أكد الباحث المتخصص في الأمن القومي الفلسطيني والإسرائيلي، اللواء المتقاعد أحمد عيسى، أن ما تشهده غزة اليوم من جرائم إبادة جماعية على يد جيش الاحتلال الإسرائيلي يُعد جزءاً من مشروع يهدف إلى "إعدام مستقبل غزة"، في محاولة لحسم الصراع لصالح الرؤية الصهيونية. وأشار "عيسى" إلى أن هذا المشروع يعكس استراتيجية إسرائيلية تعتمد على القوة العسكرية غير المتناظرة، بهدف تحقيق هيمنة كاملة على المنطقة.
اليمين المتطرف و"طوفان الأقصى"
أوضح عيسى أن الائتلاف اليميني الحاكم في إسرائيل، بزعامة بنيامين نتنياهو، يعمل منذ تشكيله على تهيئة الرأي العام الإسرائيلي لاستراتيجية الحسم، مستغلاً عملية "طوفان الأقصى" لتعزيز شرعية خططه في تنفيذ إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني. وأضاف أن اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، ممثلاً بمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، يلعب دوراً محورياً في ترسيخ هذه الاستراتيجية عبر التركيز على سؤال "اليوم التالي" لحركة حماس، مما يعكس محاولة لإعادة تشكيل المشهد السياسي والأمني في المنطقة.
"دفاع عن النفس" أم إبادة جماعية
وحذر عيسى من أن هذه الاستراتيجية تعتمد على توظيف مفاهيم مثل "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، والتي تُعتبر مرادفاً للإبادة الجماعية. وأشار إلى أن بعض الخبراء الإسرائيليين في الأمن القومي، مثل رون بن يشاي وكوبي ميخائيل، يعملون على إعادة ترسيخ ثقافة "الجدار الحديدي" التي طرحها زئيف جابوتنسكي، ليس فقط في العقل الفلسطيني، بل في العقل العربي والإسلامي عموماً.
شكوك إسرائيلية في نجاح الإبادة الجماعية
من جهة أخرى، أشار عيسى إلى أن القراءة العميقة للمشهد تكشف أن تقديرات بعض الخبراء الإسرائيليين، مثل عاموس جلعاد وعاموس يادلين، لا تتوافق مع الخطاب الرسمي لنتنياهو. وأوضح أن هؤلاء الخبراء يشككون في قدرة الإبادة الجماعية على إخضاع الفلسطينيين أو تحقيق حسم نهائي للصراع، خاصة في ظل تصاعد منحنى المقاومة الفلسطينية، سواء على المستوى السياسي الدبلوماسي أو العسكري.
المقاومة الفلسطينية: تحديات المستقبل وتطورات الذكاء الاصطناعي
وتساءل عيسى عن شكل المقاومة الجديد الذي يمكن أن ينتجه الفلسطينيون بعد "طوفان الأقصى"، خاصة في ظل تطورات عصر الذكاء الاصطناعي. وأكد أن الإصرار الفلسطيني على مواصلة المقاومة حتى تحقيق الحرية والاستقلال يظل عاملاً حاسماً في المشهد، مشيراً إلى أن عدد الفلسطينيين على الأرض الممتدة من النهر إلى البحر يفوق عدد المستوطنين اليهود، مما يعزز من إمكانية تحقيقهم لأهدافهم الوطنية.
نهاية حل الدولتين وصعود دولة الأبارتهايد
وحول البديل عن حل الدولتين، أشار عيسى إلى أن الائتلاف الحاكم في إسرائيل استبدل خيار التسوية السياسية بخيار الإبادة الجماعية، مما يضع المنطقة أمام احتمالية قيام دولة عنصرية (أبارتهايد)، كما تنبأ بذلك البروفيسور جون ميرشايمر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة شيكاغو.
وأكد أن هذا التوجه قد يقسم الجالية اليهودية خارج إسرائيل، خاصة في أمريكا، إلى فئات متباينة، مما قد يساهم في إضعاف المشروع الصهيوني.
الأمن القومي الفلسطيني: بين التحديات والإصرار
من منظور الأمن القومي الفلسطيني، أوضح عيسى أن الفلسطينيين، رغم عدم نجاحهم في تطوير مفهوم موحد لأمنهم القومي، يدركون أن الهدف الأول هو الخلاص من الاستعمار الاستيطاني المجرم. وأشار إلى أن جرائم الإبادة الجماعية، رغم فظاعتها، تستحضر من الفلسطينيين عزمهم وإصرارهم على صناعة مستقبل أفضل.
إسرائيل وإعدام مستقبلها بيدها
أما من منظور الأمن القومي الإسرائيلي، فقد حذر عيسى من أن محاولة "إعدام مستقبل غزة" من خلال تسميم التربة وتحويلها إلى منطقة غير صالحة للحياة، ينطوي على غباء استراتيجي، إذ أنه يهدد مستقبل إسرائيل نفسها، خاصة المناطق المحاذية لغزة. وأضاف أن هذه الاستراتيجية قد تجعل غزة غير صالحة للمستوطنين، مما يعكس فشلاً في تحقيق الأهداف الإسرائيلية.
ركام الحرب شاهد على الإبادة
واقترح عيسى أن يعمل الفلسطينيون على تحويل جزء من ركام غزة إلى متحف ومزار يشهد على الجرائم الإسرائيلية، مشيراً إلى أن هذا النهج يمكن أن يكون محفزاً لزيادة الإصرار الإنساني على معاقبة المجرمين ومنع تكرار هذه الجرائم في المستقبل.
وأكد أن المستقبل لا يمكن إعدامه، مستشهداً بنموذج قرطاج التي بقيت حاضرة رغم محاولات الرومان تدميرها من خلال زراعة أرضها بالملح، بعد احتلالها عام 146 قبل الميلاد لإجبار سكانها المقاومين على الرحيل، إلا أن الإمبراطورية الرومانية اندثرت من التاريخ وظلت قرطاج حاضرة ومأهولة بالسكان.