حوسبة الموت ورقمنة الجرائم

مصانع الإبادة الذكية.. مايكروسوفت شريك في حرب الابادة

طواقم الدفاع المدني تنتشل الشهداء من تحت ركام المنازل بغزة
طواقم الدفاع المدني تنتشل الشهداء من تحت ركام المنازل بغزة

تكشف التطورات التقنية والعسكرية في سياق العدوان الإسرائيلي المستمر على غزة والضفة الغربية ولبنان، عن تحوّل نوعي في طبيعة العلاقة بين إسرائيل وشركات التكنولوجيا العالمية، وعلى رأسها شركة مايكروسوفت، في إطار استراتيجية استعمارية متكاملة تستهدف إخضاع الشعب الفلسطيني عبر أدوات الرقابة والقتل الجماعي المؤتمت.

الخلفية:

اعتمدت إسرائيل، منذ بدايات احتلالها، على استراتيجية ممنهجة لإدارة السكان الفلسطينيين في الأراضي المحتلة. وقد تطوّرت هذه الاستراتيجية على مدار العقد الأخير لتأخذ طابعاً تقنياً-رقمياً متقدماً، بحيث أصبحت أدوات الذكاء الاصطناعي، والتعرف البيومتري، والتحليل السلوكي الخوارزمي، أدوات مركزية في إدارة الاحتلال.

لم تعد هذه الوسائل مكمّلة أو داعمة لعمليات الاحتلال، بل باتت تشكل عصباً حيوياً في ممارساته الاستعمارية، لاسيما في مجالات المراقبة، التتبع، والتحكم الأمني-السياسي والاجتماعي.

وقد تكرّس هذا التحوّل بعد هجوم طوفان الأقصى في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، حيث صعّدت إسرائيل من استخدام هذه الأدوات ضمن ما يمكن اعتباره نهجاً تدميرياً غير مسبوق قائم على القتل المؤتمت، بما يشبه "معمل الاغتيالات الجماعية" المدعوم خوارزميًا.

المستجدات:

تكشف تقارير استقصائية حديثة (من "الغارديان"، "972+"، و"سيحا ميكوميت") عن أدلة موثّقة على تورّط شركة مايكروسوفت بشكل مباشر في دعم المجهود الحربي الإسرائيلي، من خلال:

تقديم خدمات سحابية عبر منصة Azure تشمل إدارة البريد الإلكتروني والملفات لوحدات عسكرية واستخبارية إسرائيلية، أبرزها سلاحا الجو والبحرية، وشعبة الاستخبارات العسكرية.

تفعيل أنظمة مثل "Rolling Stone" لتتبع ومراقبة تحركات الفلسطينيين وإدارة قواعد بياناتهم في الضفة الغربية وقطاع غزة.

منح وحدات مثل 8200 و9900 العسكرية إمكانية الوصول إلى أدوات الذكاء الاصطناعي، بما فيها GPT-4 من OpenAI، لتحليل كميات ضخمة من البيانات المجمعة من عمليات المراقبة والتجسّس.

تسجيل زيادة استهلاك أدوات الذكاء الاصطناعي بمقدار 64 ضعفاً بحلول آذار 2024، في دلالة على تسارع كبير في وتيرة الحرب التقنية.

مسار التطورات:

طبيعة الشراكة: تشير المعطيات إلى أن العلاقة بين مايكروسوفت والجيش الإسرائيلي تتجاوز النطاق التجاري البحت، وتمثّل نموذجاً لشراكة تقنية-عسكرية ذات طابع استعماري-رقمي، ما يُفقد الشركة حيادها المفترض ويورّطها أخلاقيًا وقانونيًا.

رد الشركة: رغم اعتراف مايكروسوفت لاحقاً بتقديم "دعم طارئ" للجيش الإسرائيلي بعد 7 أكتوبر 2023، إلا أنها حاولت التقليل من شأن ذلك عبر تأطيره ضمن جهود "إنقاذ المختطفين"، متجاهلة السياق العام لحرب الإبادة والانتهاكات الواسعة ضد المدنيين.

التملّص الأخلاقي: تحقيق الشركة الداخلي الذي خلص إلى "عدم وجود أدلة على إلحاق الأذى بالمدنيين" يعكس محاولة للهروب من المسؤولية الأخلاقية، إذ يتعذّر فصل الدعم التقني عن نتائجه الميدانية، خاصة في ظل العمل ضمن بيئة عسكرية مغلقة وغير خاضعة للرقابة العامة.

أبرز الأدوات التكنولوجية المستخدمة

1. المراقبة الجماعية وتحليل البيانات:

- اعتماد الجيش الإسرائيلي على أنظمة الذكاء الاصطناعي مثل GPT-4 والتعلم الآلي لتحليل كميات هائلة من البيانات (صوتية، نصية، مرئية) بهدف تحديد الأهداف.

- استخدام منصة Azure السحابية لإدارة سجلات الفلسطينيين وتتبع تحركاتهم عبر نظام "Rolling Stone"، مما يُسهل عمليات القصف والاعتقالات الجماعية.

2. التعرف البيومتري والمراقبة السيبرانية:

- توظيف تقنيات التعرف على الوجه وأنظمة الترجمة الآلية لتعقب الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة.

- تضاعف استهلاك وحدات الاستخبارات الإسرائيلية (مثل وحدة 8200) لأدوات الذكاء الاصطناعي 64 ضعفاً بحلول مارس/آذار 2024.

3. الشراكة مع شركات التكنولوجيا العالمية:

- كشفت تسريبات صحيفة الغارديان عن تعاقدات بين مايكروسوفت والجيش الإسرائيلي بقيمة 10 ملايين دولار، شملت:

- دعم فني مكثف لمنصة Azure.

- توفير إمكانات GPT-4 للوحدات العسكرية لتحليل البيانات القتالية.

التقييم والتداعيات : حروب المستقبل القاتلة

1. تصاعد الاعتماد التكنولوجي في الحروب الحديثة:

- يُظهر التوظيف الإسرائيلي للذكاء الاصطناعي نموذجاً خطيراً لحروب المستقبل، حيث تُستخدم الخوارزميات لاتخاذ قرارات قد تؤدي إلى إبادة جماعية بأقل تدخل بشري.

2. ازدواجية معايير الشركات التكنولوجية:

- تُنتهك مبادئ "الاستخدام الأخلاقي" للذكاء الاصطناعي لصالح العقود العسكرية، كما يتجلى في ازدياد استهلاك Azure بنسبة 60% خلال الحرب.

3. المساءلة القانونية والأخلاقية:

- يُشكل التعاون بين مايكروسوفت وإسرائيل انتهاكاً محتملاً للقانون الدولي، خاصةً إذا ثبت استخدام التقنيات في جرائم حرب.

- الضغط الشعبي والتحقيقات المستقلة (مثل تلك التي تقودها منظمات حقوقية) قد يُجبر الشركات على تحمُّل مسؤولية أكبر.

الدلالات:

1. تكنولوجيات الإبادة: الاستخدام المكثف لتقنيات الذكاء الاصطناعي والسحابة في العمليات الحربية يشير إلى دخول مرحلة جديدة من "الحروب المؤتمتة"، حيث يصبح القرار القاتل نتاج تحليل بيانات خوارزمي بعيد عن المراجعة البشرية والأخلاقية.

2. تواطؤ الشركات الكبرى: مشاركة شركات مثل مايكروسوفت في العمليات العسكرية الإسرائيلية يفتح الباب أمام مساءلات قانونية دولية، ويفضح زيف مزاعم "الحياد التكنولوجي" و"الاستخدام الأخلاقي" التي تتبناها هذه الشركات.

3. الاحتجاجات الداخلية: تصاعد موجة الاحتجاجات داخل مايكروسوفت، وخصوصاً حملة "No Azure for Apartheid"، تعكس شرخاً متنامياً بين إدارات الشركات وموظفيها، يُرجّح أن يتصاعد في المرحلة المقبلة ويفرض ضغوطاً جديدة على السياسات المؤسسية.

التوصيات

ضغط دولي على الشركات التكنولوجية:

- فرض عقوبات أو مقاطعة على الشركات الداعمة للآلة العسكرية الإسرائيلية، كما حدث سابقاً مع بروجيكت نيمبوس (عقد Google-Amazon مع الجيش الإسرائيلي).

- توثيق الانتهاكات رقمياً:

- تعزيز جهود المنظمات الحقوقية في رصد استخدام التكنولوجيا ضد الفلسطينيين، كخطوة نحو ملاحقة قضائية.

- كشف التناقض بين شعارات الشركات ("التكنولوجيا لخدمة الإنسانية") وممارساتها الفعلية في دعم الحروب.

ملخص

تحولت التكنولوجيا من أداة "محايدة" إلى سلاح فعّال في حرب غزة، بدعم مباشر من شركات كبرى مثل مايكروسوفت. ورغم محاولات هذه الشركات التستر وراء حجج "التجارة المشروعة"، فإن الأدلة المتزايدة تُظهر تواطؤها في تمكين جرائم الحرب. يستلزم هذا الأمر تحركاً قانونياً وحقوقياً عاجلاً لوقف تصدير التقنيات القاتلة إلى مناطق النزاع.

المصدر : متابعة-زوايا
atyaf logo