تقدير موقف

على صفيح ساخن.. تفكيك المشهد الداخلي والخارجي المعقد لإسرائيل

مواجهات مع الشرطة الإسرائيلية
مواجهات مع الشرطة الإسرائيلية

قدم الخبير في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، سعيد عكاشة، تحليلاً معمقًا للتطورات الداخلية والخارجية التي تشهدها إسرائيل في أعقاب هجمات 7 أكتوبر 2023، والتي أطلق عليها "طوفان الأقصى".

وسلط عكاشة الضوء على التحديات المتفاقمة التي تواجهها إسرائيل على الصعيدين السياسي والأمني والاجتماعي، في ظل أزمة الإصلاح القضائي المستمرة، والحرب مع "حماس"، وتعدد الجبهات.

زلزال "طوفان الأقصى"

أوضح عكاشة أن الحرب على غزة فاقمت من حدة التحديات الداخلية التي كانت تواجهها إسرائيل قبل "طوفان الأقصى"، والتي باتت تهدد استقرارها السياسي والأمني بشكل غير مسبوق. وعرض أبرز هذه التحديات:

أزمة الإصلاحات القضائية: شرارة الانقسام الداخلي

وأوضح أن الحرب عمقت الأزمة التي بدأت مع تبني حكومة "نتنياهو" خطة الإصلاحات القضائية في فبراير 2023، والتي كادت أن تتسبب في انقسام داخلي حاد بين أنصار اليمين الحاكم والمعارضة.

مظاهر الأزمة: احتجاجات حاشدة ومستمرة، مواجهات في الشارع، دعوات للعصيان المدني، وتدخل غير مباشر من الجيش والأجهزة الأمنية، مما هدد المبدأ الذي يحكم العلاقات المدنية - العسكرية.

تهديد للديمقراطية: الإصلاحات القضائية تهدد النظام الديمقراطي الذي تتباهى به إسرائيل، من خلال الاستناد إلى الأغلبية البرلمانية الضئيلة لإحداث تغييرات جذرية في منظومة القيم والأهداف الموجهة للسياسة العامة.

صراع سياسي حاد: تفكك الوحدة الوطنية

فشل التوحد: محاولات الائتلاف الحاكم لإعادة التموضع في المجال العام لتوحيده في مواجهة ما سُمي بـ "الخطر الوجودي" باءت بالفشل.

تفاقم عدم الثقة: تفاقمت ظاهرة عدم الثقة بين أطراف الإدارة السياسية في إسرائيل، مما أدى إلى حل حكومة الوحدة الوطنية في يونيو 2024.

دعوات للإسقاط: تزايدت الدعوات من جانب بعض أحزاب المعارضة لإسقاط الائتلاف الحاكم والدعوة لانتخابات مبكرة.

أزمة العلاقات المدنية - العسكرية: صدام بين المؤسسات

تبادل الاتهامات: اندلعت أزمة عنيفة بين "نتنياهو" وشركائه في الائتلاف وحكومة الوحدة الوطنية، على خلفية محاولة "نتنياهو" إلقاء تهمة الإخفاق على الجيش والأجهزة الأمنية.

تجاهل رؤية الجيش: تجاهل "نتنياهو" إلحاح الجيش وشركائه في حكومة الوحدة الوطنية على ضرورة وضع تصور لمستقبل قطاع غزة بعد نهاية الحرب.

لجان تحقيق وخلافات: مواجهة مباشرة بين "نتنياهو" والجيش بسبب تشكيل لجان تحقيق في أسباب الإخفاق، وخلافات حول إدارة أزمة الرهائن، ما أسفر عن إقالة وزير الدفاع واستقالة قيادات عسكرية بارزة.

مستقبل "نتنياهو": رهن باستمرار الحرب

تعزيز الائتلاف: في حالة استمرار الحرب ضد غزة، فإن ائتلاف "نتنياهو" سيتعزز بعودة وزراء حزب "عوتسماه إسرائيل" إلى الائتلاف الحاكم مجدداً.

