لماذا حزب الله وليس حماس؟!

جيش الاحتلال في جنوب لبنان
جيش الاحتلال في جنوب لبنان

على مدار شهور المواجهة بين حزب الله و"إسرائيل" لم يكن هناك سببًا لبنانيًا واقعيًا يمكن تحقيقه وتقديمة للشعب هناك في استراتيجية حزب الله في المواجهة، بعيدًا عن خطاب وحدة الساحات وفكرة إسناد غزة، هذه أشياء عاطفية جدًا، فوحدة الساحات لا تتحقق بالخطابات والأماني، بل بالإجماع الشعبي والقدرة المادية والعسكرية، كذلك غزة لا تحتاج إلى إسناد، فهذا الإسناد لا يؤتي أكله ولا يشكل فارق في سير الحرب فقد تم تدمير غزة على مدار عام، فلو دخل الحزب الحرب من اليوم الأول لتغيرت الصورة بشكل كامل، لكن التردد هو من أوصلنا إلى هذا الاتفاق الذي كان لابد منه لوقف حالة النزيف العشوائي الذي وقع فيه الحزب ولبنان على حد سواء.

بعد خطاب السيد حسن نصر الله الأول الذي قال فيه أن السابع من أكتوبر هو قرار حمساوي بحث ولم يتشاور فيه الحزب ولم يكن على علم مسبق بالعملية، مما أعطى اسرائيل راحة ميدانية كان يبحث عنها ليتفرغ إلى غزة بشكل كامل ويسحقها، استغل نتنياهو ذلك، وعندما انتهى من غزة، ذهب إلى حزب الله الذي تحمل الاحتلال قصف الموضعي لمستوطنات الشمال رافضًا فتح جبهة الشمال بشكل واسع ريثما ينتهي من غزة، وبعمليات مباغتة بتفجير أجهزة الاتصال ثم اغتيال الصف الأول والثاني في الحزب، فتح نتنياهو الحرب، وأقتحم الحدود بالدبابات بعدما أتم جهوزيته الميدانية، مما أربك حسابات حزب الله كلها، وسجلت اسرائيل بذلك خطوة متقدمة في الحرب على لبنان، هذا كله يأخذنا إلى نقطة مهمة: هل رفع السقف القتالي والاستخفاف بقدرات العدو شيء صحي ويخدم الواقع الميداني، أم أنه أوقعنا في خسارات باهظة كنا في غنى عنها؟

لماذا وافق الحزب على وقف اطلاق النار وايقاف وحدة الساحات دون وقف الحرب على غزة، وهو الذي صرح دومًا بأن الحرب لن تقف الا بتوقفها في غزة؟!

عملت اسرائيل على استهداف قاعدة حزب الله الشعبية في الجنوب اللبناني وفي الضاحية الجنوبية لبيروت طيلة شهور الحرب، مما عاظم الخسائر في القدرات المادية والبشرية للحاضنة الخاصة بالحزب وهي مكون أساسي من مكونات البيئة السياسية في لبنان وتعرضها لهذا الكم الهائل من الخسائر سوف يضعف من تواجدها وبالتالي سوف يؤثر ذلك على قوة حزب الله السياسية فيما بعد، فاستمرار المواجهة دون أي هدف لبناني واقعي هو خسارات مستمرة لحضور ومكانة الحزب وحاضنته الشعبية مقابل نمو حاضنة وحضور المعارضين السياسيين للحزب ولمبرر خوض الحرب، لهذا كان القرار بهذه السرعة، وهو قرار استراتيجي يُحسب لحزب الله، من أجل تقليل الخسارات الميدانية والسياسية فيما لو استمر النزيف.

أما السبب الثاني فيكمن في الارتباط العضوي بين حزب الله وإيران، فقد فضلت إيران القبول بالخسارات الحالية وكل الخسارات التي قد تترتب على وقف إطلاق النار بخصوص حزب الله، مقابل إمكانية القضاء على الحزب عسكريًا بشكلٍ ينعكس على تواجده السياسي المستقبلي من خلال تدمير لبنان أو بيروت بصورة تشبه ما حصل في غزة.

رغم الضعف الحالي في بُنية المؤسسات الرسمية في لبنان إلى أنها بقيت فاعلة في إدارة الحوار الخلفي بين حزب الله وباقي الدول المشاركة في المفاوضات، وحافظت على الكيان الجامع لكل طوائف لبنان، وهذا أعطى لبنان الدولة متمثلة في الحكومة الانتقالية القدرة على المناورة والتواجد العسكري من خلال قوات الجيش على حدود لبنان و"إسرائيل" دون تعطيل أو اتهام من قبل حزب الله، وقبول من طرف اسرائيل التي لا تعتبر الجيش أو الدولة اللبنانية طرفًا فاعلًا في المواجهة.

أما غزة، فالمعطيات مختلفة تمامًا، اسرائيل رفعت شعار القضاء على حماس عسكريًا وسلطويًا وقد حققت ذلك بشكل كبير، عكس ما حصل مع حزب الله الذي ما زال يحتفظ بقدرات عسكرية وتواجد تنظيمي على الأرض، وللأسف قد تحقق الكثير مما أعلنه نتنياهو ودخلت غزة فعليًا في فوضى كبيرة وأصبحت مرتع للعصابات وقطاع الطرق، وقد خسرت حماس ما لا يمكن تعويضه أبدًا لا في اتفاق هدنة أو وقف اطلاق نار، وما شرطها بالانسحاب من غزة وإعادة الإعمار إلا شرط المستميت الذي يرفض أن يسجل على نفسه أنه رضي باتفاق يوافق به على احتلال غزة، وهنا تعرف حماس أنها قد وقعت ضحية تجربة مريرة سُحقت فيها هي وغزة، وقد كانت نموذجًا مهمًا لأخذ العبرة من قبل حزب الله وإيران.

على صعيد آخر، لعبت إسرائيل على التناقضات الطائفية في لبنان بشكل عميق عندما استهدفت الحاضنة الشعبية لحزب الله والتي تشكل عصب وجوده السياسي والعسكري، وايقاع لبنان في خسارات على مستوى الدولة مما سوف يزيد من حالة الخسارات للحزب على المستوى التمثيلي في الدولة، أما في غزة فلا دولة، ولا يوجد نقيض لحماس يمكن أن يستفيد من حالة الحرب لأن إسرائيل فعليًا تشن الحرب على كل مكونات الشعب الفلسطيني، وترفض أي تواجد للسلطة الفلسطينية في قطاع غزة، بل تسعى إلى تقويض وجودها في الضفة الغربية بكل السبل الممكنة.

لا أفق قريب لحصول وقف إطلاق نار في غزة، لأنه فعليًا لا توجد أي ضغوط عسكرية على إسرائيل من جهة غزة، وقد انحصر القتال داخل غزة، ولا يكاد يؤثر على سير الحياة الطبيعية داخل دولة الاحتلال، لهذا نحن أمام حكومة إسرائيلية لا تواجه ضغوط حقيقية لا ميدانيًا ولا دوليًا ولا داخليًا لوقف الحرب، ناهيك عن أن اتفاق وقف إطلاق نار في غزة سوف يهدد بقاء حكومة العدو وتماسكها.

سوف تتوقف الحرب على غزة، لكن ليس من خلال اتفاق بل من خلال فرض واقع جديد ومغاير، وقتها تكون الحرب قد استنزفت نفسها، وذلك أشبه بالذبيحة التي تنهار ثم تتوقف عن المعافرة بعد أن يتصفى منها الدم.

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo