لا تزال أصداء تصريحات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب حول تهجير أهالي قطاع غزة وتحويل المنطقة إلى ما يشبه "ريفييرا الشرق الأوسط" تثير جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والإعلامية.
كتاب ومحللون سياسيون أكدوا أن هذه الخطة، التي تبدو للوهلة الأولى كحل سريع وفوري، تعكس في الواقع تبسيطاً مفرطاً لقضية معقدة ومتأصلة في التاريخ والسياسة الدولية، كما أنها محكومة بالفشل لأنها لا تعتمد على تقديم حلول واقعة للصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
نظرية "الرجل المجنون"
الكاتب والمؤرخ غاي والترز، يرى أن ترامب يستخدم "نظرية الرجل المجنون" كتكتيك سياسي، وهي استراتيجية تعتمد على تبني مواقف متطرفة وغير عقلانية لإرهاب الخصوم وإجبارهم على الرضوخ.
وحسب "والترز" فإن هذه النظرية، التي استخدمها ريتشارد نيكسون خلال حرب فيتنام، لم تنجح على المدى الطويل. ففي حالة نيكسون، لم تؤدِ هذه الاستراتيجية إلى إنهاء الحرب، بل استمرت لسنوات بعد رحيله.
الكاتب يشير إلى أن ترامب، من خلال تصريحاته المتطرفة حول غزة، يحاول إظهار نفسه كشخص غير متوقع وغير عقلاني، مما قد يدفع بعض الأطراف إلى التفاوض معه خوفاً من تصرفاته، مضيفا: "لكن المشكلة تكمن في أن هذه الاستراتيجية غير مستدامة، فبمجرد أن يدرك الخصوم أن ترامب ليس مجنوناً بالفعل، بل يلعب دوراً، سيفقد هذا التكتيك فعاليته".
ويؤكد "والترز" أن استخدام مثل هذه الاستراتيجية يعرض ترامب لفقدان الحلفاء وزيادة العداء تجاه الولايات المتحدة، ففي حالة غزة، فإن أي محاولة لتهجير السكان ستواجه رفضاً دولياً واسعاً، مما يعزز عزلة أمريكا ويجعل خططها محكومة بالفشل".
محاولة خطرة على الأميركيين
أما محرر الشؤون الدولية سام كيلي، فأكد أن محاولة ترامب استعمار غزة محكومة بالفشل، حيث تناول في مقاله الفشل المتكرر للولايات المتحدة في تدخلاتها بالشرق الأوسط، مشيراً إلى أن تاريخ أمريكا في المنطقة حافل بالإخفاقات، من الصومال إلى أفغانستان والعراق، تظهر التجارب السابقة أن التدخلات الأمريكية غالباً ما تؤدي إلى تفاقم الأزمات بدلاً من حلها.
ويرى الكاتب أنه في حالة غزة، فإن أي محاولة لاحتلال المنطقة ستضع القوات الأمريكية في مواجهة مباشرة مع حركة "حماس"، مما سيزيد من الكراهية تجاه الولايات المتحدة ويؤجج التطرف، لافتا إلى أن تاريخ الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي يظهر أن محاولات تهجير الفلسطينيين أو إعادة توطينهم قسراً تؤدي إلى تفاقم الصراع وليس حله.
الكاتب يؤكد أن ترامب يتجاهل الدروس التاريخية، مما يجعل خطته غير قابلة للتنفيذ، ففي الوقت الذي تحتاج فيه المنطقة إلى حلول دبلوماسية وعادلة، تأتي خطة ترامب كاستمرار للفشل الأمريكي في فهم تعقيدات الشرق الأوسط.
التبسيط المفرط والأزمات المعقدة
في مقاله "ريفييرا" في جحيم... صراعات وحروب تجارية، يركز الكاتب رفيق خوري على، أسلوب ترامب في التعامل مع القضايا الدولية المعقدة، مثل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، من خلال حلول تبسيطية غير واقعية.
ويؤكد أن حل ترامب بتحويل غزة إلى منتجع سياحي لا يمكن وصفة إلا أنه تجاهل للتعقيدات السياسية والاجتماعية للمنطقة، وكذا تجاهل لرفض الفلسطينيين والعرب لمخطط التهجير القسري لأصحاب الأرض من أساسه.
الكاتب يشير إلى أن ترامب، بصفته رجل أعمال، يعتمد على منطق اقتصادي بحت في طرحه، دون مراعاة للبعد الإنساني والسياسي للقضية، مشددا على أن فكرة "ريفييرا الشرق الأوسط" لا تأخذ في الاعتبار معاناة سكان غزة الذين عاشوا عقوداً من الحصار والصراع، كما أن هذه الخطة تتجاهل رفض الدول المجاورة، مثل مصر والأردن، لاستقبال اللاجئين الفلسطينيين.
في النهاية، يرى "خوري" أن هذه الحلول السطحية لن تحقق أي تقدم حقيقي في عملية السلام، بل ستزيد من تعقيد الأوضاع وتؤدي إلى فشل الخطة.
خطة غير أخلاقية
أما الكاتب شون أوغرايدي، فيصف فكرة ترامب لتحويل غزة إلى "ريفييرا الشرق الأوسط" بأنها غير أخلاقية ومستحيلة التنفيذ عملياً وسياسياً.
وحسب "أوغرايدي" فمن الناحية الأخلاقية، فإن تهجير السكان قسراً يعتبر جريمة ضد الإنسانية، وهو ما يتعارض مع القانون الدولي والقيم الإنسانية الأساسية.
الكاتب يشير إلى أن هذه الفكرة لا تحظى بدعم حتى من الأمريكيين أنفسهم، ناهيك عن رفضها من قبل الفلسطينيين والعرب وحتى الإسرائيليين.
ويؤكد أن الإسرائيليون، على الرغم من دعمهم لترامب في العديد من القضايا، يدركون أن أي محاولة لتهجير الفلسطينيين ستؤدي إلى تفاقم الصراع وزيادة العداء الدولي تجاه إسرائيل، علاوة على ذلك، فإن التجارب السابقة للتدخلات الأمريكية في الشرق الأوسط، مثل الصومال والعراق وأفغانستان، جعلت الرأي العام الأمريكي ينفر من مثل هذه المشاريع الدموية التي يكتب لها الفشل منذ البداية.
لا بديل عن الحل الدبلوماسي
يتفق الكتاب الأربعة عن أن خطة ترامب لتهجير أهالي غزة محكومة بالفشل لأسباب متعددة، منها عدم واقعية الحلول المطروحة، وتجاهل التعقيدات السياسية والاجتماعية للمنطقة، والفشل التاريخي للتدخلات الأمريكية في الشرق الأوسط.
بالإضافة إلى ذلك، فإن استخدام ترامب لاستراتيجيات مثل "نظرية الرجل المجنون" يزيد من عزلته ويقلل من فرص نجاح أي مبادرات يقودها.
ويرى الكتاب الأربعة أن الحل الدائم للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي يبقى مرتبطاً ورهينا بتحقيق العدالة وحقوق الإنسان، وليس بخطط غير واقعية تفتقر إلى الشرعية الدولية والدعم المحلي، مؤكدين أنه بدلاً من التهجير القسري، تحتاج المنطقة إلى حلول دبلوماسية وعادلة تعترف بحقوق الشعب الفلسطيني في العيش بكرامة وسلام على أرضه.