ضغط للانتخابات: في حالة تقصير أمد الحرب، من المتوقع أن يضغط الرأي العام الإسرائيلي من أجل إجراء انتخابات مبكرة.

تحقيق قومي: تشكيل لجنة تحقيق قومية في الإخفاقات التي وقعت فيها الحكومة والجيش والأجهزة الأمنية، وبالتالي يمكن القول إن حقبة "نتنياهو" ستكون قد أوشكت على النهاية في هذا السيناريو.

صعود محتمل لـ "بينيت": وريث اليمين المتطرف؟

بديل اليمين: في حال اختفاء "نتنياهو"، فإن البديل غالباً سيكون أحزاب اليمين التي ترشحها الاستطلاعات للحصول على ما يفوق 62 مقعداً.

"بينيت" في المقدمة: الأقرب لقيادة هذا الصعود هو رئيس الحكومة الأسبق "نفتالي بينيت" أحد ممثلي تيار الصهيونية الدينية.

عودة الشلل السياسي: حال فشل "بينيت" في قيادة جبهة اليمين، فربما تعود حالة الشلل السياسي التي عانتها إسرائيل على مدى ما يزيد على ثلاث سنوات.

"إسرائيل في مواجهة العالم"

أشار عكاشة إلى أن "نتنياهو" يواجه ست قضايا محورية في السياسة الخارجية، بالإضافة إلى الحرب على الجبهات المتعددة:

عقبات استهداف المنشآت النووية الإيرانية: على الرغم من معارضة إسرائيل للاتفاق النووي الإيراني، تواجه صعوبات في استهداف البرنامج النووي لطهران، في ظل تحفظات دولية.

تقويض فرص حل الدولتين: فرص تحقيق حل الدولتين تضاءلت في ظل تصلب المواقف الفلسطينية والإسرائيلية، وخاصة مع طرح خطط لتهجير سكان غزة.

الحفاظ على علاقات جيدة مع روسيا: تسعى إسرائيل للحفاظ على علاقات جيدة مع روسيا لأسباب تتعلق بالتنسيق في سوريا وتجنب الضغوط الأمريكية.

تذبذب العلاقات مع الصين: شهدت العلاقات الإسرائيلية الصينية نمواً ملحوظاً، لكنها تواجه تحديات في ظل التوترات بين الصين والولايات المتحدة.

الحفاظ على العلاقات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة: العلاقات الإسرائيلية الأمريكية شهدت توترات في ظل اختلاف وجهات النظر حول حل الدولتين والملف النووي الإيراني.

احتمالية تجدد الحرب على جبهات متعددة: استمرار الحرب على جبهات مختلفة، خاصة مع الحوثيين في اليمن، واحتمال التصعيد مع إيران.

تحديات جديدة تلوح في الأفق

لفت عكاشة إلى بروز تحديات جديدة للسياسة الخارجية الإسرائيلية، من بينها حماية الشتات اليهودي في الولايات المتحدة وأوروبا بعد ارتفاع مظاهر العداء لإسرائيل على خلفية الحرب في غزة، بجانب وقف التدهور المتزايد في العلاقات مع مصر، فضلاً عن سعي إسرائيل لمواجهة طموحات تركيا الإقليمية.

إسرائيل على مفترق طرق: نحو المجهول؟

تشير هذه التطورات الداخلية والخارجية المتشابكة إلى أن إسرائيل تقف حالياً على مفترق طرق سياسي وأمني غير مسبوق. وفي ظل هذه المعطيات المعقدة، فإن تحديد السيناريوهات والاحتمالات المستقبلية بشكل واقعي وعملي يظل أمراً ضرورياً لإعداد سياسات قادرة على التعامل بفاعلية مع هذا الواقع المتغير. فلا تزال إسرائيل عالقة في وضع حالة اللا حسم على كافة الجبهات.

المصدر : متابعة-زوايا
atyaf logo