في عودة دامية للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، تواصل حكومة بنيامين نتنياهو تصعيدها العسكري تحت ذرائع متعددة، وحالة من الاضطراب الإقليمي والدولي، ورفض واسع للمخططات الإسرائيلية التي تهدد بإعادة تشكيل الجغرافيا والديموغرافيا في الشرق الأوسط.
وبينما تروج إسرائيل لأهداف معلنة للتصعيد تتعلق بتحرير الأسرى وتصفية المقاومة، كشف كتاب ومحللون سياسيون عن أهداف خفية تتراوح بين تثبيت أركان الحكومة الإسرائيلية التي تواجه أزمات ومشكلات جمة، وتمرير مشاريع تهجير وتصفية القضية الفلسطينية.
لماذا عادت الحرب؟
قال الكاتب المصري عبد اللطيف المناوي، إن عودة العدوان على غزة ليست مجرد رد فعل على تعثر صفقة تبادل الأسرى، بل انعكاس مباشر للأزمة السياسية العميقة التي يواجهها بنيامين نتنياهو داخل إسرائيل.
وأضاف أن نتنياهو يستغل التصعيد العسكري كوسيلة للهروب من المأزق الداخلي، وتوحيد الجبهة الداخلية وحشد اليمين المتطرف حوله قبيل موعد التصويت على الميزانية.
وأشار المناوي إلى أن هذا العدوان ليس منفصلاً عن التحولات الإقليمية الجارية، مثل الهجمات الأمريكية البريطانية على اليمن، الأمر الذي يفتح الباب أمام احتمال أن يكون التصعيد ضد غزة جزءًا من مشروع إقليمي أوسع، يستهدف إعادة ترتيب توازنات الشرق الأوسط ضمن رؤية أشمل، قد تصل إلى حد شطب غزة ديموغرافيًا ضمن مشروع "الشرق الأوسط الجديد".
وأوضح أن استمرار الحرب لم يكن مفاجئًا، فالهجمات الإسرائيلية لم تتوقف فعليًا، بل تفاوتت وتيرتها، والآن تعود إلى سياقها التصعيدي دون أي اعتبار للضوابط أو المواثيق الدولية، مشددا على أن الحرب الأخيرة تمثل جزءًا من استراتيجية إسرائيلية أوسع تستهدف تفكيك القضية الفلسطينية، وليس فقط ضرب المقاومة في غزة.
وأكد "المناوي" أن إسرائيل تواصل عدوانها على غزة بدعم أمريكي واضح، في ظل حالة التراخي الدولي والعجز العربي عن فرض أي ضغوط فاعلة على الاحتلال، متسائلًا: "هل تتغير هذه المعادلة يومًا؟".
ستة أهداف خلف التصعيد
أما الكاتب عماد الدين حسين فأكد أن العدوان الجديد على غزة يحمل في طياته مجموعة من الأهداف، تتراوح بين ما هو تكتيكي وما هو استراتيجي بعيد المدى.
وأوضح "حسين" أن الهدف الأول الذي يسعى الاحتلال للوصول إليه يتمثل في الضغط على حركة حماس لتسليم الأسرى المحتجزين في القطاع دون مقابل، في إطار سياسة "التفاوض بالنار"، تمهيداً لاستئناف العدوان واحتلال القطاع.
وأضاف أن الهدف الثاني يتمثل في إرضاء التيار المتطرف داخل الحكومة الإسرائيلية وتأمين عودة إيتمار بن غفير، ما يساعد على بقاء الحكومة وتمرير الميزانية التي تواجه مشاكل وصعوبات كثيرة.
وأشار إلى أن الهدف الثالث هو تعطيل المبادرة المصرية لإعادة إعمار غزة، والتي حظيت بإجماع عربي ودولي، وتسهم في إفشال مخطط تهجير السكان وإقامة دولة فلسطينية على حدود 1967.
وأكد "حسين" أن الهدف الرابع الذي تسعى حكومة نتنياهو لتحقيقه يتمثل في إعادة إحياء مخطط تهجير سكان غزة إلى دول مجاورة، مشيراً إلى مؤشرات إسرائيلية تؤكد استمرار العمل على هذا المسار، تتمثل في إقامة إدارة متخصصة لمتابعة عملية التهجير، وتخصيص ميناء بحري ومطار جوى لترحيل الفلسطينيين.
كما أشار إلى أن الهدف الخامس يرتبط باحتمال توجيه ضربة مشتركة ضد إيران أو أذرعها في المنطقة، فيما يتعلق الهدف السادس بتنفيذ خطة نتنياهو التي أعلنها عقب اغتيال أمين عام حزب الله الراحل حسن نصر الله، بإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط.
أهداف إسرائيل التي لا تتحقق
أما الكاتب سامح فوزي، فيرى في استئناف الاحتلال لعدوانه على غزة، محاولة لتحقيق أهدافها التي لم تتحقق، رغم الدمار الهائل الذي ألحقته بقطاع غزة، موضحا أن إسرائيل اضطرت للتفاوض مع حماس نفسها لتبادل الأسرى، ما يكشف إخفاقها في تحقيق أهدافها المعلنة.
وأضاف فوزي أن العدوان الجديد قد يكون محاولة لإحياء مشروع تهجير سكان غزة، استنادًا إلى التصور الذي طرحه ترامب بترحيل الفلسطينيين إلى مصر والأردن، وهو ما قوبل برفض عربي واضح.
وأشار إلى أن العدوان يأتي في وقت تشهد فيه المنطقة اشتعالًا على أكثر من جبهة، بما يعزز نظرية التصعيد الشامل لإعادة صياغة التوازنات في المنطقة.
وشدد على أن الجانب الإنساني بات الأكثر فداحة في هذا العدوان، خاصة مع استهداف المدنيين، وارتفاع عدد الشهداء من النساء والأطفال، إضافة إلى تحذيرات صدرت عن منظمات أممية مثل "يونيسيف" حول الوضع الكارثي لأطفال غزة.
وأكد أن ما يجري يمثل وصمة عار في جبين المجتمع الدولي، الذي يتجاهل جرائم الاحتلال.
وختم فوزي بالتأكيد أن الحرب لن تنهي الصراع، وأن الحل الحقيقي يكمن في المسار السياسي، وليس في العدوان والتدمير، داعيًا الولايات المتحدة إلى مراجعة مواقفها المنحازة التي تقوض فرص السلام وتزيد من إشعال التوترات الإقليمية.
ليست مجرد عملية عسكرية
يرى الكتاب والمحللون أن العدوان الإسرائيلي الجديد على غزة ليس مجرد عملية عسكرية محدودة الأهداف، لكنه يمثل امتدادًا لمشروع استراتيجي أكبر يراد من خلاله فرض معادلات جديدة بالقوة، وسط صمت دولي وعجز عربي.
وبينما تحاول تل أبيب تسويق مبرراتها الزائفة حول الأسرى، تتضح الأهداف الحقيقية المرتبطة بتثبيت أركان الحكم المتطرف، وتفريغ غزة من سكانها، ومنع أي مسار سياسي يؤدي لإقامة دولة فلسطينية.
ويراهن الكتاب الثلاثة على التحرك العربي والدولي الجاد لوقف النزيف الإنساني، وإعادة القضية الفلسطينية إلى مسار الحل السياسي العادل.