في تطور مفاجئ يعكس تحولاً جذرياً في العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية، اتسعت الهوة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترمب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بعد سنوات من التناغم السياسي الذي جمع بينهما خلال الولاية الرئاسية الأولى. واتضح ذلك في سلسلة من المواقف والقرارات الأمريكية التي اتخذت دون تنسيق مسبق مع تل أبيب، مما أثار قلق معلن لدى الحكومة الإسرائيلية.
وبعدما غادر الوفد الإسرائيلي المفاوض إلى الدوحة استجابة لطلب الرئيس الأمريكي، جاءت الموافقة بعد مكالمة هاتفية وصفت بالمتوترة، وبدا البيان الإسرائيلي حاداً بعض الشيء، مشدداً على أن "إسرائيل هي صاحبة القرار في القضايا المطروحة"، ما يعكس تشنج متزايداً بين الجانبين.
قناة مباشرة أمريكية مع "حماس"
أبرز مظاهر هذا التوتر كانت قرار واشنطن الانخراط في محادثات مباشرة مع حركة "حماس" متجاوزة فعلياً حكومة الاحتلال الإسرائيلي في مسألة تُعتبر وجودية بالنسبة للإسرائيليين. وقد أسفرت هذه المفاوضات عن إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي-الأمريكي عيدان ألكسندر، في خطوة اعتبرتها المصادر الإسرائيلية "مهينة دبلوماسياً" لنتنياهو.
وفق المصادر، فإن "الشعور بالورطة والإحراج" الذي انعكس من تصرفات رئيس الحكومة الإسرائيلية ووزرائه ومؤيديه، جاء بسبب "التجاوز الأمريكي لإسرائيل"، إذ فتحت الولايات المتحدة باباً مباشراً للتفاوض مع حركة "حماس" وأطلقت سراح مواطناً مزدوج الجنسية، وقدمت سلسلة من الضمانات للحركة، وتم كل ذلك دون معرفة إسرائيل.
وقد وصف السفير الأمريكي في إسرائيل، مايك هاكابي، الإفراج عن ألكسندر بأنه "بداية نهاية هذه الحرب الوحشية" على قطاع غزة، في إشارة واضحة إلى رغبة الإدارة الأمريكية في إنهاء الصراع.
سياسة أمريكية جديدة
جاء هذا التوتر في ظل ملامح سياسة أمريكية جديدة في المنطقة، إذ أشار الدبلوماسي الأمريكي السابق، آرون ديفيد ميلر، إلى "تشكل نمط واضح في سياسات ترمب تجاه المنطقة"، موضحاً أن الرئيس الأمريكي تواصل مرتين مع "حماس"، وشارك في جهود لوقف إطلاق النار مع الحوثيين، وفتح قنوات تفاوض مع إيران، جميعها دون تنسيق مع إسرائيل.
وأضاف ميلر أن هذا النهج يُعد "خروجاً لافتاً عن سياسات الإدارات الأمريكية السابقة، الجمهورية والديمقراطية على حد سواء، والتي حرصت على تنسيق وثيق مع تل أبيب"، مشيراً إلى أن سياسة "عدم وجود فجوة مع إسرائيل" لم تعد قائمة في عهد ترمب.
تهديد المصالح المشتركة
وفقاً للبروفيسور أبراهام بن تسفي، الخبير المختص في العلاقات الإسرائيلية-الأمريكية، فإن العلاقات الإسرائيلية الخاصة مع الولايات المتحدة باتت "تحت الاختبار"، وكذلك مكانة إسرائيل في الشرق الأوسط.
وأضاف: "ترمب ونتنياهو يقتربان من مواجهة حتمية في القضايا الإقليمية الجوهرية، والرئيس الأمريكي يدفع بخطة طموحة لإعادة تشكيل الشرق الأوسط، ويسعى لتحقيق تقدم سريع وإنجازات فورية، بينما تتبع إسرائيل نهج المماطلة".
وتشير التقارير إلى أن الخلاف بين ترمب ونتنياهو بلغ ذروته في الأسابيع الأخيرة، خصوصاً بعد شعور الرئيس الأمريكي بالإحباط إزاء قرار نتنياهو استئناف الهجوم العسكري على قطاع غزة، والذي اعتبره ترمب "يتعارض بشكل مباشر" مع خطته لإعادة إعمار القطاع بعد إضعاف حركة "حماس".
تعميق الشرخ
يبدو أن الرئيس الأمريكي يسعى إلى تحقيق إنجازات دبلوماسية كبرى في المنطقة، إذ يرى مراقبون أن وقف الحرب في غزة وأوكرانيا والتوسط بين الهند والباكستان واتفاق نووي جديد مع إيران وتطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل والتوصل إلى حل للقضية الفلسطينية، قد يمهد الطريق نحو حصول ترمب على جائزة "نوبل" للسلام.
في المقابل، يواجه نتنياهو ضغوطاً داخلية من شركائه في الائتلاف الحكومي، إذ هدد وزير المالية بتسلئيل سموتريتش بالانسحاب من الحكومة في حال لم تكن هناك عودة قوية للحرب على غزة، مما يعني انهيار الائتلاف الحاكم وحل الكنيست والتوجه لانتخابات مبكرة.
مستقبل العلاقات على المحك
اعتبر الدبلوماسي الأمريكي السابق ريتشارد شميرر أن موقف ترمب الحالي تجاه إسرائيل وغزة ينطلق من إدراكه أن "رئيس الوزراء الإسرائيلي لا يريد تقديم تنازلات أو إنهاء الحرب على غزة، وأن ما يريده نتنياهو لا يخدم المصالح الأمريكية".
ويتوقع شميرر أن يتجه ترمب إلى "التركيز على قضايا أخرى في الشرق الأوسط، خصوصاً في منطقة الخليج، حيث تتمحور مصالح أمريكية مهمة كانت متوقفة بسبب تصرفات إسرائيل"، مما قد يعني تراجعاً في أولوية إسرائيل ضمن السياسة الخارجية الأمريكية في المنطقة.
مع استمرار هذه التوترات، تبدو العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية في مفترق طرق حاسم، قد يعيد رسم معالم التحالف الاستراتيجي بين البلدين في الشرق الأوسط للسنوات المقبلة.