بعد مرور عام على أحداث السابع من أكتوبر، وما تبعها من حرب إسرائيلية على قطاع غزة، يطفو على السطح التساؤل الأبرز، أين يقف الفلسطينيون وقضيتهم اليوم؟.
ورأت الكاتبة سنية الحسيني الباحثة والمختصة بالشأن الفلسطيني والشرق أوسطي أن تبعات كثيرة سلبية وايجابية لحقت بالفلسطينيين وقضيتهم، خلال هذا العام.
وأكدت في مقال لها أن الساحة الفلسطينية تكبدت خلال عام من الحرب خسائر ميدانية بشرية ومادية فادحة جاء جلّها في غزة، في المقابل حصدت القضية الفلسطينية مكاسب سياسية وقانونية دولية مهمة، لم تجن مثلها من قبل.
وبينت الباحثة أن القضية الفلسطينية عاشت أفضل حالاتها على الصعيد السياسي الدولي والقانوني. وعادت لصدارة أحداث العالم، فارضة نفسها ليس فقط في المحافل الدولية، وإنما أيضاً في شوارع أهم العواصم العالمية، بالإضافة إلى ذلك شهدت المحاكم الدولية حراكاً مهماً لصالح الفلسطينيين، سواء كان ذلك في المحكمة الجنائية الدولية، التي قدم مدعيها العام طلباً بإصدار أوامر اعتقال لقادة دولة الاحتلال، أو محكمة العدل الدولية، التي تنظر في قيام الاحتلال بجريمة الإبادة الجماعية.
في المقابل كشفت الحرب الاسرائيلية عن الوجه الحقيقي لحكومة الاحتلال، فبعد أحداث ٧ أكتوبر، أعلن نتنياهو نيّته القضاء على حركة حماس، وتوجه نحو تبديل استراتيجيته في التعامل مع الفلسطينيين، والتي قامت في السنوات الماضية على أساس الحفاظ على بقاء إدارة السلطة للضفة وحكم حماس في غزة، مع بقاء حالة الانقسام الفلسطيني، كما واصل نتنياهو خلال عام من الحرب، تقويضه وإضعافه للسلطة، وسرّع من مشروعه الاستيطاني، وإحكام سيطرته على الضفة.
وعبرت الباحثة عن اعتقادها بأن الاحتلال لا ينوي التخلي عن غزة. بعد أن انتقل إلى المرحلة الثالثة من هجومه عليها، وأحكم سيطرته على حدود القطاع، وأخضعه لحاله من التحكم والحصار، بعمليات محدودة برية، والاعتماد على السلاح الجوي في تنفيذ الأهداف.
وقالت الحسيني إن هذا التطور الميداني يعني خضوع القطاع لحالة استنزاف طويلة المدى، ستكبده مزيداً من الخسائر على كافة المستويات، مشيرة إلى أنه ليس من الضرورة أن ينجح نتنياهو بتحقيق مخططاته تجاه الفلسطينيين، طالما تواصل بقاء أعدائه، وتحشيد قوتهم، لموازنة معادلة الردع في المنطقة.
وتوقعت أن تكون هذه الأيام الأصعب في عمر القضية الفلسطينية، وهي تحتاج من الفلسطينيين إعادة النظر في خلافاتهم الداخلية وعلاقاتهم الإقليمية والدولية، وترتيب أولوياتهم.
الهجوم تجاوز الخطة المرسومة
من جهته قال "وحيد عبد المجيد" مستشار "مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية والسياسية" إن التفسير المحتمل لما حدث في 7 أكتوبر تجاوز الخطة الأصلية التي ربما وُضعت على أساس أن المجموعات المهاجمة ستخوض اشتباكات صعبة مع الفرقة 143 "فاير فوكس" المعروفة بفرقة غزة، وتفقد عددا كبيرا من أفرادها، وأن يعود الباقون ببعض الأسرى لإرغام إسرائيل على عملية تبادل كبيرة.
وأضاف أن لم يكن يتصور واضعو الخطة أسر نحو مائتين وخمسين إسرائيليا، ولكن يبدو أن ما حدث كان أبعد بكثير مما تصوروه ربما لضعف قدرتهم على تحديث المعلومات المتوافرة لديهم عن حجم القوات الإسرائيلية الموجودة في المناطق المُستهدفة بالهجوم ونوعها أولاً بأول، ومن ثم تطوير الخطة بما يتلاءم مع الواقع.
وتابع :"يصعب تصور أن يكون من خططوا للهجوم توقعوا الدمار الشامل الذي لحق بقطاع غزة وتحوله إلى مكان غير قابل للحياة بفعل الرد الإسرائيلي غير المسبوق في تاريخ الصراع منذ 1948. ولعلهم تصوروا أن الحرب التي ستترتب على هذا الهجوم لن تختلف كثيرًا عن سابقاتها في قطاع غزة منذ عام 2009، وأن اختلافها قد يكون كميًا وليس نوعيًا".
وبين "عبد المجيد" أن قيادة حركة "حماس" تمكنت من خداع أجهزة الاستخبارات والأمن الإسرائيلية في الفترة السابقة على الهجوم، عندما أظهرت أنها ليست معنية بمواجهة عسكرية جديدة، وأن تنمية قطاع غزة تمثل أولوية لديها.
وطرح الكاتب تساؤلا حول مستقبل الصراع وما سيكون عليه الوضع في غزة عقب انتهاء الحرب التي اقتربت من دخول عامها الثاني أو ما يُطلق عليه اليوم التالي؟.
زلزال استراتيجي
بدوره شدد الكاتب "نبيل سالم" على أن ما جرى منذ السابع من أكتوبر 2023، أعاد كتابة معادلات الردع على كل الأطراف، وخصوصاً لناحية الزلزال الاستراتيجي الذي هزّ جيش الاحتلال وأسس عقيدته العسكرية.
وأشار إلى أن العقيدة العسكرية الإسرائيلية خلال المواجهات السابقة التي كانت تدور بين جيش الاحتلال والجيوش العربية النظامية، كانت تقوم على توجيه ضربات للجيوش العربية اعتماداً على ما تمتلكه إسرائيل من تفوق جوي وقدرات استخباراتية وعلمية مدعومة من الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة، ولذلك كانت هذه الحروب قصيرة وتنتهي عبر أروقة الأمم المتحدة والقرارات الدولية.
وجدد تأكيده على أن ما جرى على مدار عام حتى الآن زعزع المؤسسات السياسية العسكرية الإسرائيلية بشكل غير مسبوق، وأدى إلى حالة من الارتباك والإخفاق، حاول الجيش الإسرائيلي إخفاءها واستعادة ما يسميه قوة الردع من خلال المجازر التي تطال المدنيين سواء في قطاع غزّة أو في لبنان وغيرهما من الساحات.
وأعرب الكاتب عن اعتقاده في أن المجازر التي ترتكب لن تسهم في ترميم صورة الردع الإسرائيلي، ولن تعيد إلى العقيدة العسكرية الإسرائيلية فاعليتها التي اعتمدت عليها طوال أكثر من خمسة وسبعين عاماً، وإنما ستزيد من عزلة إسرائيل وحكومة بنيامين نتنياهو في العالم وإظهار وجه قوّة الاحتلال الغاشمة، التي تعتمد الإجرام وسيلة لتحقيق أهدافها.