حرب غزة..

"الأزمات الدولية": دخول مسرح المواجهة ومخاوف الوقوع في تقاطع النيران

أثار القصف على قطاع غزة
أثار القصف على قطاع غزة

أصدرت مجموعة الأزمات الدولية تحليل سياسي متعدد ناقش فيه خبراء المؤسسة تأثير حرب غزة على عدة جبهات تشمل ايران ولبنان واليمن ومصر والأردن، جاء فيه التالي:

بعد مضي أكثر من عام على الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، ووسط التهديد بتصعيد كبير بين إيران وإسرائيل، سلط عدد من محللي الأزمات الضوء على آثار الصراع على الحياة السياسية الداخلية والسياسات الخارجية، لعدة بلدان في الشرق الأوسط.

وبحسب القراءة التحليلية للمشهد تعد لبنان ثاني مسارح الحرب بعد قطاع غزة، حيث بدأ حزب الله بإطلاق الصواريخ على القوات الإسرائيلية في منطقة مزارع شبعا المحتلة، وفتح ”جبهة إسناد" لغزة.

وفي بداية سبتمبر 2024، وسَّعت إسرائيل حملتها العسكرية بموجتي هجمات على أجهزة النداء (البيجر) وأجهزة الاتصال الأخرى، ثم تبعتها بغارات جوية على جميع المناطق ذات الأغلبية الشيعية في لبنان، وبهدف معلن هو القضاء على أصول حزب الله من الأسلحة وغيرها، تلاها إصدار جيش الاحتلال تحذيرات لسكان أجزاء من جنوب لبنان كي يبتعدوا إلى شمال نهر الأوّلي، الذي يبعد نحو 60 كم عن الحدود.

ورأى المحللون أن الصراع أبرز مرة أخرى ضعف الحكومة اللبنانية، التي تعمل الآن بصفتها حكومة تصريف أعمال، وقوة حزب الله النسبية، رغم الضربات التي تلقاها وكانت أشدها اغتيال أمين عام الحزب حسن نصر الله.

وقال المحللون إن الإمكانات المالية الضئيلة للدولة اللبنانية، أجبرت المهجَّرين على اللجوء إلى الشبكات غير الرسمية للحصول على الدعم، في حين طالب بعض خصوم حزب الله المحليين أن يسلِّم الحزب أسلحته، ودعوا القوى الأجنبية لمساعدة الجيش اللبناني في تفكيك الحزب.

وأشار المحللون إلى أن عدم رد حزب الله مباشرة وعلى نحو كاسح بعد مقتل نصر الله قد يشير ربما إلى أن الحزب لا يرغب في توسيع الصراع، في حين يرى البعض أن ذلك مؤشر حول إضعاف اسرائيل لقدرات الحزب العسكرية، رغم إعلان الأمين العام المؤقت نعيم قاسم أن حزب الله سيستمر في القتال.

في المقابل تبدو إسرائيل مصممة على استعمال القوة لمنع حزب الله من إطلاق الصواريخ أو القيام بتوغلات برية إلى شمال إسرائيل، حيث يشكل الغزو البري الإسرائيلي، إضافة إلى الغارات الجوية المكثفة، رد حكومة نتنياهو على الضغوط الشعبية التي تتعرض لها لتمكين عودة الإسرائيليين المهجرين إلى الشمال.

ووفقا للتحليل تواجه إسرائيل الآن هدفين عسكريين صعبي التحقق: إجبار حزب الله على الاستسلام أو إضعاف الحزب بشدة بحيث لا يشكل تهديداً، وهو ما يدفع جيشها في الدخول في صراع طويل لا مخرج منه في الأفق.

الساحة الإيرانية

يؤكد التحليل السياسي أن حرب غزة زادت التوترات المباشرة بين إيران وإسرائيل على نحو دراماتيكي، وعمقت التنافس الطويل والمرير الذي كان، في الماضي، ما دفع إيران للمرة الأولى إلى الرد مباشرة بهجوم مباشر كاسح بالصواريخ والمسيّرات على إسرائيل.

وأوضح المحللون أن الحكومة الإيرانية كانت تأمل بأن يردع ردها عمليات إسرائيلية مستقبلية، وهو ما لم يحدث حيث ردت إسرائيل بضربة على نظام دفاع جوي إيراني، ومرة أخرى في أواخر يوليو بهجوم بالمسيّرات أسفر عن استشهاد رئيس حركة حماس أسماعيل هنيّة في طهران.

وأضافوا أن المأزق أصبح أكثر حدة منذ منتصف سبتمبر، عندما بدأت إسرائيل ضرباتها لقيادات حزب الله في لبنان، الذي يشكل أهم حلفاء إيران، ما دفع الأخيرة نحو إعطاء الضوء الأخضر لصلية ثانية من النيران المباشرة على إسرائيل في الأول من أكتوبر.

ورجحت القراءة التحليلية أن تكون طهران قد رأت في الضربات التي تعرَّض لها حزب الله وشركاؤها الآخرون تقليصاً لمصداقيتها كحليف وجعلها تبدو ضعيفة أمام أعدائها، دون أن تستبعد حلقة تصعيدية خطيرة بين اسرائيل وطهران قد تجرَّ الولايات المتحدة وتقوّض استقرار المنطقة أكثر فأكثر.

