أمنية

- خطر انجرار الشركات الأمنية لصراعات مباشرة

- تعقيد المشهد الأمني بوجود فاعلين متعددين

2. التداعيات الإنسانية

- تسييس المساعدات وتحويلها لأداة ضغط سياسي

- خطر تفاقم الأزمة الإنسانية بسبب "تقنين المساعدات"

- تهميش دور المنظمات الإنسانية التقليدية

3. التداعيات الاستراتيجية

- محاولة فرض سيطرة غير مباشرة على غزة

- خلق نموذج جديد لإدارة مناطق ما بعد الحرب

- تجربة آليات "الهندسة الديمغرافية" كما يشير التقرير

التقييم النقدي

وفقاً لتقرير "واشنطن بوست"، فإن وثيقة داخلية سرية من 198 صفحة تكشف أن "المخططين كانوا على دراية بأن المؤسسة، بصفتها كياناً ناشئاً بلا سجل سابق، ستحتاج إلى استقطاب منظمات دولية وشخصيات تتمتع بمصداقية". لكن حتى تاريخ النشر "لم تُبدِ أي من وكالات الأمم المتحدة أو الهيئات الإغاثية المدرجة في الوثائق استعدادها للتعاون".

هذا الرفض الدولي الواسع يعكس شكوكاً جدية حول النوايا الحقيقية وراء هذه المبادرات، خاصة مع "تراجع عدة دول عربية وأوروبية عن الانخراط".

السيناريوهات المحتملة

السيناريو الأول: النجاح الجزئي

تحقيق تحسن محدود في آليات التوزيع مع استمرار التحديات الأمنية والسياسية.

السيناريو الثاني: الفشل الكامل

انهيار المبادرة بسبب الرفض الدولي ومقاومة الفاعلين المحليين، مما يؤدي للعودة للآليات التقليدية.

السيناريو الثالث: التصعيد الأمني

تحول الشركات الأمنية لطرف في الصراع مما يعقد المشهد ويزيد من التوتر.

الخلاصة والتوصيات

يكشف التحليل عن محاولة أمريكية-إسرائيلية لإعادة تشكيل طبيعة العمل الإنساني في غزة من خلال آليات تجمع بين الخصخصة والعسكرة والتسييس. هذا التوجه، رغم ادعاءاته الإنسانية، يبدو موجهاً نحو تحقيق أهداف استراتيجية طويلة المدى تتعلق بإعادة تشكيل واقع قطاع غزة.

الرفض الدولي الواسع والإخفاقات المتكررة تشير إلى أن هذا النموذج قد يواجه تحديات جوهرية في التطبيق، مما قد يؤدي إما لتعديله جذرياً أو للعودة للآليات التقليدية للعمل الإنساني.

الاقتباسات المباشرة:

"إبرام اتفاق رسمي مع شركات أمنية أميركية لتتولى مهام توزيع المساعدات الإنسانية داخل قطاع غزة" - إعلان وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس

"بدأ تنفيذ الخطة الإنسانية في غزة وفق المبادئ التي حدّدها الرئيس ترامب" - السفير الأمريكي في إسرائيل مايك هاكبي

"مكلف، محفوف بالمخاطر، وغير فعّال" - تقرير مفتش وزارة الدفاع الأمريكية

"نحو 6800 طن منها مكدّساً قرب الشاطئ من دون توزيع فعلي" - تقرير الأمم المتحدة

"الامتداد المؤسسي لشركة بلاك ووتر سيئة السمعة" - وصف شركة كونستيلس

"لا تمتلك سوابق أو خبرات موثقة في مجال العمل الإنساني" - تحقيق موقع "شومريم"

"المخططين كانوا على دراية بأن المؤسسة، بصفتها كياناً ناشئاً بلا سجل سابق" - تقرير صحيفة "واشنطن بوست"

المصادر

  • تقرير مفتش وزارة الدفاع الأمريكية (6 مايو 2025)
  • تحقيق موقع "شومريم"
  • تقرير صحيفة "واشنطن بوست" (24 مايو 2025)
  • موقع "زمان يسرائيل"
المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo