مع الإعلان عن عودة الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، تزداد الحديث عن "صفقة القرن"، تلك الصفقة المشؤومة التي طرحها في ولايته الأولى، خاصة أنها تأتي هذه المرة في وقت حساس للغاية، حيث تواصل إسرائيل عدوانها على قطاع غزة والضفة الغربية.
مختصون أكدوا أن ترامب قد يستغل الوضع الراهن لتمرير الصفقة من خلال ممارسة ضغوط على الفلسطينيين لقبول تسوية لا تلبي تطلعاتهم في إقامة دولة ذات سيادة.
خريطة ترامب لصفقة القرن الجديدة
الكاتب محمد المنشاوي قال إن عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض تشير إلى إحياء "صفقة القرن" التي طرحها في فترة حكمه الأولى، الأمر الذي يعني تصفية القضية الفلسطينية بشكل نهائي.
وأوضح أن الصفقة التي قدمها ترامب في فترته الأولى تتضمن إقامة دولة فلسطينية على نحو 70% من أراضي الضفة الغربية، مع بقاء المستوطنات الإسرائيلية، ووضع خطة للسيطرة الأمنية الإسرائيلية على حدود الدولة الفلسطينية والمجال الجوي، مع منح الفلسطينيين عاصمة في القدس الشرقية لكنها ستكون خاضعة للسيادة الإسرائيلية.
وأشار المنشاوي إلى أنه رغم فشل مخطط ترامب السابق، إلا أنه قد يسعى مجددًا لتحقيق أهدافه بتصفية القضية الفلسطينية عبر ضغوط جديدة على المنطقة، مشددًا على أن الفلسطينيين سيبقون العامل الحاسم في تحديد مصير الصفقة.
وتساءل المنشاوي: هل ستقبل السلطة الفلسطينية بالواقع الجديد وتفاوض على الفتات المتبقي، أم تتخذ خطوة جذرية بإعلان حل نفسها والانسحاب من اتفاقيات أوسلو لإعادة منظمة التحرير الفلسطينية إلى الواجهة بهدف تحرير فلسطين وتحقيق استقلالها؟
هل ينجز ترامب "صفقة القرن؟"
أما الكاتبة الأردنية لميس أندوني، فتوقعت أن يعيد ترامب طرح "الصفقة" بطرق أكثر جرأة وبلا مواربة، مستغلاً نفوذه وشبكاته التي أسسها خلال ولايته السابقة.
وترى الكاتبة أن "صفقة القرن" ليست سوى مشروع لإنهاء القضية الفلسطينية بما يضمن هيمنة أمريكية مطلقة وتحالفات إقليمية قائمة على "البزنس" ومصالح النخب، مشيرة إلى أن ترامب لا يرى القضية الفلسطينية كصراع حقوقي أو قضية تحرر، بل كـ"عقبة" أمام تحقيق مصالح الولايات المتحدة في المنطقة، خاصة أنه يؤمن بمبدأ "المنتصر يأخذ كل شيء"، ويدير السياسة الخارجية كما يدير شركاته، دون مراعاة لأي اعتبارات إنسانية أو قانونية.
وتوقعت "أندوني" أن يلجأ ترامب إلى ممارسة ضغوط على الأنظمة العربية لتبني أدوار جديدة في إدارة القضية الفلسطينية، كما قد يستهدف الأردن للعب دور أمني في الضفة الغربية، مستغلاً الضغوط الاقتصادية والسياسية، لكنها نبهت إلى أن هذا الطرح مرفوض من القيادة الأردنية، لما يحمله من مخاطر على استقرار المملكة.
وأشارت إلى أن أولوية ترامب في المرحلة المقبلة ستكون فرض استسلام نهائي على الفلسطينيين والعرب، مستخدمًا أسلوبه العدائي وأدواته الاقتصادية والسياسية، مشددة على أن المقاومة الفلسطينية ستبقى هي التحدي الأكبر أمام كل تلك المخططات والضغوط الهائلة التي قد يمارسها على الشعوب والأنظمة العربية.
وطن بديل للفلسطينيين
الكاتب سليم عزوز توقع أيضًا إعادة طرح ترامب للصفقة، والتي يهدف من خلالها لتصفية القضية الفلسطينية عبر إقامة "وطن بديل" للفلسطينيين، وهو ما قوبل برفض شديد فلسطينيًا عند طرحها في المرة الأولى.
