حربٌ من نوع آخر

الغلاء يذبح الغزيين.. واتهامات للتجار وعملاء الاحتلال

مواطن يحمل بعض المقتنيات من منزله المدمر
مواطن يحمل بعض المقتنيات من منزله المدمر

دون جدوى ينتقل المواطن الغزي "مصطفى حمودة" في الأسواق وبين الباعة المتجولين لعله يجد ما يسد جوع أطفاله، فارتفاع أسعار السلع والبضائع وندرتها حال دون تمكنه من شراء أبسط الأشياء التي يحتاجها المنزل من مواد غذائية وتموينية.

ويشتكي "حمودة" الذي يعيل أسرته المكونة من ثمانية أفراد من ارتفاع أسعار السلع الأساسية "الطحين والأرز والسكر وزيت الطعام والبقوليات"، وقال "لزوايا" إنه يعود إلى المنزل في كثير من الأوقات خالي اليدين، دون الحصول على أي شيء بسبب غلاء الأسعار التي يحرمه من إحضار الطعام لأطفاله.

وحمل "حمودة" التجار والسلطة الحاكمة في غزة المسؤولية عن الارتفاع الجنوني في أسعار كافة السلع، وتابع: "لقد شاهدنا بأعيننا شاحنات البضائع والخضار التي تدخل إلى جنوب القطاع، ولكن هذه البضائع لم تنزل الأسواق، متسائلاً أين ذهبت هذه البضائع؟، بقيت في مخازن التجار ليتلاعبوا بالأسعار"، كما أجاب بنفسه.

أسواق سوداء

وعلى الجانب الآخر يقف المواطن "خليل الدريملي" ساعات طويلة في طابور أمام إحدى المخابز في مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، ليحصل على ربطة خبز واحدة.

وأوضح "لزوايا" أنه في كثير من الأحيان لا يتمكن من الحصول على ربطة الخبز ويضطر إلى شرائها بأضعاف ثمنها خارج المخبز، متهماً أصحاب المخابز ببيع كميات كبيرة من الخبز لأشخاص يعملون معهم، ليتم بيعها لاحقا فيما يُعرف بالسوق السوداء.

وشدد على أن التجار يتلاعبون بالأسعار بسبب عدم وجود أي رقابة عليهم في ظل غياب الدور الفعلي للشرطة والحكومة بسبب استمرار الحرب الإسرائيلية.

وأضاف بنبرة حزينة "أطفالي يتضورون جوعا، لم يعد هناك ما يأكلونه، ألا يكفينا القصف والدمار والرعب ليأتي التجار ليقتلوا من تبقى منا على قيد الحياة بسلاح التجويع".

حال المواطنين "حمودة، والدريملي" تعكس معاناة أكثر من مليوني شخص في قطاع غزة يعيشون حربا من نوع آخر بفعل تحكم التجار بالأسواق، واحتكار السلع والمواد الغذائية.

وتعصف بقطاع غزة أزمة حادة ومركبة، ناجمة عن شح السيولة والارتفاع المهول في الأسعار ضربت بقوة كل تفاصيل الحياة اليومية، نتيجة الحرب الإسرائيلية التي دخلت عامها الثاني والتي أوقفت عجلة الاقتصاد وتسببت في "شلل" شبه تام في القطاع الساحلي الصغير، الذي يعاني غالبية سكانه من معدلات هائلة في الفقر والبطالة.

وقال تقرير نشره البنك الدولي في شهر سبتمبر الماضي إن سكان قطاع غزة يعانون من الفقر مع بلوغ نسبته 100 بالمائة وأن التضخم تجاوز بنسبة 250 بالمائة مع استمرار الحرب.

وأشار التقرير الذي صدر بعنوان "التحديث الاقتصادي الفلسطيني" إلى أن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للأراضي الفلسطينية انخفض بنسبة 35% في الربع الأول 2024، وهو الأعلى على الإطلاق.

غياب السلطة الحاكمة

من جهته رفض التاجر "محسن" والذي تحفظ عن الكشف عن اسمه كاملاً "لزوايا" الاتهامات الموجهة للتجار، وأرجع سبب ارتفاع أسعار السلع إلى الأموال التي يفرضها عليهم قطاع الطرق واللصوص، للسماح لشاحناتهم المحملة بالبضائع بالمرور إلى القطاع.

وأوضح أنهم يجبرون على دفع أكثر من ٤ آلاف دولار أمريكي على كل شاحنة لقطاع الطرق من أجل ضمان وصولها إلى المخازن بسلام قبل إنزالها إلى الأسواق.

وأضاف التاجر "محسن" أن تدهور الوضع الأمني وغياب دور السلطة الحاكمة في غزة، جعل قطاع غزة كالغابة التي يسيطر من خلالها القوى على الضعيف، مشيرًا إلى أن قطاع كبير من التجار هم من الضحايا، وأنهم ليسوا محتكرين وتجار دم كما يصفهم العديد من المواطنين في غزة.

وفيما تتجه أصابع الاتهام إلى التجار يرى العديد من المواطنين أن هناك جهات متنفذة تعمل لصالح الاحتلال الإسرائيلي تحمي هؤلاء التجار، وكذلك قاطعي الطرق وسارقي المساعدات الإنسانية التي تدخل عبر المعابر في قطاع غزة.

من جانبها تتهم حماس جيش الاحتلال بعرقلة إدخال المساعدات إلى قطاع غزة المحاصر وقصف مواكب تأمين شاحنات المساعدات والذي أسهم بانتشار اللصوص الذين يسيطرون عليها ويبيعونها بالأسواق.

هذا الواقع المرير دفع اللجان الشعبية في قطاع غزة للتحرك، حيث شهدت أسواق القطاع خلال الشهر الماضي وعلى غير عادتها إضرابات لمعاقبة المحتكرين، ورفضا لغلاء الأسعار.

وكانت تلك الدعوات قد لاقت استجابة بين جموع الفلسطينيين الذين يعانون ويلات الفقر والعوز والحرب، في حين انتشرت عناصر اللجان الشعبية في الأسواق، وأجبرت العديد من الباعة وأصحاب البسطات على البيع بأسعار مخفضة، ولكن سرعان ما عادت موجة الغلاء إلى الأسواق في قطاع غزة مرة أخرى.

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo