إسرائيل المنبوذة

عزلة مزدوجة: الداخل يغلي والخارج ينفض يديه

نتيناهو
نتيناهو

في ظل الحرب الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة منذ أكتوبر 2023، بدأت صورة إسرائيل العالمية تتغير بشكل غير مسبوق. فبعد عقود من الدعم الغربي غير المشروط، تواجه تل أبيب اليوم تحولات جوهرية في مواقف حلفائها التقليديين، ومؤشرات متسارعة على تحولها إلى "دولة منبوذة".

لا تقتصر الأزمة على المستوى الدولي فحسب، بل تمتد إلى الداخل الإسرائيلي، حيث تتعرض الأصوات المناهضة للحرب إلى القمع والتخوين، في وقت تتصاعد فيه الإدانات العالمية لانتهاك القانون الدولي الإنساني وفرض الحصار وتجويع السكان.

في هذا التقرير نرصد أبرز مظاهر هذه العزلة من خلال ثلاث زوايا: المعارضة الداخلية، المواقف الغربية المتغيرة، والانهيار الدبلوماسي.

قمع الحقيقة في الداخل

صحيفة هآرتس العبرية كشفت في مقالها الافتتاحي أن المشهد الحالي يعكس ضيق صدر المؤسسة الإسرائيلية بالحقيقة، حيث تعرض يائير جولان، رئيس حزب "الديمقراطيين" المعارض واللواء السابق في الجيش، لهجوم شرس من مختلف التيارات السياسية بعد تصريحه بأن إسرائيل "في طريقها لأن تصبح دولة منبوذة" بسبب سياساتها في غزة، التي تشمل قتل المدنيين وتهجير السكان.

هذه التصريحات وصفتها حكومة نتنياهو بأنها "تحريض"، وبلغ الأمر حد الدعوة إلى تجريده من رتبته العسكرية ووصفه بـ"الإرهابي".

لم يتوقف الأمر عند الخطاب السياسي، بل امتد إلى الميدان، حيث اعتُقل نشطاء سلام إسرائيليون لمجرد تنظيمهم احتجاجاً ضد استمرار الحرب.

الصحيفة أوضحت أن هذه الاعتقالات، التي طالت شخصيات مثل ألون لي جرين من منظمة "الوقوف معًا"، هي ذات طابع سياسي، وتعكس سعي الحكومة إلى إسكات الأصوات المعارضة عبر تهم ملفقة مثل "الإخلال بالنظام" و"الاعتداء على الشرطة"، مشيرة إلى أن الدعوة إلى وقف الحرب وإطلاق سراح الأسرى أصبحت تهمة في إسرائيل، بينما الحقيقة يتم سحقها بقوة الترهيب الأمني والسياسي.

صبر الحلفاء ينفد

الوضع الحالي كشف عن أنه لم يعد بإمكان الحلفاء التقليديين لإسرائيل تجاهل ما يجري في غزة، حيث أصدرت بريطانيا وفرنسا وكندا بياناً مشتركاً دانوا فيه عملية "عربات جدعون"، محذرين من أنها تهدد بانتهاك القانون الدولي الإنساني، وطالبوا بوقف القصف ورفع الحصار، مهددين باتخاذ "تدابير ملموسة" إن لم تلتزم إسرائيل.

الموقف الغربي جاء بعد مشاهد مروعة من غزة، ظهر فيها مدنيون تحت القصف، ومجاعة وشيكة بحسب تقارير أممية، وصعوبات بالغة في الحصول على مياه وغذاء ودواء، ما دفع أقرب مؤيدي إسرائيل، مثل كير ستارمر وديفيد لامي في بريطانيا، لوصف ما يحدث في غزة بانه "وحشي" و"غير مقبول".

التحول الدبلوماسي لم يقتصر على الخطاب، بل شمل العقوبات وتعليق تصدير الأسلحة، حيث علقت بريطانيا 30 رخصة تصدير عسكرية، فيما تعالت الأصوات لإعادة النظر في مئات الرخص الأخرى.

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي يُعرف بدعمه المطلق لإسرائيل، تجاهلها خلال زيارته الأخيرة للشرق الأوسط، في إشارة رمزية أثارت القلق داخل إسرائيل.

الانهيار الدبلوماسي: خطوة من "تسونامي سياسي"

أما الكاتب إيتمار آيخنر، فكشف عن وصول إسرائيل إلى نقطة حرجة دبلوماسياً، لافتا إلى أن بعض الدول الغربية لم تكتف بالتهديد، بل شرعت فعلياً بخطوات لعزل إسرائيل.

وأوضح أن الاتحاد الأوروبي بدأ مناقشات لإلغاء اتفاق الشراكة، وفرض عقوبات على مسؤولين إسرائيليين، فيما اعترفت دول مثل النرويج وإيرلندا وإسبانيا بالدولة الفلسطينية.

ولفت الكاتب الإسرائيلي إلى أن المقلق أكثر هو أن الولايات المتحدة بدأت تلوّح بالتخلي عن دعمها غير المشروط، وسط صمت رسمي مريب في المحافل الدولية، مشددا على أن إسرائيل قد تواجه قريباً قرارات في مجلس الأمن لا تملك واشنطن ترف استخدام الفيتو لعرقلتها.

ويرى الكاتب أن تحضير فرنسا لمؤتمر دولي محتمل في نيويورك للاعتراف بالدولة الفلسطينية بمشاركة السعودية، وتفكير دول أخرى مثل بريطانيا وهولندا وبلجيكا في اللحاق بركب الاعتراف، يزيد من عزلة إسرائيل، التي ترد على هذه التحركات بمزيد من التهديد والانعزال، مثل سحب السفراء وقطع العلاقات مع دول أوروبية.

مناعة إسرائيل تتهاوى أمام الحقيقة

تكشف هذه التطورات أن إسرائيل لم تعد فوق المساءلة، لا داخلياً ولا دولياً، فسياسة التهجير والتجويع والحصار، التي تمارسها حكومة نتنياهو بدعم من اليمين المتطرف، تدفع العالم لإعادة النظر في علاقته بتل أبيب.. فلم يعد التنديد محصوراً في دوائر النشطاء والحقوقيين، بل أصبح موقفاً رسمياً لحلفاء استراتيجيين.

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo