في تطور لافت وغير متوقع، أقدمت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على إجراء مفاوضات مباشرة مع حركة حماس، وهي الخطوة التي تُعدّ خروجًا عن السياسة الأمريكية التقليدية التي كانت تتجنب التفاوض المباشر مع المنظمات المصنفة "إرهابية".
هذا التطور أثار العديد من التساؤلات حول دوافع ترامب، وردود فعل إسرائيل، واستجابة حماس، بالإضافة إلى التداعيات المحتملة على الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي وعلى المنطقة ككل.
أهداف ترامب من التفاوض المباشر مع حماس
الكاتب والمحلل السياسي محمد غازي الجمل، أكد أن إقدام الولايات المتحدة على التفاوض المباشر مع حركة حماس يُعدّ تطورًا ذا دلالات كبيرة، ويفتح مسارًا جديدًا تكون فيه القدرة الإسرائيلية على التأثير أقل مما كانت عليه في السابق.
وأضاف الجمل أن هذا التطور يفسر التحفظ الإسرائيلي الواضح تجاه هذه الخطوة، مشيرًا إلى أن إسرائيل أعربت عن قلقها الشديد من هذه المحادثات.
وأوضح الكاتب أن الإدارة الأمريكية كانت تتجنب تقليديًا التفاوض المباشر مع حماس بسبب تصنيفها كحركة إرهابية منذ عام 1997، لكنها خرقَت هذه القاعدة في حالات سابقة، مثل مفاوضاتها مع طالبان ومنظمة التحرير الفلسطينية.
وأكد أن التفاوض المباشر مع حماس يهدف إلى زيادة فاعلية المفاوضات، خاصة في ظل تمييز إدارة ترامب بين المصالح الأمريكية والإسرائيلية.
وأشار الجمل إلى أن هذا التوجه يأتي في سياق تركيز ترامب على المصالح الأمريكية المباشرة، مثل ملف الأسرى، وتفادي الانخراط في حروب إقليمية لا تخدم هذه المصالح، مشددا على أن فشل إسرائيل في تحقيق أهدافها العسكرية في غزة دفع الولايات المتحدة إلى البحث عن طرق جديدة لتحقيق مصالحها.
دوافع ترامب وحماس للتفاوض
أما الكاتب عريب الرنتاوي، فيرى أن محادثات ترامب المباشرة مع حماس جاءت بمثابة صدمة للكثيرين، خاصة لإسرائيل التي كانت تتوقع موقفًا أكثر تشددًا من الإدارة الأمريكية.
وأضاف أن ترامب، الذي يُعرف ببراغماتيته، قرر أخذ زمام المبادرة في ملف الأسرى بعيدًا عن حسابات نتنياهو السياسية الضيقة.
وأكد الرنتاوي أن ترامب مهووس بملف الأسرى، وهو ما دفعه إلى تجاوز التصنيف التقليدي لحماس كحركة إرهابية والتفاوض معها مباشرة، مشيرا إلى أن هذه الخطوة تعكس أيضًا رغبة ترامب في التعامل مع "الأقوياء" على الأرض، حيث رأى في حماس قوة قادرة على التأثير في الميدان.
من جانبها، قالت حماس إنها لم ترفض يومًا التفاوض مع واشنطن، وأن الخط الأحمر الوحيد الذي رسمته هو عدم التفاوض المباشر مع إسرائيل.
وأضاف الرنتاوي أن حماس وجدت في هذه المحادثات فرصة لتجاوز حسابات نتنياهو السياسية، ولتقديم روايتها مباشرة للإدارة الأمريكية بعيدًا عن التشويه الإسرائيلي.
الفرصة الفلسطينية في ظل "الترامبية"
أما الكاتب عبد المجيد سويلم، فتساءل عن إمكانية وجود فرصة فلسطينية في ظل سياسات إدارة ترامب، المعروفة بـ"الترامبية"، موضحا أن "الترامبية" تمثل محاولة لإنقاذ الاقتصاد الأمريكي من التدهور عبر سياسات حمائية وعزلة نسبية عن الصراعات الخارجية.
وأضاف سويلم أن هذه السياسات قد تفتح الباب أمام حلٍّ للقضية الفلسطينية، ليس بالضرورة حلًا وطنيًا كاملًا، ولكن كخطوة لإسقاط الحل الصهيوني الذي يهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية.
وأكد أن ترامب قد يبحث عن استقرار نسبي في الشرق الأوسط، وهو ما يتطلب التعامل مع القضية الفلسطينية بشكل أو بآخر، لكنها خطوة تبقى محفوفة بالتحديات وعدم اليقين.
مفاوضات الخروج الآمن ومستقبل حماس
قال الكاتب حسن عصفور إن تسريب أنباء عن مفاوضات بين المبعوث الأمريكي آدم بوهلر وقيادة حماس في قطر يُعدّ مفاجأة كبيرة. وأشار إلى أن هذه المفاوضات تأتي في سياق تصريحات موسى أبو مرزوق، رئيس حركة حماس السابق، الذي أبدى استعداد الحركة للتفاوض حول مستقبل أسلحتها في غزة.
وأضاف عصفور أن هذه التصريحات تكشف وصول حماس إلى نقطة الحسم الإدراكي بأن مستقبلها في غزة أصبح "مستحيلًا سياسيًا"، مما يدفعها للتفكير في خيارات جديدة.
وأكد "عصفور" أن خروج حماس من غزة، رغم كونه يبدو "خارج المنطق" بالنسبة للكثيرين، إلا أنه أصبح خيارًا مطروحًا في ظل التطورات الأخيرة، موضحا أنه بعد هجوم أكتوبر 2023، تغيرت المعادلات بشكل جذري، ولم يعد هناك مجال لاستمرار الوضع القائم، وهو ما دفع حماس للبحث عن "خروج آمن" يحافظ على وجودها السياسي، وإن كان ذلك يعني التخلي عن سلاحها.
حل دائم أم فصل جديد من التفاوض؟
تظهر المحادثات المباشرة بين الولايات المتحدة وحركة حماس تحولًا كبيرًا في السياسة الأمريكية تجاه الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، حيث تسعى إدارة ترامب إلى تحقيق مصالحها المباشرة بعيدًا عن التنسيق الكامل مع إسرائيل.
هذه الخطوة قد تفتح الباب أمام فرص جديدة لوقف إطلاق النار في غزة، ولكنها أيضًا تثير تساؤلات حول مستقبل حماس كحركة مقاومة وطرف سياسي.
على الجانب الآخر، تبدو حماس مستعدة لتقديم تنازلات في سبيل الحفاظ على وجودها السياسي، لكنها تواجه تحديات كبيرة في ظل الضغوط الإقليمية والدولية.
وفي النهاية، يبقى السؤال الأكبر: هل ستؤدي هذه المفاوضات إلى حلٍّ دائم للصراع، أم ستكون مجرد فصل جديد في تاريخ طويل من الصراع والتفاوض؟