جبهة اليمن

كشف المحللون عن أن الهجمات التي شنها الحوثيون على السفن الإسرائيلية وغير الإسرائيلية المتجهة إلى الموانئ الإسرائيلية على البحر الأحمر، وفي خليج عدن والمحيط الهندي، ساهمت في تفادي الغضب الشعبي على سوء حكم الحوثيين في المناطق التي يسيطرون عليها، حسب قولهم.

كما سمحت الحملة لهم باستعراض قدراتهم العسكرية ورفعت مكانتهم داخل “المحور“؛ في حين تنظر الولايات المتحدة وحلفاؤها الآن إلى الحوثيين على أنهم أكثر من مجرد مشكلة يمنية، بل مشكلة لا يوجد خيارات كثيرة لحلها.

وأكد محللو الأزمات أن حملة الحوثيين قلّصت على نحو كبير آفاق تحقيق السلام في اليمن إذ جمدت الإعلان المزمع عن تفاهم سياسي مع التحالف الذي تقوده السعودية التي تدخلت لإعادة تنصيب الحكومة اليمنية التي أطيح بها في عام 2015.

ورأى المحللون أن جماعة الحوثي حققت مكاسب كبيرة من حملتها في البحر الأحمر، وفي أعقاب مواجهة مباشرة مع إسرائيل في يوليو، وتوقعوا أن تشن الجماعة المزيد من الهجمات إذا تصاعد الصراع بين إيران وإسرائيل.

على الجانب المصري

أشار المحللون الغربيون إلى أن القاهرة أكثر قلقاً حيال هدف إسرائيل المعلن المتمثل في احتلال محور صلاح الدين "فيلادلفيا" بعد أن دخلت القوات الإسرائيلية إلى المحور في أيار الماضي، وبعد أن اتهمت إسرائيل مصر بعدم تأمين المنطقة بشكل كامل.

وشدد المحللون الغربيون على أن الحرب في غزة تركت آثاراً سلبية كبيرة على الاقتصاد المصري المرهق، وضربت قطاع السياحة بقوة، وقلصت مؤقتاً واردات الغاز من إسرائيل وقطعت تقريباً عائدات قناة السويس، مع قيام الحوثيين بضرب سفن الشحن في البحر الأحمر.

وبحسب القراءة التحليلية تمكنت القاهرة من تحقيق أفضل النتائج من مأزقها، فأقنعت شركاءها الخارجيين بمنحها دعماً مالياً طارئاً، وهكذا تجنبت عدم التمكن من دفع ديونها الكبيرة، رغم المخاوف السابقة من أن مساعدة مصر دون التزام جدي من القاهرة بإجراء إصلاحات اقتصادية سيحدث آثاراً عكسية.

كما استغلت الحكومة المصرية المخاوف الأوروبية من زيادة الهجرة عبر البحر المتوسط وهواجس دول الخليج حيال النظام الإقليمي، للحصول على مساعدات، واستثمارات مباشرة وقروض ميسَّرة.

وفي الأردن تخشى عمان من أنه إذا دفعت حرب غزة الفلسطينيين إلى سيناء، فإن ذلك سيشكل سابقة لإعادة التوطين القسرية لفلسطينيي الضفة في الأردن، مع ما لذلك من تداعيات اقتصادية وسياسية هائلة.

ورغم انتقاد المسؤولون الأردنيون بقوة إدارة إسرائيل للحرب في قطاع غزة، لم يقلّص الأردن تعاونه الاقتصادي، والعسكري والسياسي مع إسرائيل، ما أشعل موجة غضب شعبية.

وأشار المحللون إلى أن المعارضة الشعبية للحرب في غزة كانت كبيرة في الأشهر الثلاثة الأولى، رغم جهود الحكومة الأردنية لقمعها، وخرجت احتجاجات في عدة مدن، بما فيها عمان، رغم أن المتظاهرين تجنبوا تجاوز خطوط المملكة الحُمر بانتقاد النظام الملكي وسياساته الداخلية، ووجهوا غضبهم إلى إسرائيل والولايات المتحدة.

دول الخليج العربية

أما بالنسبة لدول الخليج، فرأى المحللون أن توسّع حرب غزة إلى لبنان وربما إلى أماكن أخرى يزيد مخاطر الوقوع في تقاطع النيران بين الولايات المتحدة وإسرائيل، من جهة، وإيران و“محور المقاومة“، من جهة أخرى.

ولم يستبعد المحللون الغربيون أن تتحول القواعد الأميركية في كل شبه الجزيرة العربية أهدافاً لإيران أو “المحور” إذا اتسع الصراع، بينما يمكن للحوثيين في اليمن العودة إلى الهجمات عبر الحدود على السعودية، أو ضرب الإمارات، كما فعلوا في الماضي.

وأوضحت القراءة التحليلية أن دول الخليج ستبقى قريبة من الولايات المتحدة وتنخرط مع إسرائيل بدرجات متفاوتة، بينما تسعى إلى الحوار مع إيران وشركائها، لتخفيف حدة هذه المخاطر.

المصدر : متابعة-زوايا
atyaf logo