غزة ما بعد حالة الفوضى!

أزمة أمام المخابز بقطاع غزة للحصول على ربطة حبز
أزمة أمام المخابز بقطاع غزة للحصول على ربطة حبز

تغرق غزة الآن في طوفان من الجوع والقتل وفقدان السيطرة، لا قيادة حقيقية على الأرض، تيه بشري يبحث عن حاجاته الفسيولوجية من أجل البقاء على قيد الحياة، لا أمل سوى هذه الأمنية فقط .. الحصول على رغيف الخبز!

تتحكم الأن العديد من العصابات التي تشكلت بروابط عائلية، وأخرى فصائلية بشكل فردي بعدما انهيار التنظيم الفعلي لحركة حماس وفقده القدرة على التواصل على الأرض من أجل الحفاظ على الحد الأدنى من التنظيم هذه كل خُطط له اسرائيليًا من أول أيام الحرب، وربما من قبلها، وقد تحقق بفعل استعمال فائض كبير من القوة العسكرية مما أدى إلى إحداث شلل حقيقي في قدرة حماس وباقي التنظيمات من العمل على الأرض لتسيير حركة النازحين بشكل يحافظ على النظام بحده الأدنى.

لا تعترف حماس بفقدانها للسيطرة على الأرض، لكنها تعلم ذلك والشارع أيضًا يعرف كل التفاصيل وبدأ يتعامل وفق هذه المعطيات، فقد برزت العديد من الأسماء التي تعمل وفق تخطيط عصابي يقوم بالسيطرة على المساعدات بالقوة العسكرية ومن ثم ضخها في الأسواق ضمن تخطيط معين، حاولت حركة حماس من خلال جهازها الأمني السيطرة على هذه الحالة لكنها فشلت وتشتت بحكم عدم مركزيتها، هذا الفشل يقودنا بالضرورة إلى حالة الفوضى التي تحدث في الشارع والتي ينتج عنها العديد من حالات القتل والبلطجة وأخذ القانون باليد من قبل عصابات لا يمكن للمتابع أن يحدد من هي وكيف يتم دعمها داخليًا وخارجيًا وما هي ارتباطاتها والشكل الذي سوف تنتهي عليه عندما تأتي مرحلة القضاء على الفوضى.

الفوضى في غزة الآن ليست عبثية بل منظمة بشكل جيد من أجل طحن ما تبقى من نسيج اجتماعي بعد عام ونيف من الإبادة الجماعية والوصول إلى المجتمع الحيواني المنهك، فالذي لم يتحقق بالقتل الجماعي والاستهداف، يتم استكماله من خلال خطة التجويع وتجفيف مصادر الدعم للمنظمات الإغاثية التي تستطيع تقديم الخدمات بشكل منظم يمنع الوصول إلى حالة الفوضى العارمة التي تقضي على أي شكل من أشكال السيطرة المدينة التي تتميز بها الأنظمة الحضرية.

غزة الآن بلا منظومة أمن، بلا مؤسسات محلية، بلا رموز مجتمعية وإن توفرت بعض الأسماء فهي تفتقد تمامًا للأدوات التي يمكن من خلالها فرض حالة النظام، الجوع والقتل وعدم وجود متر مربع آمن في غزة جعل الجنوح للسلامة الفردية هو السبيل الوحيد للحفاظ على الحياة، لقد نجحت إسرائيل في تكسير المجتمع الغزي الذي ظهر فيه المجتمع الحضري منذ سنوات عديدة، وبنى لنفسه منظومة حكم عشائرية وسلطوية كانت نشطة وتعمل بشكل مقبول وجيد، لكن تعرض غزة لهذا الفائض من قوة البطش العسكري أفقدته توازنه، بل دمرته كليًا، ولا يمكن لأي نظام أن يصمد أمام حجم البطش الممارس ضد غزة بشرًا وحجرًا وشجرًا.

عما قريب سوف يتضح الأمر بالنسبة لإعادة تشكيل حالة الفوضى من قبل إسرائيل وهي بالمناسبة الطرف الوحيد القادر على تحجيم تلك الحالة في غزة، بحكم سيطرتها العسكرية والأمنية داخل القطاع لأنها على المدى البعيد سوف تكون المتضرر الرئيسي منها في حالة استمرارها لهذا هي تتعامل معها بـ كنترول عالي، وتوازن حالة القوة والسيطرة بين تلك العصابات كي لا تتطغى إحداها على الأخرى فيشكل ذلك اغراءًا للسير في طريق السيطرة وتشكيل حالة من النظام العام.

نحن أمام غزة جديدة كليًا بعد انتهاء حالة الإبادة، سنكون أمام جغرافيا جديدة لمدن القطاع وأحيائه، وسوف يخضع القطاع لنظام حكم مختلف ربما يكون نموذج يتم تعميمه! ستظهر طبقة تجار وساسة جدد وكذلك طبقات اجتماعية، وسوف تختفي أسماء معروفة وتظهر أخرى، هذا الزلزال الذي حصل ستكون له ارتدادات كبيرة على الحالة الوطنية الفلسطينية بشكل عام، كل هذا سوف يحدث بإشراف دولي متفق عليه لعدة سنوات، ولكن هل سيكون هناك توافق فلسطيني داخلي على استغلال ذلك الحدث للوصول إلى قاعدة مشتركة للنضال؟ أنا لا أتوقع ذلك. لأننا ببساطة لم نثبت ذلك طيلة عام ونيف من الإبادة، والسبب الأبرز أن الكثير من قياداتنا الحزبية الحالية ما هي إلا أدوات متعددة لأجندات غير فلسطينية، ربما ننجح فقط إذا قاد الشعب نفسه بعد خمس سنوات عبر صندوق الانتخابات.

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo