مع قرب مرور عام على الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، واتساع المواجهة العسكرية مع حزب الله في لبنان، حذر كتاب إسرائيليون من انزلاق "اسرائيل" نحو مزيد من الاستبداد ومستقبل أكثر قتامة، ما سيعرضها إلى العزلة الدولية وخسران المزيد من الأصدقاء.
وحذر الكاتبان الإسرائيليان "إيلان بارون"، و"إيلاي سالتزمان" في مقال مشترك من أن هذه العزلة قد تتسبب في اتساع الشروخ والاضطرابات داخل دولة الكيان نفسها، ما لم تنتشل اسرائيل نفسها من حافة الهاوية، عبر إصلاح دستوري وتجديد عملية السلام والالتزام بصورة أفضل بالقانون الدولي.
وأكد الكاتبان أن إسرائيل في طريقها نحو استبداد متزايد ليس في تعاملها مع الفلسطينيين فحسب بل أيضاً في تعاملها مع مواطنيها، مشيران أن إسرائيل تسير على مسار خطر نحو اللاليبرالية والاستبداد وهو ما تفاقم بسبب الصراع في غزة، وعدم الاستقرار السياسي الداخلي، ويهدد نمو الفصائل المتطرفة وميليشيات المستوطنين الديمقراطية والتماسك المجتمعي.
وأوضحا أن إسرائيل كانت تواجه حالة من عدم الاستقرار الداخلي الهائل قبل الهجوم الذي نفذته حركة حماس على مستوطنات غلاف غزة في السابع من اكتوبر قبل نحو عام، حيث سمح النظام الانتخابي في اسرائيل خلال العقود الأخيرة بدخول مزيد من الأحزاب السياسية الهامشية والمتطرفة إلى الكنيست، كما دفع نتنياهو وحلفاؤه المنتمون إلى اليمين في إقرار مشروع قانون لإصلاح القضاء، والذي أثار في حينه احتجاجات ضخمة، وكشف عن مجتمع منقسم بعمق بين أولئك الذين يريدون أن تظل إسرائيل دولة ديمقراطية، والذين يفضلون حكومة يمكنها أن تفعل ما يحلو لها.
وعبر الكاتبان عن اعتقادهما أن تؤدي التحولات الحالية نحو اليمين المتشدد إلى تحول إسرائيل إلى نوع من الثيوقراطية الإثنية القومية، والتي يديرها مجلس قضائي وتشريعي يهودي ومتطرفون دينيون يمينيون، لا تختلف عن الدولة الإيرانية إلا في كونها نسخة يهودية منها، على حد قولهما.
وبين الكاتبان أن الحرب على غزة أدت إلى ظهور إسرائيل مستبدة وغير ليبرالية بالكامل، بعد أن وفرت الحرب للحكومة ذريعة لتقييد الحريات المدنية الاسرائيلية، كما ازداد العنف الذي ترعاه الدولة ضد الفلسطينيين في الضفة، وأصبح ينظر إلى نشطاء السلام الإسرائيليين بصورة متزايدة على أنهم خونة.
كما تنبأ الكاتبان بانهيار سيادة القانون في إسرائيل، وأن يتحول الأمن إلى نظام مجزأ بلا إشراف ولا قيادة موحدة، مع تقويض السيطرة على الاستخدام المشروع للقوة.
ورأى الكاتبان أن الحل يتمثل في انشاء لجنة دستورية مستقلة لمعالجة عدم الاستقرار السياسي، وتوفير أساس متين لمستقبل الديمقراطية الإسرائيلية، كما يتعين على إسرائيل، بحسب الكاتبان الاسرائيليان أن تعمل على فرض سيادة القانون بصورة أفضل سواء داخل إسرائيل أو في الضفة، وعدم التسامح مع العنف الذي يمارسه المستوطنون ضد الفلسطينيين، بالإضافة إلى إضفاء الشرعية على مكانتها في الشرق الأوسط، والاستفادة من المكاسب التي حققتها في اتفاقات أبراهام وتعزيز العلاقات مع السعودية وغيرها من دولة المنطقة.
استراتيجية أمنية جديدة
من جهة أخرى رأى الكاتب الإسرائيلي "أساف أوريون" الباحث في "معهد دراسات الأمن القومي الاسرائيلي، أن إسرائيل بحاجة إلى إعادة التفكير بصورة أكبر في استراتيجيتها الأمنية وإحياء النهج الذي اتبعته في العقود الأولى من وجودها، استعدادا لاندلاع حرب إقليمية شاملة.
وأكد أن هذه الحرب الإقليمية الأوسع قائمة بالفعل، زاعما أن إسرائيل لم تواجه عدواً واحداً بل عدة خصوم في ما أصبح بالفعل إحدى أطول حروب إسرائيل منذ تأسيسها، حسب قوله.
وأوضح أن التحول إلى صراع إقليمي شديد الحدة، يعود إلى الأذهان التهديد الذي واجهته إسرائيل أثناء تأسيسها وخلال العقود الأولى من وجودها. ففي تلك السنوات، خاضت إسرائيل معارك متكررة ضد تحالف من القوى العربية. وكان جيش الاحتلال في ذلك الوقت مبنياً على ما كان يعرف بـ"الاستعداد لجميع الاحتمالات"، والهجوم من عدة جبهات مختلفة في الوقت نفسه.
وأشار الباحث الإسرائيلي إلى أن عقيدة الأمن الإسرائيلي كانت تقوم على الحروب القصيرة على أراضي العدو، وهو نهج يسمح لها بتعزيز قوة ضربتها العسكرية إلى أقصى حد ممكن، مشددا على أن هذا النهج تغير في هذه الحرب متعددة الجبهات، حيث سيتعين على إسرائيل أن تجمع بين كل أدوات القوة الوطنية، السياسية والعسكرية والاقتصادية والتكنولوجية والمعلوماتية والدبلوماسية، مع الحصول على مساعدة حيوية من الحلفاء والشركاء، وإيجاد طرق جديدة للصمود في قتال أطول وأكثر حدة.
وكشف الكاتب أن العقيدة الأمنية غير المعلنة مبنية على ثلاثة ركائز: الردع، والإنذار المبكر، والنصر الحاسم، فيما أضيفت ركيزتان إضافيتان لاحقاً وهما الحماية/ الدفاع، وضرورة السعي إلى الحصول على دعم قوة عظمى، مؤكدا أنه في الحرب الحالية في غزة، أصبح القصور في الإطار الأمني القائم واضحاً، بعد أن فشلت إسرائيل في تطبيق ثلاثة من الركائز الأربع: فقد ثبت أن قوة ردعها لم تكن فعالة، وفشلت أنظمة الإنذار المبكر فيها، وانهار دفاعها البري الضعيف أمام الغزو الواسع النطاق الذي شنته "حماس".
بالإضافة إلى ذلك، اختارت إسرائيل حرباً طويلة بدلاً من حرب قصيرة، وانضم إلى الصراع كثير من الأعداء المدعومين من إيران، بما في ذلك إيران نفسها، وهي قوة إقليمية كبرى.
وقال الكاتب إن اتساع نطاق الحرب وإطالة أمدها يعني أن الافتراضات الأمنية الحالية ستواجه تحديات أكبر. ففي حالة اندلاع حرب إقليمية شاملة، لن تقاتل إسرائيل جيوشاً وميليشيات ترعاها إيران فحسب، بل ستقاتل إيران نفسها، ومثلما استغرق الأمر عدة حروب وعقود لكي تتغلب إسرائيل على تهديد التحالفات العربية، فإن الانتصار على المحور الإيراني سيتطلب صراعاً مطولاً.
وأكد الباحث الإسرائيلي أنه لم يعد بوسع إسرائيل أن تعتمد على القوة العسكرية البحتة وحدها، بل يتعين عليها أن تستخدم كل أدوات القوة الوطنية المختلفة فضلاً عن دعم الحلفاء والشركاء، وربما حتى تكوين تحالف من القوى.
ودعا إسرائيل لأن تدرك حجم التحدي الاستراتيجي الذي تواجهه والنظر إلى الحرب الحالية، والحرب الإقليمية التي قد تليها، في إطار المشروع الأوسع والطويل المدى لإيران الرامي إلى استنزاف إسرائيل وتدميرها.
كما حذر من اتساع الكلفة البشرية، وإلحاق أضرار أكبر بالمراكز السكانية والبنية التحتية الوطنية، بما في ذلك مرافق الطاقة والنفط الحيوية، مضيفا أن جيش الاحتلال سيحتاج إلى 15 كتيبة إضافية للتعامل مع المهام الحالية والمرتقبة.