الأفكار والمؤسسات

نضال فلسطيني جديد.. ضرورة تصحيح المسار

فلسطيني يرفع علم فلسطين
فلسطيني يرفع علم فلسطين

في مقال جديد، يعيد طارق بقعوني، رئيس مجلس إدارة "شبكة السياسات الفلسطينية"، تقييم النضال الفلسطيني في ضوء الأحداث الدامية التي شهدتها غزة منذ السابع من أكتوبر 2023.

يرى “بقعوني” أن العنف الإسرائيلي المتزايد في قطاع غزة أدى إلى تحول جذري في التصورات والخيارات الاستراتيجية لدى الفلسطينيين، لافتا إلى أن العودة إلى الوضع السابق أصبحت غير ممكنة بعد ما شهدته غزة من دمار هائل وتجاوز أعداد الشهداء عدد من قضوا في النكبة الفلسطينية.

ويؤكد “بقعوني” أن هذه التجربة تلقي بظلالها على المجتمع الفلسطيني ككل، وتفرض على النضال الفلسطيني إعادة النظر في الأطر الفكرية والسياساتية، بل وحتى في مفهوم الهوية الجماعية، كما يجب على أي خطاب يهدف إلى تحرير فلسطين أن يركز الآن على واقع الإبادة الجماعية المستمرة.

تحديات جديدة للنضال الفلسطيني

ويشير الكاتب إلى أن النضال الفلسطيني اليوم يتطلب إعادة توجيه الطاقات فور توقف العنف والتوصل إلى وقف إطلاق النار، مشيرا إلى أن هذا الإدراك بدأ يتشكل بالفعل في الوعي الجمعي الفلسطيني، إلا أن العقلية الجماعية ما تزال منغمسة في التصدي للأحداث المروعة التي تمر بها غزة.

ويؤكد أن هذا التغيير الجذري في السياسات يأتي نتيجة للدمار الكبير الذي ألحقه العنف الإسرائيلي بالحياة الفلسطينية، مما يفرض ضرورة إعادة النظر في مسار المقاومة الفلسطينية، ويحتم على الفلسطينيين الآن التفكير في الطريق الذي يريدون سلكه بعيدًا عن الدائرة المغلقة من العنف والدفاع، صوب بناء المجتمع الفلسطيني المُجدِّد والمقاوم.

التواطؤ الغربي ودعم إسرائيل

يشير “بقعوني” إلى أن التواطؤ الغربي مع إسرائيل يُظهر بجلاء فشل النظام الدولي القائم على القواعد في حماية حقوق الفلسطينيين.

ويُبرز الكاتب كيف أن الدعم الغربي لإسرائيل يعكس سياسة الإمبريالية التي تدعم استمرار العنف الاستيطاني الإسرائيلي، مما يعمق الشعور بالتمييز والاضطهاد لدى الفلسطينيين.

ويرى “بقعوني” أن غياب التدخل الدولي الفعّال يدحض الافتراضات السائدة بأن المجتمع الدولي سيقف حازمًا ضد الفظائع الإسرائيلية لو انتشر العلم بها، وبدلاً من ذلك، يعكس هذا الفشل نهجًا تاريخيًا متواصلًا من التواطؤ والتغاضي، عن الجرائم المرتكبة بحق الفلسطينيين.

بناء تحالفات استراتيجية جديدة

ويؤكد “بقعوني” ضرورة بناء تحالفات استراتيجية مع قوى الجنوب العالمي، مشددا على أن النضال الفلسطيني يجب أن يتزامن مع إنهاء الاستعمار على المستوى الإقليمي والدولي.

ويطرح الكاتب تساؤلاً مهما حول كيفية تجاوز هذا النظام الدولي المنهار وتفكيك الهياكل الاستعمارية التي تشرعن استمرار القمع الفلسطيني، مشددا على أن النضال من أجل حقوق الفلسطينيين ليس منفصلاً عن إنهاء الاستعمار في المنطقة الأوسع، بل هو جزء من عملية تاريخية ممتدة تهدف إلى تفكيك بنية القمع الاستيطاني على نطاق أوسع.

الحوكمة العالمية والصدع القائم

في الوقت نفسه، يدعو “بقعوني” إلى إعادة التفكير في الحوكمة العالمية خارج إطار الهيمنة الغربية، بعدما كشفت الحرب على غزة والاستجابة الدولية التي سبقتها للحرب في أوكرانيا، مدى الخلل العميق الذي يعيب هذا النظام، مشيرا إلى أن قناع الشرعية والحقوق والعدالة التي ما انفكت تنادي بها القوى الغربية سقط بالفعل.

ويؤكد أن هذه الأحداث كشفت مدى عجز القوى الغربية عن الاعتراف بتراجع الهيمنة الأمريكية، وفضحت تهافت ادعاءاتها بشأن العدالة والشرعية الدولية. في هذا السياق، يتنامى إدراك الجنوب العالمي بنفاق الغرب ويُعزز الدعوات إلى نظام دولي قائم على المساواة والعدالة، لا الهيمنة الغربية.

استراتيجية جديدة للنضال الفلسطيني

ويوضح “بقعوني” أن النضال الفلسطيني يجب أن يصبح أكثر استراتيجية في تحويل القوة الشعبية إلى قوة سياسية، مشيرا إلى أن النضال الفلسطيني في عصرنا الحالي، الذي تحدده التحديات العالمية المترابطة وهياكل القوة المتغيرة، يستدعي إعادة تصور إنهاء الاستعمار والسياسات الثورية.

ويؤكد أن النظام الإسرائيلي اجتهد على مدى عقود في تفكيك القيادة الثورية الفلسطينية، مما ترك فراغًا في القدرة المؤسسية والرؤية المناهضة للاستعمار. لذلك، من الضروري إعادة بناء البنية التحتية الثورية الفلسطينية، ليس فقط لمواجهة التحديات الجديدة ولكن أيضًا لتعزيز الإرث الثوري والمضي قدمًا نحو تحقيق العدالة.

استعادة الإرث الثوري

يختتم “بقعوني” مقاله بدعوة الفلسطينيين إلى إحياء مشروع إنهاء الاستعمار المتجذر في تاريخهم والمتطلع نحو المستقبل، مشيرا إلى أنه في الوقت الحالي لا يكفي أن تكون فلسطين في قلب التحولات العالمية فقط، بل يجب أن تكون جزءًا رئيسيًا من إعادة بناء الحوكمة العالمية.

وتتطلب هذه اللحظة من النضال الفلسطيني تجديدًا في الفهم الاستراتيجي، سواء على مستوى العمل السياسي الداخلي أو التحالفات الخارجية، كما أنه من الضروري أن يستغل الفلسطينيون هذا الزخم العالمي، حيث إن الاهتمام الذي أثارته الفظائع في غزة يقدم فرصة تاريخية لإعادة تصور النظام العالمي من جديد.

ويرى “بقعوني” أن ما يحدث في غزة من حرب إبادة تمثل فرصة حقيقية لتحقيق العدالة والتحرير لجميع الشعوب المضطهدة، بما في ذلك الفلسطينيين.

المصدر : شبكة السياسات الفلسطينية (الشبكة)

مواضيع ذات صلة

atyaf logo