من بلفور إلى ترامب

تحليل شامل: الصهيونية المسيحية والسياسة الأمريكية

ترامب والصهيونية
ترامب والصهيونية

أوصت دراسة موسعة نشرتها الباحثتان السياسيتان هالة أحمد وميمي كيرك، في "شبكة السياسات الفلسطينية" بتوسيع منظمات المجتمع المدني الداعمة للحقوق الفلسطينية تواصلها مع الإنجيليين الشباب والإنجيليين ذوي البشرة الملونة لتعريفهم بالقضية الفلسطينية وتُثقّيِفهم حول العداء الفاشي الديني اليميني الإسرائيلي المتزايد تجاه الفلسطينيين عامة والمسيحيين بشكل خاص.

وطالبت الدراسة بتشجيع المسيحيين على اختيار الحج البديل والسياحة الأخلاقية إلى فلسطين، لضمان فهمهم وإحداث الفرصة لهذه المجموعات كي تعمل معًا من أجل الحقوق الفلسطينية.

دعم مطلق للمشروع الاستيطاني

وأوضحت الباحثتان أن الصهيونية المسيحية تُعدّ تيارًا دينيًا متجذرًا في الدعم المطلق للمشروع الاستيطاني الإسرائيلي، هذا التيار يدعمه العديد من المسيحيين، الذين يرون في قيام إسرائيل وإنشاء وطن قومي للشعب اليهودي جزءًا من خطة الله الأخيرة، وتعود جذوره إلى قراءات معينة للكتاب المقدس التي ترى أن استعادة إسرائيل تكمل مشهدًا ينتهي بعودة المسيح، ووقوع معركة هرمجدون، حيث يتمكن اليهود وغير المسيحيين من البقاء في الأرض فقط ليهزموا فيها بينما يصعد الصهاينة المسيحيون إلى السماء.

وحسب الدراسة فإن الالتزام الصهيوني المسيحي بالدفاع عن المشروع الاستيطاني الإسرائيلي لا يتعلق بالخلاص اليهودي بل بخلاصهم هم، ما يجعل تحالفهم مع الحكومات الإسرائيلية التي تتبنى سياسات استعمارية وعدائية تجاه الفلسطينيين محوريًا.

الصهيونية المسيحية والنظام الإسرائيلي

وترصد الباحثتان في الدراسة تطور النفوذ السياسي للصهيونية المسيحية على مدار العقود ليصل ذروته في العام 2016، حينما انتخب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة، حيث تحالف البيت الأبيض مع اليمين المتطرف، الذي يتضمن الصهاينة المسيحيين والعنصريين البيض، وأصبح واضحًا وجليًا خلال هذه الفترة.

وتشير الدراسة إلى تعيين "ترامب" مايك بنس ومايك بومبيو في مناصب قيادية رئيسية، وكلاهما معروفان بتأييدهما القوي لإسرائيل ودعمهما للأيديولوجية الصهيونية المسيحية.

وتؤكد الباحثتان أن ستيف بانون، المستشار الاستراتيجي في إدارة ترامب، وصف نفسه بأنه صهيوني مسيحي، وكان له علاقات وثيقة بالقيادة الصهيونية المسيحية ودعم اليمين البديل في الولايات المتحدة، الذي احتفى به القوميون البيض، كما أن ديفيد فريدمان، السفير الأمريكي لدى إسرائيل في عهد ترامب، كان داعمًا قويًا للمستوطنات غير القانونية في الضفة الغربية وله علاقات وثيقة بالصهاينة المسيحيين.

سياسات ترامب الخارجية

وترى الباحثتان أن ترامب أدار سياسة خارجية متشددة تجاه إيران، ودعم إسرائيل بشكل كامل، ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس وأعلنها "العاصمة الأبدية" لإسرائيل، كما خالف الإجماع الدولي الرافض للاعتراف بالمستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، واتخذ خطوات أحادية الجانب لصالح إسرائيل مثل إرسال وفد دبلوماسي لزيارة مستوطنة يمولها الصهاينة المسيحيون.

كما انسحبت الإدارة الأمريكية من الاتفاق النووي الإيراني وراجعت مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بحجة "تحيزه ضد إسرائيل". أدى هذا التحول إلى تعزيز الدعم الأمريكي للمشروع الاستيطاني الإسرائيلي وتقوية القومية العرقية الدينية في إسرائيل.

التفوق الأبيض والصهيونية المسيحية

الدراسة تشير إلى أن علاقة الصهيونية المسيحية بالتفوق الأبيض ليست جديدة، إذ تعود إلى أصول الصهاينة المسيحيين الأوروبيين، وإعلان وزير الخارجية البريطاني آرثر بلفور في عام 1917 بدعمه لإنشاء "وطن قومي للشعب اليهودي، وهي الأفكار التي يروج لها الآن العنصريين البيض المعاصرين الذين يعلنون دعمهم لإسرائيل ويرغبون في أن يغادر اليهود "المجتمعات البيضاء" إليها.

هذه الأفكار تشترك في أساسها مع الصهيونية المسيحية في فكرة التفوق العرقي والديني، حيث تعتبر هذه المجموعات أنها تستحق حقوقًا معينة على حساب المجموعات "الدخيلة". هذه الأيديولوجيات تسهم في العنف والقمع، حيث يستفيد نظام الاحتلال الإسرائيلي من هذا الدعم لتعزيز سياساته الاستيطانية والتوسعية في الأراضي الفلسطينية.

فرص إنجيلية

رغم تحيز الصهاينة المسيحيين لإسرائيل، حيث يعبر الغالبية العظمى من الإنجيليين عن معتقدات صهيونية، إلا أن الدراسة رصدت تناقص دعم الإنجيليين الشباب لإسرائيل، لافتة إلى انخفاض الدعم في أوساط الشباب لإسرائيل من 75% عام 2021 إلى 34% بين عامي 2018 و2021.

وتشير الدراسة إلى أن هذه الفجوة بين الفئات العمرية اتسعت منذ عام 2018، حيث بدأ الإنجيليون البيض، ولا سيما الشباب، في الابتعاد عن الإنجيلية أو أصبحوا مترددين في حمل هذا الاسم بسبب رفضهم لسياسات ترامب المؤيدة للسياسات الاستيطانية الإسرائيلية.

توصيات سياساتية:

وضعت الباحثتان خمس توصيات تستهدف التركيز على شباب الإنجيليين، من أجل إحداث التغيير المطلوب وتمثلت في:

أولا: مع تزايد ابتعاد الإنجيليين الشباب عن دعم إسرائيل، تبرز فرصة للتغيير في الأجلين القريب والبعيد. يمكن أن يأتي هذا التغيير من خلال تضافر مجموعات متنوعة ضد اليمين الإسرائيلي، بما في ذلك التحرير الفلسطيني.

ثانيا: تقع على عاتق الناشطين من أجل الحقوق الفلسطينية مهمة تثقيف الإنجيليين المنعزلين المناصرين للعدالة الاجتماعية وتوحيد صفوفهم للعمل ضد الاستعمار الاستيطاني والحكم الديني والفصل العنصري الإسرائيلي.

ثالثا: على منظمات المجتمع المدني الداعمة للحقوق الفلسطينية التواصل مع الإنجيليين الشباب والإنجيليين ذوي البشرة الملونة لإقامة روابط بينهم وبين المجموعات التقدمية، مثل تلك التي تدافع عن حقوق السود، وحقوق السكان الأصليين، ومساءلة الشرطة. ويجب أن تؤكد جهود التواصل هذه على الروابط بين الصهيونية المسيحية والتفوق الأبيض والقومية العرقية ومعاداة السامية لضمان فهم أعمق لهذه القضايا.

رابعا: يجب أن تتصل هذه المنظمات بحكوماتها الوطنية والمحلية، للتأثير على الكنائس والمنظمات الرئيسية، لتوضيح العلاقات الإشكالية بين الصهيونية المسيحية والقومية العرقية.

خامسا: ينبغي تشجيع المسيحيين التقدميين وعموم المسيحيين على تعلم العداء الفاشي الديني اليميني الإسرائيلي المتزايد تجاه المسيحيين وعلاقته بالقومية العرقية والفصل العنصري على نطاق أوسع.

سادسا: ينبغي تشجيع المسيحيين على اختيار الحج البديل والسياحة الأخلاقية إلى فلسطين، الأمر الذي من شأنه أن يلعب دورًا مهمًا في معارضة الروايات المسيحية الصهيونية وتوجيه الإنجيليين الشباب الذين قد يتعاطفون مع الحركات المناهضة للعنصرية والراغبين في تجنب التواطؤ في تشريد الفلسطينيين.

المصدر : متابعة-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo