من جديد عاود الإحتلال الإسرائيلي عدوانه الهمجي على قطاع غزة، ضاربا عرض الحائط باتفاق وقف إطلاق النار، وكل القوانين الدولية، ليشن حربا وحشية تستهدف الإنسان والحجر، وسط تواطؤ دولي وصمت مريب.
وفي الوقت الذي تعالت فيه صرخات الأطفال والنساء من تحت الركام، وتساقطت الأرواح بلا رحمة، بقى المجتمع الدولي مترددًا في اتخاذ مواقف حاسمة لوقف نزيف الدم الفلسطيني.
حرب بلا أفق.. ضحاياها المدنيون
الكاتب الصحفي حسام العادلي، أكد أن التصعيد الإسرائيلي الجديد ضد غزة يأتي ضمن سلسلة متواصلة من المواجهات التي لا تقتصر على الأبعاد العسكرية، بل تطال حياة المدنيين بشكل كارثي.
وأكد أن القصف الإسرائيلي يستهدف مناطق سكنية ومرافق حيوية، ما تسبب في انهيار شبه كامل للبنية التحتية، وتفاقم الوضع الإنساني المتدهور أصلًا، وسط نقص حاد في الغذاء والدواء والكهرباء.
وأشار إلى أن هذا العدوان يأخذ طابعًا شاملًا يتعدى نطاق المواجهة المسلحة ليصل إلى تدمير منهجي للمجتمع الفلسطيني، في ظل صمت دولي وازدواجية في المواقف.
وانتقد العادلي ردود الفعل الدولية التي جاءت سطحية، فيما تزداد المعاناة الإنسانية في القطاع يومًا بعد يوم، ما يضع العالم أمام اختبار حقيقي لمصداقيته في الدفاع عن حقوق الإنسان.
استئناف العدوان.. دولة فوق القانون
أما الكاتب الصحفي عمرو الشوبكي، فيرى أن إسرائيل استأنفت عدوانها على غزة بعدما تأكدت من غياب أي رادع دولي، وحصولها على ضوء أخضر أمريكي مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، مما منحها حرية الحركة دون قيد أو حساب.
وأضاف أن دولة الاحتلال تدرك تمامًا ضعف الموقف العربي، وتراجع فعالية أدوات الضغط الدولية، وتستغل ذلك لارتكاب جرائمها بلا محاسبة.
وأشار إلى أن إسرائيل تتصرف كدولة متجبرة فوق القانون، بينما تفرض على حركة حماس تقديم المزيد من التنازلات، بل وتجبرها على القبول بإطلاق سراح الرهائن دون أي مقابل حقيقي.
وأكد الشوبكي أن العدوان الأخير جاء أيضًا بسبب خطأ في قراءة حماس للمشهد الدولي، من خلال استعراضات غير محسوبة، ما أعطى مبررًا إضافيًا للتيار المتطرف في إسرائيل لاستئناف الحرب.
وشدد على أن استمرار العدوان الإسرائيلي، رغم الجهود المصرية الكبيرة، يكشف حجم التواطؤ والصمت المحيط بإسرائيل، مشيرًا إلى أننا أصبحنا بحاجة إلى "معجزة" لوقف آلة القتل، بينما تجد حماس نفسها أمام ضغوط متزايدة لتقديم تنازلات مؤلمة، قد تصل إلى الإفراج عن الرهائن دون مقابل أو ضمانات حقيقية لوقف إطلاق النار.
خريطة الدم.. إسرائيل ومشروع التهجير الكبير
من جانبه قال الكاتب عبد المحسن سلامة أن استئناف العدوان الإسرائيلي على غزة، يعكس نية واضحة لدى رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو لتغيير خريطة الشرق الأوسط انطلاقًا من غزة، كما صرح علنًا مؤخرًا.
وأشار سلامة إلى أن هذا التصريح، رغم تكراره سابقًا، إلا أنه يأتي هذه المرة في سياق مختلف، حيث عاد نتنياهو للحرب طوعًا، مدفوعًا بأزمة داخلية خانقة تهدد حكومته بالانهيار في حال استمرار تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار الموقع في يناير الماضي، والذي كان يتضمن انسحابًا تدريجيًا من غزة وإدخال مساعدات إنسانية.
وأضاف أن نتنياهو استغل دعم إدارة ترامب لإجهاض اتفاق وقف إطلاق النار، متذرعًا بقضية تبادل الأسرى، لكنه في الحقيقة يبحث عن تصفية القضية برمتها.
وأوضح أن استمرار العدوان مرتبط بمصير الحكومة الإسرائيلية المتفككة، ومحاولة نتنياهو التغطية على أزماته الداخلية، مضيفًا أن مخططات «إسرائيل الكبرى» بدأت تبرز مع الاجتياحات المتكررة لأراضي سوريا، وفتح قنوات مع بعض مكونات الداخل السوري.
ودعا الكاتب إلى "إفاقة عربية عاجلة"، تبدأ بموقف واضح من الولايات المتحدة، مشددًا على أن الخطر الأكبر يتمثل في غياب أولويات وخطط واضحة لدى القادة العرب، مما يمنح الاحتلال فرصة للاستمرار في تنفيذ مخططه التوسعي.
عدوان مستمر وصمت دولي مريب
لم يكن استئناف العدوان على قطاع غزة مجرد ردة فعل عسكرية عابرة، بل يأتي ضمن مسار ممنهج يعكس أطماعًا توسعية، ويمثل امتدادًا لمشروع استعماري يسعى لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط بما يخدم الأجندة الصهيونية.
وبينما تواصل آلة القتل الإسرائيلية استهداف المدنيين بلا رادع، فإن الدعم الأمريكي والتواطؤ الدولي يمنحان الغطاء السياسي اللازم لهذا العدوان المتجدد، في المقابل، تبقى الدعوات العربية والدولية إلى التهدئة عاجزة ما لم تقترن بتحركات ضاغطة حقيقية توقف هذا الجنون الدموي وتضع حدًا لسياسة الإفلات من العقاب التي تتمتع بها إسرائيل.
المأساة الإنسانية المتفاقمة في غزة، وحالة الصمت والتواطؤ الدولي، تفرضان مسؤولية أخلاقية وسياسية على الجميع، تستدعي وقفة صادقة من المجتمع الدولي لإنهاء معاناة شعب محاصر، وإرساء مسار عادل يُعيد الحقوق لأصحابها ويضع حدًا لصراع طال أمده دون أفق حقيقي للحل.