كاتب هندي يكشف الجريمة

"العالم بعد غزة": كتاب بانكاج ميشرا الذي يهز ضمير العالم

فلسطيني يحمل ممتلكات بيته المدمر فوق رأسه
فلسطيني يحمل ممتلكات بيته المدمر فوق رأسه

صدر حديثاً كتاب "العالم بعد غزة" للكاتب الهندي بانكاج ميشرا عن دار بنغوين، ليحتل مكانة بارزة في النقاشات العالمية حول القضية الفلسطينية والتطهير العرقي في غزة. الكتاب الذي جاء في 300 صفحة، يطرح تساؤلات عميقة عن مستقبل العالم في ظل الصراعات الدائرة في الشرق الأوسط، خاصة بعد الخطط التي أعلنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والتي قد تغير وجه المنطقة إلى الأبد.

بانكاج ميشرا، الذي نشأ في أسرة هندوسية قومية معجبة بإسرائيل، يروي كيف تحول من داعم للصهيونية إلى ناقد لاذع لإسرائيل وسياساتها في غزة. في مقابلة مع موقع "الديمقراطية الآن"، علق ميشرا على هشاشة وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس، مشيراً إلى أن خطط ترامب للتطهير العرقي في غزة قد تقوض أي فرصة للسلام.

ويوضح ميشرا في كتابه كيف أن صمت الديمقراطيات الغربية ودعمها لإسرائيل في مواجهة المجزرة اللانهائية في غزة، دفع الكثيرين إلى إعادة النظر في التاريخ الأوسع للتفوق الغربي وإنهاء الاستعمار. كما يشير إلى الدور البارز لدول مثل جنوب أفريقيا التي رفعت دعاوى قضائية ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية.

من خلال كتابه، يحاول ميشرا فهم التحولات العالمية التي أعقبت الهجمات الإسرائيلية على غزة، وكيف أثرت هذه الأحداث على الرأي العام العالمي، الذي بدأ يطرح أسئلة محرجة عن دور الديمقراطيات الغربية في دعم ما يحدث.

كتاب "العالم بعد غزة" ليس مجرد تحليل سياسي، بل هو صرخة ضمير ضد التطهير العرقي والصمت الدولي. بانكاج ميشرا، من خلال هذا العمل، يقدم رؤية عميقة لتاريخ الشرق الأوسط ومستقبله، في وقت يشهد العالم انقسامات حادة حول القضية الفلسطينية.

بن هوبارد، في مراجعته للكتاب بجريدة "نيويورك تايمز" بتاريخ 9 فبراير 2025، يستعرض كيف أن القوميين الهندوس من حول ميشرا كانوا ينظرون إلى نجاحات دولة إسرائيل فتتعاظم في أعينهم إخفاقات الهند. يكتب ميشرا أن "القومية الهندوسية بدت بالمقارنة مع إسرائيل أشبه بمأساة، إذ حرمها الانفصاليون المسلمون من دولة موحدة بعد أن سمح تراخي غاندي ونهرو بتقسيم كارثي للهند عام 1947".

ويضيف هوبارد أن قراءة الأدب هي التي قادت ميشرا إلى تجاوز دروس أسرته، حيث قرأ منتقدي القومية مثل رابندرانات طاغور والكاتب الصهيوني آحاد هاعام، مما جعله يضيق بما يعده الآن نموذجاً للهيمنة العرقية في الهند وإسرائيل. تغيرت قناعاته أكثر عندما زار الضفة الغربية عام 2008 وشهد بنفسه المعاناة الفلسطينية تحت سيطرة الجيش الإسرائيلي. كتب ميشرا أنه شعر بالانزعاج لأن "من يضطهدونهم الآن هم ضحايا الغرب السابقين"، وأنه شعر بنبرات عرقية عميقة كان لها أثر فيه كشخص من بلد له تجربة سابقة مع الاستعمار.

ويكتب ميشرا عن زيارته إلى الضفة الغربية: "ما كان لشيء أن يهيئني لوحشية ووضاعة الاحتلال الإسرائيلي والجدار الملتوي وحواجز الطرق العديدة وكل ما يعذب الفلسطينيين في أرضهم، والشبكة الحصرية العنصرية من الطرق الممهدة اللامعة وشبكات الكهرباء وأنظمة المياه التي تربط المستوطنات اليهودية غير الشرعية بإسرائيل".

بن هوبارد يرى أن كتاب ميشرا يستكشف خيوط التاريخ والذاكرة والهوية والسياسة المتشابكة، ساعياً إلى إلقاء الضوء على دلالة الحرب بين إسرائيل وحماس. على الرغم من تغير تفكير ميشرا تجاه إسرائيل، إلا أن رأيه بقي ثابتاً في أن العنف في الشرق الأوسط يتعلق بأكثر من مجرد قتال طائفي، بل هو مرتبط بإرث حروب كبرى وانهيار الاستعمار وظلال الهولوكوست.

ويكتب هوبارد أن الكتاب، الذي ألفه ميشرا قبل التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار الحالي بين إسرائيل وحماس، يسيطر عليه الإحساس بالغضب. "ما كان لهذا الاتفاق أن يخفف حدة الانتقاد الذي يكيله ميشرا للحكومة الإسرائيلية والولايات المتحدة، التي ينتقد إمدادها إسرائيل بالسلاح الذي دمر حياة المدنيين".

تشارلي إنغليش، رئيس قسم الأخبار الدولية السابق في "صحيفة غارديان"، يستعرض الكتاب في 8 فبراير 2025، قائلاً إن "شرور الاستعمار الغربي هي أساس تحليل ميشرا، الذي يؤكد أن جميع القوى الغربية عملت متآزرة من أجل دعم نظام عنصري عالمي بات الطبيعي فيه تماماً للآسيويين والأفارقة أن يتعرضوا للإبادة والإرهاب والسجن والنبذ".

في حواره مع موقع "الديمقراطية الآن"، يقول ميشرا: "إنني أعتقد أنه من المهم بحق ألا نقتصر على التفكير في الماضي أو التاريخ، أي التاريخ الأوسع لما يجري اليوم في غزة، فعلينا أن نفكر أيضاً في الحاضر. وهذا أيضاً بعض مما أتناوله في الكتاب، فهل غزة تشير إلى شيء أكبر من محض الحلقة الأحدث في حلقات صراع قديم في الشرق الأوسط؟".

ويضيف ميشرا: "الناس يتكلمون منذ وقت طويل عن أن هياكل الإمبريالية العنصرية وعقلياتها التي تكونت في القرن الـ 19 لا تزال حية إلى حد كبير، فكان من يقولون ذلك يتعرضون للاستخفاف لكننا الآن نرى عياناً بياناً ما يثبت صحة هذه الأفكار".

بن هوبارد يخلص إلى أن إنهاء الاستعمار إطار شديد الضخامة للعقود الثمانية أو نحو ذلك من التاريخ الإنساني، ويقر بأن ذلك الإطار يوسع نطاق البحث في كتاب ميشرا لكنه لا يطرح كثيراً من الرؤى لتفسير صراع الشرق الأوسط. ميشرا نفسه يتنبأ بأن إسرائيل في نهاية المطاف ستطرد الفلسطينيين من الضفة الغربية وغزة، وهي نبوءة صادمة لكنها تبدو واقعية في ظل الخطط التي يعلنها قادة مثل ترامب.

كتاب "العالم بعد غزة" ليس مجرد سرد تاريخي أو تحليل سياسي، بل هو دعوة إلى التضامن الإنساني الذي يتجاوز الانقسامات العرقية والعنصرية. بانكاج ميشرا، من خلال هذا العمل، يقدم رؤية عميقة لتاريخ الشرق الأوسط ومستقبله، في وقت يشهد العالم انقسامات حادة حول القضية الفلسطينية.

المصدر : متابعة-زوايا
atyaf logo