مع الإعلان عن عودة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في نوفمبر 2024، شهدت الساحة الإسرائيلية تحولات كبيرة على الصعيدين السياسي والعسكري.
وقد استفاد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من هذه العودة لتعزيز سلطته وتوسيع نطاق الحرب ضد غزة، مستفيدًا من الدعم الأمريكي غير المحدود الذي من المتوقع أن تحظى به إسرائيل في ظل إدارة ترامب الجديدة.
فرحة إسرائيلية بعودة ترامب
قال الكاتب والمحلل السياسي ماهر الشريف، إن فرحة كبيرة عمت الأوساط الإسرائيلية بفوز ترامب، حيث عبّر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزراء حكومته عن دعمهم الحماسي، إذ يرون في عودة ترامب تعزيزاً للتحالف الأميركي-الإسرائيلي.
وأشار "الشريف" إلى أن الولاية الأولى لترامب شهدت اعترافه بسيادة إسرائيل على الجولان، ونقل السفارة الأميركية إلى القدس بعد إقرارها عاصمة لإسرائيل، وقطع تمويل "أونروا"، وساهم في تطبيع علاقات أربع دول عربية مع إسرائيل بعيداً عن مبادرة السلام العربية، كما انسحب من الاتفاق النووي مع إيران وفرض عقوبات مشددة عليها، وطرح "صفقة القرن" التي تضمنت إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح ومقسمة إلى كانتونات، تحت سيطرة أمنية إسرائيلية كاملة، وتنازل الفلسطينيين عن حق العودة، مع ضم إسرائيل للكتل الاستيطانية الرئيسية، وجعل عاصمة الدولة الفلسطينية في أحياء خارج جدار الفصل في القدس.
وتوقع "الشريف" أن تمنح إدارة ترامب الضوء الأخضر لإسرائيل لضم الضفة الغربية أو إعادة طرح "صفقة القرن"، واتخاذ موقف أكثر صرامة تجاه إيران وبرنامجها النووي، وقد يذهب إلى حد الوقوف إلى جانب إسرائيل إذا ما اتخذت قراراً بقصف المنشآت النووية الإيرانية.
نتنياهو يطيح بغالانت
من جانبه كشف الكاتب والمحلل السياسي أنطوان شلحت عن تطورين مفصليين قد يغيران مجرى الحرب الإسرائيلية في غزة ولبنان وتداعياتها على المنطقة، يتمثلان في فوز دونالد ترامب بالرئاسة الأمريكية، وقرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إقالة وزير الدفاع يوآف غالانت.
وفيما يتعلق بإقالة غالانت، أوضح شلحت أن القرار كشف عن أولوية نتنياهو في ضمان بقائه السياسي على حساب المصالح الوطنية، غلب مصالحة الشخصية على المصلحة الوطنية، بسبب غالانت عن الخدمة العسكرية مقابل دعم نتنياهو للمتهربين من التجنيد، وكذا إصرار غالانت على إعادة المخطوفين، مقابل رغبة نتنياهو في إطالة أمد الحرب.
وأشار شلحت إلى أن تعيين يسرائيل كاتس خلفاً لغالانت يمثل تحولاً استراتيجياً، حيث أصبح نتنياهو عملياً وزيراً للدفاع، فيما يتوقع أن يكون كاتس مجرد منفذ لقرارات رئيس الوزراء.
تعزيز التوسع الاستيطاني وإطالة أمد الحرب
ويشير شلحت إلى أن نتنياهو يرى في عودة ترامب فرصة لتعزيز السياسات الإسرائيلية التوسعية، حيث يعتبره حليفاً استراتيجياً، ويأمل في أن يساعده على تخفيف القيود الأمريكية المفروضة على العمليات العسكرية في غزة، وقيادة تحالف أوسع ضد إيران.
ويرى شلحت أن نتنياهو يتجه نحو إطالة أمد الحرب في غزة وتوسيعها إذا لزم الأمر، في محاولة لاستغلال الفرصة السياسية المتمثلة في عودة ترامب إلى البيت الأبيض، ورغبة منه في الحفاظ على منصبه ومصالحه السياسية، حتى لو كان لذلك تداعيات خطيرة على المنطقة بأكملها.
تأثيرات خطيرة على سياسات الاحتلال
أما المحلل السياسي برهوم جرايسي فيرى أن فوز ترامب سيكون له تأثيرات كبيرة على السياسات الإسرائيلية الداخلية والخارجية، حيث يعتقد قادة اليمين المتطرف أن عودة ترامب إلى البيت الأبيض ستمنحهم دعمًا أكبر لتنفيذ سياساتهم الاستيطانية، وهو ما أعلنه صراحة وزير أمن الاحتلال آيتمار بن غفير في الكنيست بأن فوز ترامب سيسهّل عمليات ضم الأراضي الفلسطينية، وإعادة الاستيطان في قطاع غزة، وفرض أحكام الإعدام على الفلسطينيين.
وأشار جرايسي إلى أن الدعم الأميركي لإسرائيل في حربها الحالية على غزة قد لعب دورًا حاسمًا في استمرارها، حيث قدمت دعماً غير مسبوق يقدر بنحو 23 مليار دولار للحرب الإسرائيلي، وهو ما يعادل 70% من حجم الانفاق العسكري الإسرائيلي المباشر.
وقال جرايسي إن هذا الدعم الأميركي كان العامل الرئيسي في تمكين نتنياهو وحكومته من الاستمرار في الحرب وتوسيعها، حيث أن الاقتصاد الإسرائيلي كان سيعاني بشكل كبير دون هذا الدعم، والذي بلغ بالعملة الإسرائيلية 85 مليار شيكل، ولولاها لكانت ستضاف إلى العجز المالي الكبير جدا الذي تعاني منه الخزانة الإسرائيلية.
تتجه إسرائيل إلى توسيع حربها في غزة، مستفيدة من عودة ترامب إلى البيت الأبيض، وتشير التحولات السياسية والعسكرية التي يشهدها المشهد الإسرائيلي إلى استراتيجية نتنياهو في الاستفادة من هذا التحول لتكريس سلطته الداخلية ولتعزيز مشروعه التوسعي في الأراضي الفلسطينية.
ورغم الدعم الأمريكي الكبير الذي من المتوقع أن تحصل عليه إسرائيل في ظل إدارة ترامب الجديدة، إلا أن هذه السياسات قد تؤدي إلى مزيد من التصعيد الإقليمي وتفاقم الأزمة الإنسانية في المنطقة، وهو ما قد تكون له تداعيات بعيدة المدى على الاستقرار الإقليمي والدولي.