حماس ونظرية القيادة بالفهلوة!

نزوح المواطنين بسبب الحرب على غزة
نزوح المواطنين بسبب الحرب على غزة

تأخذ حماس أهل غزة في متاهتها التي بدأت تتضح منذ اصدار وثيقتها المعدلة عام 2017 ، تلك الحركة التي لا تعرف الآن على أي أرض تقف، ولا بأي اسم يمكن أن تكني نفسها، فهي تريد كل شيء حسب خريطتها المفاهيمية للأشياء، وهذه الهلامية هي التي تفقد الحركة القدرة على المناورة والخروج بمقترح يمكن أن يؤدي إلى عقد صفقة ووقف الحرب على غزة كما حصل في لبنان من خلال تراجع حزب الله لصالح كيان الدولة اللبنانية، رغم أن الحركة وافقت على إطلاق سراح مئة رهينة مقابل وقف إطلاق النار لمدة أسبوعين مقابل الافراج عن عدة أسرى فلسطينيين وإدخال بعض شاحنات مساعدات، فلو سألنا بأي منطق وعلى أري أرضية أطلقت الحركة مئة رهينة مقابل اسبوعين من وقف اطلاق النار، وترفض الآن إطلاق سراح بضع عشرات من الأسرى مقابل وقف الإبادة، رغم أن وجود أولئك الأسرى شكل ذريعة لمواصلة الحرب من أجل البحث عنهم!

في المقابل تغرق حماس في طوفان كبير من الشتات، فماذا يعني أن تطالب مجلس الأمن بوقف الحرب، وتهاجم مجلس الأمن، وماذا يعني أن تشيد بقرارات المحكمة الجنائية الدولية التي أصدرت قرارات بالقبض على نتنياهو وهي نفسها التي أصدرت قرارات بالقبض على قيادات الحركة بنفس التهمة، عوضًا على تجربة حماس التي نادت فيها وهي الدمج بين السلطة والمقاومة، والتي أثبت فشلها، وها هي الآن تبحث عن السلطة لتحفظ ما تبقى لها من كيانية تساعدها على البقاء والاستمرار، وهذا يدعو حركة حماس بأن تقف مع نفسها وقفة فكرية جادة، لتسأل نفسها ماذا تريد بالضبط، وعلى أي أرضية تقف؟

في عام 2017 أصدرت حركة حماس ما أسمته" وثيقة المبادئ والسياسات العامة" نصت على أن حماس تنظيم فلسطيني مستقل قائم بذاته، بالمقابل لا تكف قيادة الحركة عن التصريح بأن الحركة هي امتداد لمحور المقاومة الذي ترأسه إيران وتشير عليه وتقدم له الدعم المالي والعسكري، وفي نقطة أخرى تقدم حماس نفسها للمجتمع الدولي من خلال إعلانها قبول قيام دولة فلسطينية على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية دون الاعتراف بإسرائيل، لا أعلم كيف تفكر حماس ولمن سوف تبيع هذه (الفهلوة) السياسية؟! من سيعترف أو يعطي أو يناقش قيام دولة فلسطينية دون الاعتراف بإسرائيل؟!

لحماس الحق في تقرير ما تراه مناسب بخصوص سياساتها الداخلية وميثاقها، لكن أن تحكم الشعب الفلسطيني بمفاهيمها وعقيدتها ونظرتها الدينية أو السياسية فهذا لم يعد مقبولًا، وعليها أن تعرف تمامًا أنها ليست قدر للشعب الفلسطيني وأن الشعب هو الذي يقرر من يحكمه، وأنها وغيرها ليس لها سلطة قدرية على الشعب بأن تقرر في خياراته سواء بالاعتراف بإسرائيل أو في مقاومتها، فإدارة حركة وفصيل يختلف عن إدارة شعب كامل يحتاج إلى إعالة وتعليم وصحة ومعابر وعلاقات دولية، وقد أثبتت حماس في عام الإبادة إلى عدم امتلاكها أي علاقات داخلية أو خارجية يمكن لها أن تساهم في وقف الإبادة وإعانة الشعب المنكوب، لأنها ببساطة افتقرت إلى الإدارة السياسية العربية والدولية، وتتعامل بمنطق (الفهلوة) التي تظن أنها تناور من خلالها كي لا يتم اتهامها بالتفريط.

لم يعد هناك متسعًا من المجاملة الوطنية، أو (الفهلوة)، فعلى حركة حماس أن تحدد كيانها وتُعرّف نفسها بشكل واضح، ماذا تريد بالضبط دون مواربة أو لعب في مصطلحات اللغة العربية، فممارسة الحكم والسلطة له متطلبات، فإما أن توافق عليها وتقدم نفسها بشكل سياسي، أو أن ترفضها وتبتعد تمامًا عن ممارسة الحكم والسلطة التي مارستها طيلة 18 عامًا في قطاع غزة وكانت حجة كبيرة لمحاصرته.

لقد حوصر قطاع غزة بذريعة سيطرة حركة حماس على الحكم فيه عام 2007، ومن خلال هذه السيطرة نجحت إسرائيل في شيطنة القطاع والوصول به إلى حرب الإبادة الحالية، فخلال حكم حماس تم التعامل مع قطاع غزة بأنه منطقة إنسانية تحتاج إلى الطعام والشراب فقط، وتعاملت حماس بهذا المنطق بل وتساوقت معه من خلال مطالبها التي كانت تقدمها عقب كل عدوان، والتي خلت تمامًا من أي مطلب سياسي. لهذا وجب الآن على حركة حماس ولمصلحتا أن تقف مع ذاتها وتراجع كل سنوات عمرها وقرارتها وتحالفاتها والخروج بمراجعة شاملة يمكن لها أن تقدمها للشعب الفلسطيني عبر صندوق الانتخابات، أما الآن فعليها أن تخرج من مشهد الحكم تمامًا، وتعلن أنها سوف تدعم تولي الحكومة الفلسطينية لشؤون قطاع غزة، أو أي شكل يمكن أن ينتج عن توافق منظمة التحرير لتدويل القطاع لعدة سنوات يمكن فيها إعادة البناء وإحياء العملية السياسية وإجراء الانتخابات. أما لو أصرت حماس على تواجدها في السلطة بأي شكل من الأشكال، في ظل رفض دولي وعربي لها، لن يتم إعادة الإعمار وعلاج الجرحى وإنقاذ ما يمكن إنقاذه وسنترك للريح والموت البطيء، وقتها ستثبت حركة حماس أنها تُعلي شأن مصلحتها ووجودها على شأن الناس وحياتهم في قطاع غزة، وسيتم استخدامها لتدمير ما تبقى من أمل لدى أهل غزة في العودة والبناء والمستقبل.

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo