رغم دخول وقف إطلاق النار في قطاع غزة حيز التنفيذ في 19 يناير 2024، بعد 15 شهراً من الحرب التي خلفت أكثر من 46 ألف شهيد فلسطيني، لا تزال المخاطر قائمة.
خلال هذه الفترة، نزح 2.3 مليون مواطن فلسطيني، بينما حذرت الأمم المتحدة في نوفمبر 2024 من اقتراب القطاع من "المجاعة"، خاصة في شمال غزة حيث دمر الاحتلال 90% من الوحدات السكنية.
الهدنة التي سمحت بدخول 600 شاحنة مساعدات يومياً، مع تسجيل 630 و915 شاحنة في اليومين الأول والثاني، لم تنجح في مواجهة التحديات المتعلقة بتوزيع المساعدات بسبب القيود الإسرائيلية، وعدم كفايتها، في ظل تقييد عمل وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، التي تعد الشريان الرئيسي للإغاثة الإنسانية.
هدنة هشة
"مجموعة الأزمات الدولية" كشفت في تقرير استراتيجي حديث أن وقف إطلاق النار في غزة مرحب به لكنه يظل هشًا، إذ تخطط إسرائيل لاستئناف الحرب بعد انتهاء من الافراج عن أكبر عدد من الأسرى، مع استعدادات عسكرية تمكنها من إعادة احتلال أجزاء من القطاع.
ويشير التقرير إلى أن الحرب غيرت التركيبة الديمغرافية والجغرافية للقطاع، حيث دفعت إسرائيل السكان نحو الجنوب وأقامت ممرات عسكرية ومناطق عازلة، ولا تزال تتحكم في المناطق الحدودية، ما يهدد بعودة الحرب.
ورغم انسحابها الجزئي من محور نتساريم ما سمح بعودة النازحين، الأمر الذي قد يعرقل استئناف الحرب، لكن من غير الواضح مدى التزام الاحتلال بالانسحاب، وكذلك دور الإدارة الأميركية في ضمان ذلك، وذلك بالتزامن مع الأزمة الإنسانية الحادة التي يعاني منها القطاع والمتمثلة في نقص الغذاء والماء، وتجمُّد أطفال حتى الموت بسبب البرد وسوء التغذية.
الضفة الغربية: تكثيف الاستيطان
في الضفة الغربية، استغلت حكومة الاحتلال، التي تضم وزراء من اليمين المتطرف، الحرب في غزة لتسريع توسعها الاستيطاني، حيث أُنشئت 52 بؤرة استيطانية جديدة منذ 7 أكتوبر 2023، منها سبعٌ في المنطقة "ب" التي تخضع للسيطرة المدنية الفلسطينية وفق اتفاقات أوسلو.
يهدف هذا التوسع - بحسب التقرير- إلى تعزيز الضم التدريجي للضفة الغربية، في ظل ارتفاع وتيرة العنف ضد الفلسطينيين، الذي شمل هجمات المستوطنين، وعمليات الطرد القسري، وتشديد القيود على الحركة، وهو ما دفع وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش للتصريح بأن عام 2025 سيكون عام "السيادة الإسرائيلية الكاملة على الضفة الغربية"، ما يشير إلى مساعٍ إسرائيلية واضحة لإنهاء أي إمكانية لإقامة دولة فلسطينية.
كما شهدت الأشهر الأخيرة تضييقاً غير مسبوق على السلطة الفلسطينية، شمل قطع العائدات الضريبية، وتفاقم الأزمة الاقتصادية، مما قد يؤدي إلى انهيارها الكامل.
إعادة تشكيل المشهد الجغرافي والسياسي في غزة
غيّرت الحرب في غزة تركيبة القطاع بشكل جذري، حيث ركزت إسرائيل معظم السكان في الجنوب، بينما اقتطعت ممرات عسكرية ومناطق عازلة، مثل محور نتساريم الذي قسّم القطاع إلى قسمين، كما واصلت سيطرتها على محور فيلادلفيا الحدودي مع مصر، رغم النداءات الدولية للانسحاب منه.
كما يعيش الفلسطينيون النازحون في مخيمات غير مهيأة، ويعانون من نقص حاد في الغذاء والمياه النظيفة، حيث أُبلغ عن حالات وفاة بين الأطفال نتيجة الجوع والبرد، ورغم دخول 600 شاحنة مساعدات يوميًا بموجب الهدنة، فإن استمرار حظر أونروا وإمكانية نهب المساعدات يهددان استمرار الإغاثة، ما يزيد من تفاقم الوضع الإنساني.
الموقف الأوروبي: ضغوط دبلوماسية محدودة وتأثير ضعيف
رغم دعم الاتحاد الأوروبي الطويل لحل الدولتين، إلا أن تأثيره ظل محدودًا، بسبب الانقسامات الداخلية واعتماده على الموقف الأميركي. ومع استمرار إسرائيل في تنفيذ سياسات تهدف إلى تقويض حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم، بات من الضروري أن يتخذ الاتحاد الأوروبي موقفًا أكثر صرامة لوقف انتهاكات الاحتلال وحل الدولتين.
خيارات أوروبا لتعزيز نفوذها
وفقًا لمجموعة الأزمات الدولية، يمكن للاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء اتخاذ عدة خطوات لتعزيز دورهم في المنطقة تتمثل في:
تعزيز المساعدات الإنسانية: الضغط على إسرائيل لتسهيل دخول الشاحنات، وفتح ممر بحري للمساعدات.
حماية وكالة أونروا: منع إسرائيل من تطبيق قوانين تمنع عمل الوكالة، التي توفر خدمات أساسية لنحو 5.7 مليون لاجئ فلسطيني.
استخدام آليات الضغط: مثل اجتماع مجلس الشراكة الأوروبية-الإسرائيلية لمعارضة التوسع الاستيطاني، وتوسيع العقوبات على مسؤولين إسرائيليين.
دعم إدارة فلسطينية موحدة: الضغط على السلطة الفلسطينية لتشكيل حكومة مؤقتة مدعومة من جميع الفصائل لإدارة غزة.
هل تتحرك أوروبا قبل فوات الأوان؟
في ظل المشهد الحالي، تبدو إسرائيل ماضية في مخططاتها لتعزيز سيطرتها على غزة والضفة الغربية، مما يقوض أي آمال لتسوية سياسية مستقبلية للقضية الفلسطينية، فإذا أراد الاتحاد الأوروبي أن يكون له دور فاعل في هذا الصراع، فعليه تجاوز انقساماته الداخلية واتخاذ قرارات أكثر جرأة تجاه السياسات الإسرائيلية، قبل أن يصبح حل الدولتين مجرد ذكرى من الماضي.