في ظل التوترات المتصاعدة في قطاع غزة، يبرز اتفاق وقف إطلاق النار كأحد المحاولات الدولية لإنهاء الصراع الدائر. ومع ذلك، فإن هذا الاتفاق يواجه العديد من التحديات والمشكلات التي تهدد بانهياره في أي لحظة.
من الغموض في الصياغة إلى عدم وجود حوافز متساوية للالتزام، يظل مستقبل الاتفاق محل تساؤل. في هذا التقرير، نستعرض أبرز مشكلات الاتفاق والسيناريوهات المحتملة لما قد يحدث لاحقاً.
غموض الصياغة: سرديات متضاربة
أولى المشكلات الرئيسية التي تواجه الاتفاق تتمثل في "الغموض في صياغته"، مما يسمح لكلا الطرفين بتفسيره وفقاً لمصالحهما. فبينما يمكن لإسرائيل أن تدعي أن وقف إطلاق النار مجرد توقف مؤقت للقتال، تروج حماس لفكرة أن الاتفاق يمثل بداية لنهاية الحرب. هذا التضارب في السرديات يترك الباب مفتوحاً لاستئناف القتال في أي لحظة، خاصة إذا تم تقديم ادعاءات بانتهاك بنود الاتفاق.
عدم الحسم: آليات تنفيذ غير واضحة
ثانياً، يفتقر الاتفاق إلى "آليات تنفيذ ملموسة"، خاصة فيما يتعلق بتبادل الرهائن والأسرى والانسحاب التدريجي للقوات الإسرائيلية. على الرغم من أن الولايات المتحدة وقطر ومصر تم تحديدهم كـ"ضامنين" للاتفاق، إلا أن غياب آلية واضحة لضمان الالتزام يزيد من عدم اليقين. كما أن تصريحات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب حول عدم ثقته في استمرار وقف إطلاق النار تضيف طبقة أخرى من التعقيد.
إهمال الجوانب الإنسانية: المعاناة مستمرة
من أكبر إخفاقات الاتفاق هو "إهماله للجوانب الإنسانية" التي تهم سكان قطاع غزة. الاتفاق لا يحدد بوضوح المعابر الإنسانية التي ستظل مفتوحة، ولا يضمن دخول المساعدات بشكل كافٍ. كما أنه لا يتطرق إلى رفع القيود الإسرائيلية على المواد ذات "الاستخدام المزدوج"، مثل معدات الاتصالات والمعدات الجراحية، والتي تعتبر ضرورية للاستجابة الإنسانية الفعالة. بالإضافة إلى ذلك، لا يقدم الاتفاق حلولاً لكيفية توزيع المساعدات داخل القطاع، مما يزيد من احتمالية الفوضى والنهب.
تأجيل القضايا الجوهرية: مستقبل غزة غير واضح
رابعاً، يؤجل الاتفاق "القضايا الجوهرية" المتعلقة بمستقبل قطاع غزة، مثل العلاقة بين إسرائيل وسكان القطاع، ورفع الحصار الإسرائيلي الذي يستمر منذ 17 عاماً. كما أن الاتفاق لا يوفر أفقاً سياسياً للفلسطينيين في غزة، الذين يتطلعون إلى التخلص من الاحتلال طويل الأمد. هذا التأجيل يترك العديد من الأسئلة دون إجابة، خاصة فيما يتعلق بإعادة الإعمار وإدارة القطاع بعد الحرب.
حوافز غير متساوية: مصالح متضاربة
أخيراً، تكمن "أكبر مشكلة في الاتفاق" في عدم امتلاك الطرفين لحوافز متساوية للمحافظة عليه. فبينما يسعى الفلسطينيون إلى وقف طويل الأمد للأعمال القتالية، تظل إسرائيل ملتزمة بإسقاط حماس من السلطة. هذا التباين في المصالح يجعل من الصعب تحقيق استقرار دائم، خاصة مع ضغوط اليمين الإسرائيلي المتطرف لاستمرار الحرب وبناء مستوطنات في غزة.
سيناريوهات متوقعة
في ظل هذه التحديات، تتنوع السيناريوهات المتوقعة لما قد يحدث بعد هذا الاتفاق الهش:
1. انهيار الاتفاق واستئناف القتال
قد ينهار الاتفاق قبل اكتمال المرحلة الأولى، مع انتهاكات مزعومة من الطرفين. قد تستأنف إسرائيل حملتها العسكرية بشكل أكثر عدوانية، مما يؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية.
2. مفاوضات مفتوحة النهاية
قد يكمل الطرفان المرحلة الأولى جزئياً أو كلياً، لكن مع دخولهم في مفاوضات متقطعة دون التوصل إلى اتفاق حول البنود المستقبلية. هذا السيناريو قد يؤدي إلى حالة من الجمود المؤقت.
3. تحقيق تقدم محدود
في سيناريو أكثر تفاؤلاً، قد يتم التفاوض على المرحلة الثانية وإكمالها، لكن مع بقاء نقاط خلافية جوهرية، مثل من سيضمن الأمن في القطاع وما إذا كانت حماس ستتنحى عن الحكم.
4. نجاح الاتفاق وتخفيف حدة الصراع
أكثر السيناريوهات تفاؤلاً يتمثل في انتقال وقف إطلاق النار بسلاسة بين المراحل، مع إطلاق سراح جميع الرهائن وزيادة المساعدات الإنسانية. ومع ذلك، يظل تحقيق هذا السيناريو صعباً دون ضغط دولي كبير.
فرصة لا يمكن تفويتها
رغم جميع التحديات، يظل الاتفاق يمثل "فرصة مهمة" لتخفيف حدة الصراع في غزة. يتعين على الأطراف الدولية التي دعمت الاتفاق أن تعمل على تمكينه من الصمود، من خلال ممارسة ضغط دبلوماسي على الطرفين المتحاربين. في النهاية، فإن مستقبل الاتفاق يعتمد على مدى استعداد إسرائيل وحماس للتضحية ببعض مصالحهما من أجل تحقيق سلام دائم.