التهجير المبطن.. هل ينجح بأشكاله الإنسانية ترحيل أهل غزة؟

نزوح المواطنين في قطاع غزة
نزوح المواطنين في قطاع غزة

رغم الترحيب الفلسطيني بالجهود المبذولة لسفر مرضى قطاع غزة للعلاج بالخارج، إلا أن كثيرون يتخوفون من جزئية السماح بزيادة عدد المرافقين لهؤلاء المرضى، إلى حد يصل إلى خروج بعض عائلات المرضى جميعها للمرافقة.

فهناك من يشكك في أن مثل هذه الخطوة قد تُشجع على ما يسمى التهجير الطوعي "المبطن" بطابع إنساني، نابع من مخطط "التهجير القسري" الذي بدأت (إسرائيل) تنفيذ إجراءاته، عملاً بما يسمى "خطة ترمب" المعلنة حول تهجير سكان قطاع غزة.

ومما يزيد التوجسات والتخوفات لدى المرضى المسافرين وعائلاتهم المرافقة، ما تسرب إليهم من نوايا عدم السماح لهم بالعودة بعد انتهاء فترة العلاج، وكذلك من تغيير وجهة السفر للعلاج من دولة إلى أخرى، حيث تفاجأ بعضهم بأن البلد الذي حطوا به غير المكان المكتوب في تحويلة العلاج.

وفي ظل استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة، بدأت عائلات بأكملها تغادر القطاع بصمت، ومن دون ضجة إعلامية، عبر معبر كرم أبو سالم التجاري، الذي تسيطر عليه (إسرائيل)، وبترتيبات مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر، فهل نحن أمام تهجير "طوعي"؟.

مزاعم متداولة

قبل الولوج في تفاصيل ما سبق، يجب الإشارة إلى بعض الإحصائيات المتعلقة بجرحى قطاع غزة والمرضى الذين يحتاجون للعلاج في الخارج، حيث لم يتسنى تحديث هذه البيانات بعد إغلاق الاحتلال لمعبر رفح واحتلال كامل المدينة جنوب قطاع غزة.

ولكن وفقاً لإحصائية منظمة الصحة العالمية في بيان صادر عن مدير المنظمة العالمية، فقد تم إجلاء ما لا يقل عن خمسة آلاف و383 مريضاً بمساعدة منظمة الصحة العالمية، منذ اندلاع الحرب في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، بينما لا يزال أكثر من 12 ألف فلسطيني ينتظرون مغادرة غزة.

وفي التفاصيل، تداول نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، ما زعموا أنه منقول عن إحدى المريضات المتواجدات في مصر، بأن منظمة الصحة العالمية تتواص

 

مع العائلات بحجة العلاج، وتحدد المرافقين حسب أجندتها، مشيرة أن هناك تحويلات علاجية (مشبوهة)، لكن عند السفر تُفرض إجراءات غامضة، وبدلاً من المستشفيات يُنقل المرضى إلى أماكن مجهولة.

كما نقل هؤلاء النشطاء عن -ذات المريضة- ما قالت عنه "فضيحة السفارة الفلسطينية.. تهجير وليس علاج"، حيث ذكرت أنه عند الاتصال بأحد موظفي السفارة للمطالبة بالعودة، كان رده: “مفيش رجوع لغزة، انسيها، بتعيطي على كوم حجار"، متسائلين النشطاء "من يقف خلف هذا المخطط، من المسؤول عن تهجير المرضى بدل علاجهم؟".

2.jpg

3.jpg

شهادات حية

وبشهادات حية لـ"زوايا" من مواطنين في غزة خرجوا لمرافقة مرضاهم في الخارج. فبينما كان المواطن عمر أحمد، نازحاً من مدينة غزة إلى أقصى جنوب القطاع في مدينة رفح، فقد بترت بعض أصابع يدي ابنه " مؤمن" من جراء جسم مشبوه من مخلفات الاحتلال، الأمر الذي استدعى تحويله للعلاج خارج القطاع.

يقول عمر "تقدمت لمرافقة ابني في رحلة علاجه، ولكن تمت الموافقة على زوجتي وأربعة من أبنائي للمرافقة(..) المؤسف في الأمر أن التحويلة كانت لقطر ولكنهم نزلوا في مستشفى عسكري في مصر".

أما المواطنة انشراح عفانة، فقد تقدمت لمرافقة ابنتها "حلا" المريضة بالسرطان، وقد تمت الموافقة عليها وعلى أربعة من أبنائها للعلاج في مصر، في حين تركت خلفها في غزة زوجها وأربعة أخرين من أسرتها، والذين كانت تفضل خروجهم جميعاً خوفاً عليهم من بطش الحرب المستمرة على القطاع.

تقول انشراح " مضى على سفرنا أكثر من عام، ونتوق للعودة لغزة، لكن ظروف إغلاق المعبر مازالت حائلاً أما تحقيق مرادنا". وتضيف " ما نسمعه عن عدم السماح للمسافرين بالعودة، يجعل في القلب غصة كبيرة، ويزيد من مخاوفنا بأن نبقى مهجرين خارج غزة".

أما الأربعيني علي العرجاني، فقد خرج برفقة إحدى بناته مؤخراً للالتئام بابنته "سجى" التي تتعالج من مرض السرطان في الإمارات بدون أي مرافق.

"علي" الذي جاءه نبأ موعد السفر عبر معبر كرم أبو سالم، قبل يوم واحد فقط، وذلك بتنسيق من منظمة الصحة العالمية، حيث يتخوف من عرقلة رجوعه بعد أن ترك باقي أفراد أسرته وراءه. علماً أنه كان يرغب باصطحاب زوجته ليجعلها ترافق ابنتهم ومن ثم يعود لغزة بعد الاطمئنان على مريضتهم.

وكما كثير من الحالات، فقد وجهت مؤخراً عائلة قديح بشكل عاجل، نداء إلى الجهات المختصة “وزارة الصحة الفلسطينية ومنظمة الصحة العالمية”، لإنقاذ حياة ابنهم شفيق عبدالله رضوان (قديح) الذي تعرض لإصابة بليغة أثناء الحرب في رقبته مجرى التنفس وفي بطنه واصابة الأعضاء الداخلية، مطالبين بضرورة التدخل العاجل لضمان سفر ابنهم في أسرع وقت ممكن.

قديح.jpg

شكل آخر للتهجير

وثمة شكل آخر للتهجير المبطن، وذلك من خلال عروضات العمل التي يتم الترويج لها عبر الإعلانات الممولة على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يصل المواطنين على هذه الصفحات كم كبير من العروضات المختلفة للعمل خارج قطاع غزة وبأجور عالية ومغرية للغاية.

وحول هذا النوع من "التهجير المبطن" بواسطة الحث على العمل أو الدراسة في الخارج، فقد أرجع مختصون في التكنولوجيا الحديثة، تزايد هذا النوع من الإعلانات الممولة على صفحات الغزيين، إلى الاهتمام أو الفضول الذي يبديه المتصفحون لمواقع التواصل الاجتماعي ومجاراتهم لمتابعة ومعرفة باقي التفاصيل، حيث بمجرد الضغط على الاعلان يكون ذلك بمثابة موافقة على الاستزادة من هكذا اعلانات، وبالتالي تتضاعف وربما يتم التواصل مباشرة مع المهتمين بهذا الأمر.

وبالفعل هذا ما حدث مع المواطن الثلاثيني مراد سلامة، والذي تصله يومياً إعلانات ممولة على حائط صفحته على "فيس بوك" وتطور لاحقاً هذا الأمر للتواصل المباشر معه من قبل إحدى الشركات الغربية، ولكنه لم يفصح عن تفاصيل أخرى بالخصوص.

ويتمنى سلامة لو أتيحت له فرصة عمل في الخارج، عاداً أن ذلك أفضل له من العيش في غزة التي ما عادت تصلح للحياة، حسب تعبيره.

وخلافاً لم سبقه، فقد أبدى "خالد المشارفة" عدم اهتمامه بأي إغراءات للعمل خارج قطاع غزة، ذلك بالرغم من أنه يعمل باليومية في مدينته دير البلح وسط القطاع.

ورغم أن- المشارفة- لا يخفى امتعاضه من دخول الحالة الاقتصادية والأمنية والسياسية في غزة بنقق مظلم من جراء الحرب، لكنه يعتبر أن الهجرة ليست حلاً، وإنما المشكلة في الاحتلال الذي يحاول أن يضيق الخناق على الغزيين ويدفعهم للرحيل.

من المسؤول؟

ورغم المسؤولية التامة للاحتلال الإسرائيلي عن حرب الإبادة وكل المعاناة والمآسي التي يتعرض لها سكان قطاع غزة ومنها "التهجير القسري أو الطوعي وخلافه"، إلا أن الكثيرين يحملون حركة حماس وحكومتها المسؤولية عما وصل بهم الحال إلى حد التهجير من وطنهم.

