حالة من الجدل على المستوي الإقليمي والدولي أثارتها تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى دول الجوار مثل مصر والأردن.
ورغم رفض مصر والأردن ودول ومؤسسات عدة لهذا المخطط بشكل قاطع، لا تزال الفكرة مطروحة بقوة في السياسة الأمريكية، مما يفتح الباب أمام العديد من التساؤلات حول تداعيات هذه الخطط على الأمن الإقليمي والوضع الفلسطيني.
كتاب ومحللون سياسون حذروا من خطورة مخططات ترامب، التي تدفع بمنطقة الشرق الأوسط إلى حافة الإنفجار، مما قد يخلق أزمات غير مسبوقة على الصعيدين السياسي والإنساني.
ترامب المندفع لا يرى المنحدر
في مقاله المعنون بـ" ترامب والغائب عنه.. أو اندفاع لا يرى المنحدر الخطير!" يرى الدكتور هاني نسيرة أن ما يطرحه ترامب بشأن تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة ليس مجرد تصريحات عابرة بل هو جزء من سياسة أمريكية تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية وتحقيق مصالح معينة في المنطقة.
ويرى "نسيرة" أن "ترامب" لا يفكر في العواقب الإنسانية والسياسية لهذا المخطط، ويتعامل مع الأزمة الفلسطينية بلغة المال والربح، كما يظهر من تصريحاته حول ضرورة أن "تقبل" كل من مصر والأردن بمقترحه استقبال الفلسطينيين، رغم الردود الرسمية الحاسمة من كلا البلدين الواضحة برفض مقترحه.
من وجهة نظر الكاتب فإن "ترامب" لا يعي أن التهجير القسري للفلسطينيين لن يؤدي إلا إلى تعميق الأزمة وتفجير صراعات جديدة، حيث يزداد تمسك الفلسطينيين بحقوقهم على أرضهم ولا يمكن إبعادهم عن قضيتهم بهذا الشكل.
وفي مقاله يشدد "نسيرة" على أن التهجير ليس حلاً وإنما تعميق للمشكلة الفلسطينية، وتهديد للسلام في المنطقة كما يساهم في تأجيج الصراعات والعنف، ويثير القلق من عرقلة "ترامب" مبادرات السلام القائمة والتي تستند إلى مبدأ حل الدولتين.
ماذا لو.. تم التهجير؟
أما الأب رفيق جريش، فتناول الموضوع من زاوية تساؤلية حول ماذا سيحدث إذا تم بالفعل تنفيذ مخطط التهجير؟ مشيرا إلى أن الفلسطينيين في قطاع غزة لن يقبلوا تحت أي ظرف بالتهجير من أراضيهم، وأن أي محاولة للتهجير بالقوة من قبل إسرائيل لن تمر بسهولة.
ويطرح "جريش" العديد من الأسئلة الهامة حول مصير هؤلاء المهجرين، وأين سيتم استقرارهم؟ هل في لبنان، الذي يعاني من ظروف اجتماعية واقتصادية صعبة؟ أو في سوريا حيث الوضع الأمني هش؟ أو في دول أخرى قد لا تكون قادرة على استيعاب هذا الكم من اللاجئين؟
ويحذر "جريش" من خطورة هذه الخطوة التي لن تقتصر في رأيه على غزة فقط، بل قد تمتد لتشمل فلسطينيي الضفة الغربية، مما يؤدي إلى ضياع القضية الفلسطينية وتفكيكها بشكل كامل.
ويرى الكاتب أن "ترامب" الذي يتبنى سياسة التاجر العقاري، يسعى إلى تصفية القضية الفلسطينية من خلال إحداث تغيير ديموغرافي، وهو ما يتناقض مع موقف مصر والأردن اللذين يرفضان هذا المخطط.
اليوم غزة.. وغدًا العرب!
أما الكاتب والمحلل السياسي عبدالله عبدالسلام، فيحذر من أن مخطط ترامب لتهجير الفلسطينيين من غزة لا يقتصر على قطاع غزة فحسب، بل هو خطوة أولى نحو تغيير الخريطة السياسية في المنطقة بأسرها.
في رأيه، فإن مخطط ترامب لا تستهدف فقط تصفية القضية الفلسطينية، بل تفتح المجال أمام تهديدات أمنية وسياسية أكبر، حيث قد يتسع نطاق هذا التغيير ليشمل دول عربية أخرى.
ويذكر عبدالسلام أن المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، والذي يرتبط بعلاقات مع رجال الأعمال العقاريين مثل ترامب، كان من بين من دعموا فكرة تحويل غزة إلى مشروع استثماري عقاري، ما يعكس جشعًا غير مسبوق.
ويؤكد الكاتب أن هذا المخطط سيعزز سياسات الضم الإسرائيلية في الضفة الغربية، ويزيد من التطرف في المنطقة.
و يرى عبدالسلام أن الرهان الأساسي في مواجهة هذه المخططات هو على الشعب الفلسطيني نفسه، الذي يمكنه تحويل هذه الأفكار إلى سراب من خلال تمسكه بأرضه وحقوقه.
التهجير.. والانفجار المرتقب!
الفكرة ذاتها تناولها الكاتب خالد سيد أحمد في مقاله "التهجير والانفجار المرتقب" حيث يرى أن إصرار ترامب على مخططه رغم الرفض العربي يهدد المنطقة بشكل كبير وقد يؤدي إلى انفجار غير مسبوق، خاصة إذا تم تنفيذه ضد رغبات مصر والأردن.
ويشير الكاتب إلى أن مصر أدلت بمواقف واضحة ضد هذه المخططات، مشيرة إلى أن تهجير الفلسطينيين يشكل تهديدًا للأمن القومي المصري ويخلق حالة من عدم الاستقرار في المنطقة. هذا التصعيد قد ينعكس بشكل سلبي على العلاقات العربية-الإسرائيلية ويزيد من تعقيد الوضع الأمني في دول الجوار.
ويرى "سيد أحمد" أن مصر، رغم الضغوط الأمريكية، قادرة على إفشال هذا المخطط، وذلك بفضل قوتها العسكرية والدبلوماسية وحكمتها السياسية في التعامل مع مثل هذه القضايا، لكنه يؤكد أن التمسك الفلسطيني بالأرض هو العامل الحاسم في هذه المواجهة، كما يلمح إلى أن الرفض العربي للمخطط الأمريكي يجب أن يكون مشتركًا.
موقف عربي إسلامي دولي موحد
يتفق الكتاب الأربعة على أن مخططات ترامب لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة ليست سوى محاولة لتصفية القضية الفلسطينية بشكل غير عادل، كما يحذرون من أن هذا التوجه قد يفاقم الوضع في المنطقة ويؤدي إلى صراعات أكبر لا يمكن التنبؤ بعواقبها.
ويؤكد الكتاب أن الحل الحقيقي لا يكمن في تهجير الفلسطينيين أو إزالتهم من أراضيهم، بل في إقامة دولة فلسطينية مستقلة تعيش جنبًا إلى جنب مع إسرائيل، وفقًا لقرارات الشرعية الدولية.
في النهاية، يدعو الكتاب إلى توحيد المواقف العربية والإسلامية والدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني ومساندته في مواجهة هذه المخططات الظالمة التي تهدد الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم بأسره.