مخاوف كبيرة عبر عنها سياسيون ومختصون في الشأن الفلسطيني من عودة الرئيس المنتخب دونالد ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، مشيرين إلى الانحياز الكبير الذي شهدته فترة حكمه السابقة لصالح إسرائيل على حساب الأرض والقضية الفلسطينية. الأمر الذي من شأنه زيادة تعقيد الوضع الحالي ويجعل الحلول السياسية أمراً بعيد المنال، وسيؤدي إلى تدهور الوضع الإنساني والاقتصادي للفلسطينيين حال استمر ترامب في سياساته السابقة.
ترامب والعود ليس أحمد
الكاتب والمحلل السياسي رامي مهداوي أوضح أن فترة رئاسة ترامب السابقة شهدت تبنّي سياسات منحازة لإسرائيل، أبرزها نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، والاعتراف بالمدينة عاصمة لإسرائيل، ووقف الدعم لوكالة "أونروا"، وهو ما يعتبر تهديداً صريحاً للحقوق التاريخية والسياسية الفلسطينية.
"مهداوي" توقع أن يعيد ترامب سياسات الدعم غير المشروط لإسرائيل، وهو ما يعزز من عدوانية رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو في الأراضي الفلسطينية ويزيد من معاناة الفلسطينيين.
كما يشير إلى أن استمرار ترامب في سياساته السابقة سيسهم بشكل كبير في إغلاق الأفق السياسي أمام الفلسطينيين، وسيسهم في تعزيز الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية، مما يعقد أي إمكانية لحل الدولتين.
وطالب "مهداوي" الفلسطينيين والدول العربية باتخاذ مواقف أكثر تنسيقاً وواقعية، واتخاذ خطوات جديدة لاستعادة حقوقهم في مواجهة التحديات القادمة.
كيف تتعامل القيادة الفلسطينية مع إدارة ترامب؟
أما الباحثة الفلسطينية دلال صائب عريقات، فترى أن عودة ترامب إلى رئاسة أمريكا تتطلب من القيادة الفلسطينية اتخاذ مواقف مختلفة عن تلك التي تعاملت بها في الفترة السابقة، منتقدة طريقة تعامل ترامب مع الفلسطينيين واعتبارهم أقلية، واعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل، ومهاجمته المؤسسات الداعمة للفلسطينيين مثل "أونروا".
وترى "عريقات" أن موقف ترامب عزز من المخاوف تجاه استقرار الشعب الفلسطيني وسيادته، خاصة مع تبنيه لصفقة القرن التي جاءت كخطيئة استراتيجية بحسب تعبيرها، بعدما اعتقد أن صفقات الأموال قد تجلب الأمن والاستقرار للمنطقة بتحييد الطرف الفلسطيني من المعادلة.
تقترح "عريقات" أن تكون القيادة الفلسطينية أكثر براغماتية في التعامل مع ترامب، من خلال تشكيل فريق متخصص في السياسة الخارجية يكون قادراً على فتح قنوات اتصال واعية مع الإدارة الأمريكية. كما شددت على ضرورة الوحدة الوطنية والتعاون الداخلي للتعامل بفعالية مع السياسات الأمريكية الجديدة المحتملة، والحفاظ على غزة جزءاً من الدولة الفلسطينية ضمن أي حل سياسي شامل.
خيارات العالم العربي أمام ترامب
أما الكاتب أحمد رفيق عوض، فيرى أن عودة ترامب لا تبشر بالضرورة بإنهاء الحروب في المنطقة إلا على حساب العرب، موضحاً أن الخيارات أمام العرب تتراوح بين الاستسلام أو المواجهة المتعقلة.
ويرى "عوض" أن ضعف النظام العربي قد يجعله عرضة لضغوط ترامب المستمرة مما قد يدفع بعض الدول إلى التكيف الكامل مع سياساته، مشدداً على أن خيار الاستسلام، رغم كونه احتمالاً وارداً، إلا أنه يعرض المنطقة لخسائر كبيرة، خاصة للفلسطينيين، حيث سيؤدي إلى اختفاء حل الدولتين، وكذلك ضم الضفة الغربية أو أجزاء منها، والتهجير القسري والطوعي أو كليهما في القطاع والضفة والقدس، واستمرار الاحتلال بديلاً عن التسوية، وتعميق الانفصال بديلاً عن المصالحة، والبحث عن أجسام وهيئات عملية ومحلية بديلة عن الهيئات الجامعة.
ودعا "عوض" إلى تبني خطة عربية للمواجهة المدروسة المتدرجة، لحل صراعات المنطقة، بعيداً عن الإملاءات الخارجية، مشدداً على أن المنطقة تمر بلحظة اختبار لوقف شلال الدم في غزة ولبنان، وإيجاد حلول واقعية قادرة على حماية الحقوق الفلسطينية.
ترامب.. لا بدَّ مما ليس منه بدّ
الكاتب والسياسي الفلسطيني نبيل عمرو، من جانبه يرى أن ترامب يمثل "ظاهرة" غير مسبوقة في السياسة الأمريكية، حيث أحدث تحولات جذرية في مواقف بلاده تجاه الشرق الأوسط، كما حقق نتائج مهمة لإسرائيل على حساب حقوق الفلسطينيين، مثل الاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان والقدس.
ويرى "عمرو" أن التعامل مع ترامب يجب أن يتم بمنطق المصالح المشتركة، دون المجاملات المجانية، مشدداً على أن الدول العربية لا تزال بحاجة إلى فهم أفضل لطبيعة السياسة الأمريكية، والتعامل مع ترامب على أساس المعادلة "خذ بقدر ما تعطي"، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن ترامب قد يفرض شروطاً أكثر صعوبة على العرب، مما يستوجب تبني مواقف تفاوضية حكيمة قائمة على المصالح العربية المشتركة.
الخلاصة
عودة ترامب تعني استمرار السياسة الأمريكية المنحازة لإسرائيل، مما يعزز عدوانية نتنياهو تجاه الفلسطينيين. الأمر الذي يتطلب من القيادة الفلسطينية والعالم العربي تبني استراتيجيات تتسم بالبراغماتية والوحدة الداخلية، والتحضير لمواجهة أكثر عقلانية مع السياسات الأمريكية، من خلال تشكيل تحالفات إقليمية ذكية والتفاوض بوعي لمواجهة التحديات المتوقعة.