ويجري الإجلاء الطبي بالتنسيق بين وزارة الصحة الفلسطينية ومنظمة الصحة العالمية والسلطات المصرية، حيث ترى وزارة الصحة بغزة أن نسبة ما يخرج من قطاع غزة من الجرحى والمرضى نسبة ضئيلة جداً من الاحتياج المطلوب، مشيرة إلى أن إغلاق معبر رفح واحتلال مدينة رفح، دفع إلى تحويل هؤلاء المرضى والجرحى عبر كرم أبو سالم، مما يحول دون تلبية الاحتياج الكبير للعلاج في الخارج.

وحول التخوفات من توظيف خروج الجرحى والمرضى للعلاج في الخارج في عملية تهجيرهم بعد عدم السماح لهم بالعودة إلى غزة، فقد اكتفى مصدر طبي في وزارة الصحة بغزة في حديث مقتضب لـ"زوايا" بالقول " نأمل ألا يحدث ذلك وألا يتم توظيف هذا الجانب الإنساني سياسياً"، عاداً أن هذا الأمر تحقيق وتأكيد، كما يحتاج إلى ضمانات بعدم التسييس من منظمة الصحة العالمية ومن الحكومة المصرية التي تتوليان الإشراف على سفر هؤلاء المرضى والجرحى.

ومن ناحيته تحليلية، يرى الكاتب والمحلل السياسي إياد القرا والمقرب من حركة حماس، أن العمل على التهجير سياسية إسرائيلية صهيونية تهدف عملياً إلى التخلص من الفلسطينيين، ليس بحسب في قطاع غزة وإنما في الضفة والقدس والداخل المحتل بأي شكل من الأشكال، عاداً أنه بما يخص التهجير في غزة، فقد وجده الاحتلال العنوان بشكل أو بآخر، خاصة بعد السابع من اكتوبر، وبعد موقف الإدارة الأمريكية المنحاز للموقف الإسرائيلي والذي يصب في خانة أن ما حدث في السابع من اكتوبر هو فرصة لإزالة الخطر الذي يهدد الحليف الإسرائيلي.

غير أن القرا يؤكد في حديثه لـ"زوايا" أن كثير من الاعتبارات سوف تُفشل كل مشاريع التهجير القسري أو ما يسمى التهجير الطوعي والمبطن بإجراءات مختلفة، يتساوق معها بعض الدول التي لم يسمها، ومن هذه الاعتبارات "فلسطينياً صمود سكان غزة طوال أكثر من عام ونصف تحت القصف والقتل والنزوح والتجويع وخلافه، وكذلك عودة النازحين من الشمال للجنوب وتمسكهم بأرضهم واحتضانهم لمقاومتهم لأبعاد إنسانية ووطنية وغيرها".

وأشار القرا إلى اعتبار آخر، وهو الموقف المصري الذي لم يقبل تهجير الفلسطينيين وتوطينهم في سيناء، إضافة إلى الموقف المبدئي بما يتعلق بالموائمة والموافقة مع المخططات الإسرائيلية لتهجير الفلسطينيين، حيث سيزيد هذا الضغط الشعبي على الأنظمة العربية بغض النظر عن ضعفها أو قوتها، ولكن -بشكل عام- المزاج العام رافض لهذه الخطوات، سواء في مصر أو الأردن أو السعودية، إضافة إلى الاعتبارات الداخلية الذاتية لمثل هذه الدول وموقفها من القضية الفلسطينية، بغض النظر عن شكل هذه المواقف، فضلاً عن الموقف الدولي الذي في مرحلة معينة هو داعم للموقف الإسرائيلية، لكنه يرفض مبدأ التهجير بشكل أو بآخر.

وركز القرا، على أن محاولات "البعض" لتسهيل التهجير الطوعي بأشكال مبطنة مختلفة، يشوبه نوع من الشبهة في هذا الوقت الراهن وحساسية ملحوظة، وذلك رغم أنه في بعض الأحيان السابقة كان يأخذ الشكل الطبيعي، حيث كان يسافر من غزة عشرات الآلاف أو مئات الآلاف من الفلسطينيين لقضاء مصالحهم، لافتاً إلى محاولات استغلال ذلك هو جزء من إظهار وكأن المواطنين يهاجرون من غزة طوعياً، إضافة إلى أنهم يستخدمون هذه المصطلحات للمراوغة، لمحاولة تجميل وتزيين مخططات التهجير القسري بشكل أو بآخر.

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo