أولاً: المشهد
أعلنت فرنسا، عبر تصريحات متعددة صادرة عن الرئاسة ووزارة الخارجية، رفضها القاطع لأي مخطط يهدف إلى تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، سواء بطابع قسري أو "طوعي"، كما ورد في مبادرة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب. وتزامن هذا الموقف مع تصعيد إسرائيلي في غزة، وسط مؤشرات متزايدة على محاولات فرض واقع ديموغرافي جديد يخدم مشاريع الاحتلال بعيدة المدى.
في هذا السياق، جاءت زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى مصر في 7 أبريل 2025، لتسلّط الضوء على أهمية الدور الفرنسي في دعم الخطة العربية لإعادة إعمار غزة، وتأكيد باريس على التمسك بحل الدولتين كمسار رئيسي لتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط.
ثانياً: أبعاد ودلالات
1. رفض صريح للتهجير:
التأكيد على أن تهجير الفلسطينيين من غزة "غير مقبول"، ويناقض بشكل صريح حل الدولتين الذي تلتزم به فرنسا كسياسة رسمية وثابتة.
2. انتقاد خطة ترامب:
رفض الرئيس ماكرون اقتراح ترامب بتهجير سكان غزة إلى دول الجوار، بوصفه "حل عقاري" لا يراعي كرامة السكان الفلسطينيين، بل يفتح الباب أمام اضطرابات إقليمية واسعة.
3. استقرار المنطقة في خطر:
اعتبار أي سيناريوهات لتهجير جماعي من غزة خطر على استقرار شركائها الإقليميين، خصوصًا مصر والأردن، ويمثل تهديدًا مزدوجًا: أمنيًا وسياسيًا.
4. القانون الدولي أولا:
التهجير القسري انتهاك صارخ لاتفاقيات جنيف، مع التمسك بالموقف القانوني الدولي في التعاطي مع النزاع الفلسطيني–الإسرائيلي.
ثالثاً: رسائل الموقف الفرنسي
- تأكيد دعم الحقوق الوطنية الفلسطينية، وفي مقدمتها حق العودة والعيش في وطن آمن وكريم.
- تمسك فرنسا بحل الدولتين كإطار سياسي شامل، ورفض أي محاولة لتقويض هذا المسار عبر إجراءات أحادية.
- إبراز مكانة فرنسا كفاعل أوروبي مستقل عن السياسات الأمريكية المنحازة، وسعيها لتقديم نفسها كوسيط نزيه.
- إدراك استراتيجي لتداعيات التهجير على أمن الإقليم، وخاصة الدول العربية المتاخمة لغزة.
- تفعيل البُعد الأخلاقي والقانوني في الموقف الفرنسي، ما يعزز شرعية خطابها الدولي ويكسبه تعاطفاً في الساحة الأوروبية والدولية.
رابعاً: الاستثمار في الموقف الفرنسي
يمكن استثمار الموقف الفرنسي الرافض للتهجير عبر المسارات التالية:
1. التحرك العربي المشترك لتقوية هذا الموقف عبر التنسيق السياسي والإعلامي مع باريس، وضمان عدم تراجعها عنه أمام ضغوط إسرائيلية أو أميركية محتملة.
2. دفع فرنسا لتبنّي مبادرات أوسع في الاتحاد الأوروبي لإدانة محاولات تهجير الفلسطينيين، وتحويل الموقف الفرنسي إلى سياسة أوروبية موحدة.
3. تشجيع باريس على رعاية مؤتمر دولي لدعم الحل السياسي وإعادة الإعمار في غزة، بما يثبت حضورها كضامن للحقوق الفلسطينية.
4. إبراز الموقف الفرنسي في المحافل الإعلامية والدبلوماسية كرافعة لمواجهة الرواية الإسرائيلية، خاصة في النقاشات حول التهجير و"الحلول البديلة".
خامساً: الخلاصة
يعكس الموقف الفرنسي الراهن تجاه خطط تهجير الفلسطينيين من غزة التزامًا سياسيًا وقانونيًا بحل الدولتين ورفضًا قاطعًا لأي حلول أحادية تفرض بالقوة أو بالمساومات. ويمثل هذا الموقف فرصة حقيقية للدبلوماسية الفلسطينية والعربية للبناء عليه، وتعزيز دور باريس كلاعب محوري يمكن أن يشكّل توازناً في مواجهة الانحياز الأمريكي التقليدي لإسرائيل. إن الحفاظ على هذا الموقف وتوسيعه أوروبياً قد يسهم في وقف مشاريع التهجير وتثبيت الحقوق الفلسطينية المشروعة.