أن تملك أموالًا في حسابك البنكي هذا لا يعني أنك ستكون قادرًا على شراء ما تريد، هذا ما يحدث في قطاع غزة، فلا قيمة للمال في حسابك البنكي إذا لم تتمكن من سحبه نقدًا لتدفع للبائع الذي لا يقبل تعاملًا إلكترونيًا.
فمع دخول الحرب الإسرائيلية على غزة عامها الثاني باتت السيولة النقدية شحيحة جدا، حيث بدأت الأزمة مع الأيام الأولى للحرب لا سيما بعد تجميد إسرائيل مخصصات القطاع من أموال الضرائب الفلسطينية، وتفاقمت تدريجيا بعد أن أعلنت سلطة النقد الفلسطينية تعذر فتح ما تبقى من الفروع البنكية في كل محافظات القطاع بسبب تواصل القصف الإسرائيلي والظروف الميدانية وانقطاع التيار الكهربائي والواقع الأمني.
ولتفادي الأزمة لجأ المواطنون الغزيون إلى الاعتماد على التحويل البنكي، المرتبط بالتطبيقات المصرفية، من خلال حساباتهم الشخصية في هذه المؤسسات المصرفية، أو عبر أقاربهم وأفراد عائلاتهم وبعض الأصدقاء، في استقبال التحويلات الخارجية.
البحث عن "الكاش"
ويروي الموظف "سمير لبد" لـ "زوايا" معاناته في توفير السيولة النقدية، ورحلته على محلات الصرافة للبحث عن "الكاش"، ويضيف:" كل يوم اتفاجأ بارتفاع "العمولة" وهي النسبة التي يفرضها التجار وأصحاب رؤوس الأموال لإعطاء السيولة النقدية للمواطنين مقابل تحويل المبلغ إلى حساب التاجر البنكي.
ويقول "لبد" إن النسبة التي يفرضها هؤلاء تزايدت مع تعمق الأزمة، حيث بدأت ب ٥ و١٠% إلى أن وصلت ما بين ٣٠% إلى ٤٠% في الآونة الأخيرة، أي أنه عندما تحتاج مبلغ من المال نقدا فأنت مضطر إلى تحويل هذا المبلغ كاملا من حسابك البنكي إلى حساب التاجر أو صاحب رأس المال، في المقابل تحصل أنت على ٦٠% أو ٧٠% من قيمة المبلغ المحول نقدا.
ويضطر آلاف موظفي السلطة الفلسطينية، وغيرهم من موظفي القطاع الخاص ممن يتلقون رواتبهم عبر البنوك، إلى سلوك هذا الإجراء لتوفير السيولة والحصول على رواتبهم نقدا.
ورغم محاولة سلطة النقد الفلسطينية إيجاد حلول بديلة عن النقد عبر إطلاق خدمة الدفع الفوري إلكترونيا باستخدام التطبيقات البنكية والمحافظ الإلكترونية والبطاقات البنكية، يؤكد المواطن "لبد" أنه من الصعب أن تجد في غزة محلات ومتاجر للبيع تقبل المعاملات الالكترونية، وإن وجدت فإن أسعار السلع المباعة تكون مرتفعة عن تلك التي تباع بالكاش.
الصرافة العشوائية
ومع غياب رقابة سلطة النقد وانتشار الصرافة العشوائية وتجار التكييش زادت معاناة المواطنين في غزة، وخلال حديثه لـ "زوايا" أكد المواطن "خالد عبد العال" وهو أحد النازحين من شمال قطاع غزة لجنوبه أنه تعرض للابتزاز من الصرافين العشوائيين لاستقبال حوالة مالية له مم خارج القطاع، وأنه اضطر إلى التضحية بثلث قيمة المبلغ المحول لكى يحصل على السيولة النقدية.
كما أوضح أن نسبة العمولة تختلف بحسب طبيعة الأوراق النقدية المستلمة، حيث تزيد النسبة كلما كانت حالة الورق النقدي جيد، وتقل عندما تكون مهترئة أو معدنية.
وأشار "عبد العال" إلى أن كثيرا من المواطنين لجأوا إلى نظام مقايضة البضائع الذي كان يستخدم قبل مئات السنين، عبر باستبدال البضائع والسلع ببعضها البعض نظرا لعدم توفر السيولة.
"فؤاد" هو اسم مستعار لأحد الصرافين العشوائيين كشف لـ "زوايا" أنه بدأ العمل في هذا المجال لاسترجاع بعض خسارته عندما اضطر إلى سحب مبلغ مالي كبير من حسابه البنكي بنسبة عمولة وصلت إلى ١٥%.
وأوضح أن هناك من يعمل كوسيط حيث يذهب إلى التجار وأصحاب رؤوس الأموال الذين يمتلكون نقدا لم يودعوه البنوك يأخذ منهم نقدا مقابل عمولة ويحول الأموال في حساباتهم عبر التطبيقات البنكية، وفي هذه الحالة يضيف الوسيط عمولته فوق العمولة التي يحددها التاجر حسب المبلغ المطلوب.
أداة لحرب الإبادة
وفي تقرير له أكد مركز الميزان لحقوق الإنسان، أن عمل المصارف وتقويض قدرتها على تقديم خدماتها المالية للجمهور، هو "واحد من أدوات الإبادة الجماعية"، بحيث تمنع سلطات الاحتلال وصول السيولة النقدية الضرورية لعمل المصارف بالعملات المختلفة، ولا سيما الشيكل الإسرائيلي الذي يشكل عملة التداول الرئيسية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ودعا المركز المنظمات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة الضغط على الاحتلال للسماح بإدخال النقود والسيولة النقدية، وتحرير أموال المقاصة الخاصة بقطاع غزة المجمدة من قبل وزارة المالية الإسرائيلية.