ويرى عزوز أن المخطط لا يزال قائمًا، خاصة في ظل الظروف الحالية بما في ذلك الوضع المتدهور في غزة، الذي قد يوفر فرصة جديدة لترامب لتنفيذ جزء من مخططه، من خلال فرض تسويات على الفلسطينيين عبر الضغط على الفصائل، خاصة حركة حماس، وإجبار بنيامين نتنياهو على التهدئة في غزة مقابل تنازلات تتعلق بالحكم في القطاع، مع احتمال إعطاء دور أكبر للسلطة في حكم قطاع غزة بعد وقف العدوان.
وأضاف عزوز أن ترامب سيسارع لطرح الصفقة مجددًا مستفيدًا من أن الشعب الفلسطيني مثخن بالجراح، وسيقبل بالصفقة، لكن سيتفاجأ بعدم قدرته على فرض دولة بديلة على الفلسطينيين.
تهديد الوجود الفلسطيني
وفي تحليل له، حذر الكاتب الفلسطيني محمد عايش من إعادة طرح الصفقة باعتبارها تهديدًا حقيقيًا للوجود الفلسطيني، وتغلق الباب أمام إقامة دولة فلسطينية وتحقيق حلم عودة اللاجئين.
وأشار عايش إلى أن ترامب عندما طرح الصفقة في ولايته الأولى، كان يهدف إلى فرضها دون مشاورة الفلسطينيين، بما في ذلك نقل السفارة الأمريكية إلى القدس والاعتراف بها عاصمة لإسرائيل، وهو ما يتعارض مع القرارات الدولية.
وأضاف أن "صفقة القرن" تعني استمرار السيطرة الإسرائيلية على معظم أراضي الضفة الغربية وضم الكتل الاستيطانية الكبرى، في حين تبقى القدس تحت السيادة الإسرائيلية، كما تمثل تهديدًا لقضية اللاجئين الفلسطينيين، بتقديم "لاجئين يهود" مقابل "لاجئين فلسطينيين"، ما يفتح الباب لتصفية قضيتهم بشكل كامل.
وشدد عايش على أن الفلسطينيين باتوا الآن يخشون أن تؤدي عودة ترامب للبيت الأبيض إلى فرض الصفقة عليهم بالقوة، الأمر الذي يعني في نهاية المطاف استحالة إقامة دولة فلسطينية، وضياع حلم العودة، وزعزعة استقرار المنطقة، خاصة في الدول التي تستضيف اللاجئين الفلسطينيين.
"صفقة القرن" مقابل التطبيع السعودي
يرى الكاتبان الإسرائيليان يئير غولان وتشيك فرايلخ أن عودة ترامب إلى البيت الأبيض قد تعيد إحياء مشروع الصفقة، في محاولة لإعادة تشكيل المنطقة بما يحقق مصالحه الشخصية والسياسية.
وتشير تحليلات الكاتبين إلى أن ترامب قد يسعى لاستثمار عودته السياسية لتحقيق إنجاز شخصي كبير، متمثلًا في إنجاز "الصفقة" المرفوضة من قبل، لطرحها تصورًا لدولة فلسطينية مقيدة، تشمل 30% فقط من أراضي الضفة الغربية، مع إبقاء المستوطنات، وتشديد القيود على سيادة الفلسطينيين، بما في ذلك السيطرة الإسرائيلية على الحدود والمجال الجوي، ورفض حق العودة للاجئين.
ويرى الكاتبان أن إعادة طرح "الصفقة" قد تكون وسيلة لفتح الطريق أمام تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية، وهو هدف استراتيجي يسعى إليه ترامب، مشددين على أن المشروع برمته قد يضع حكومة إسرائيل في مأزق داخلي وخارجي، وسيجبرها على تقديم تنازلات، مثل قبول مبدأ حل الدولتين، المرفوض من اليمين الإسرائيلي، إضافة إلى أن الحكومة قد تجد نفسها مضطرة للتعامل مع ضغط أمريكي وسعودي لإتمام الصفقة.
الضغط ثم الضغط
يرى المختصون أن ترامب لن يفوت الفرصة الحالية لممارسة كل الضغوط على الفلسطينيين والدول العربية من أجل تمرير "صفقة القرن"، بهدف تصفية القضية الفلسطينية بشكل نهائي، وحرمان الفلسطينيين من حقهم في إقامة دولة ذات سيادة، مشددين على أن تماسك وتمسك الفلسطينيين بحقوقهم ضد أي محاولة لتصفية قضيتهم، سيكون هو العامل الأساسي والعائق أمام تنفذ ذلك المخطط، ويجعل الطريق أمام "صفقة القرن" مليئًا بالتحديات والصعوبات.