أمريكا وإسرائيل.. خلاف أم اختلاف؟

بايدن ونتنياهو
بايدن ونتنياهو

لعل من تداعيات الحرب على غزة، تجدد الحديث عن ماهية العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، وإلى أين ستذهب هذه العلاقات ومستقبلها، وهذه نتيجة حتمية من منظور أن الولايات المتحدة كدولة عظمى لها مصالحها التي تفرض عليها الحفاظ عليها لتحتفظ بهذا الدور، خاصة في ظل القضايا الدولية المعقدة وتحولات القوة وصعود الصين ومنافستها القوية للدور الأمريكي وسعيها مع روسيا لإعادة بناء النظام الدولي على أساس التعددية.

وقد أسهمت حرب غزة بشكل كبير في هذه التحولات والتغيرات الدولية والإقليمية، خاصة لجهة إسرائيل، وهي دولة لها مصالحها وأبرزها معضلة الأمن والبقاء واحتلالها للأراضي الفلسطينية ورفضها قيام الدولة الفلسطينية وانعكاس ذلك على السلام في المنطقة الذي تسعى إليه أمريكا، وجاءت الحرب لتكشف عن تغيرات واختلافات في وجهات النظر بين الدولتين تجاه قضايا عدة أهمها شكل اليوم التالى للحرب ومستقبل السلام والدولة الفلسطينية.

بالنسبة إلى قضية العلاقات بين الجانبين فهي ليست جديدة، فمحددات العلاقات، كما نرى، أقوى من أي اختلاف يطرأ على العلاقات، وهذا أمر طبيعي، لذلك، فإن أمريكا دولة لها مصالحها وإسرائيل هي الأخرى لها مصالحها، وقد تقترب أو تبتعد المسافة بين الجانبين لحجم المصالح أو طبيعتها ورؤية كل بلد لهذه المصالح ومدى خدمتها لهذا البلد أو ذاك.

الأساس في هذه العلاقات أن المحددات أقوى من أي اختلاف بدليل المشاركة والدعم المطلق الذي تقدمه الولايات المتحدة الأمريكية لإسرائيل في هذه الحرب عسكرياً ومالياً وتوفير الغطاء الدولي في مجلس الأمن الدولي والمنظمات والمؤسسات العالمية والأممية، كما هي الحال في المحكمة الجنائية الدولية وغيرها من المنظمات، وتبني وجهة نظر إسرائيل في حقها الكامل في الدفاع عن نفسها.

ولعل ما أعاد البحث في هذه العلاقات وفاة الأسير الأمريكي لدى حركة «حماس» في وقت حاسم من الانتخابات التي تشهدها الولايات المتحدة بين المرشحين الجمهوري دونالد ترامب والديمقراطية كامالا هاريس، وهو ما قد يستغل من قبل ترامب الذي يتصيد لأي أخطاء لإدارة بايدن في هذه الحرب. وتأكيداً على عمق هذه العلاقات وصفت صحيفة «جيروزاليم بوست» هذه الخلافات بأنها مجرد مشاجرة عائلية ممتدة، وأنهما مثل الأطفال يرفعان شعارات النصر ويغنيان معاً حبا للأبد، وسلام وئام لا ضغينة بعد اليوم.

وتضيف الصحيفة أن الدولتين تتصرفان مثل زوجين مسنين يؤلف الحب بين قلبيهما، وأن هذا الزواج الكاثوليكي أبدي لا يفرقه إنسان، وأن الرب حاضر في هذه العلاقة، وقد سبق للرئيس جون كيندى عام 1962 أن وصف العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل ب «العلاقات الخاصة»، والتي تستند على المصالح الاستراتيجية والقيم المشتركة، وهو ما يعززه اللوبي اليهودي، الذي يلعب دوراً في السياسة الأمريكية داخلياً وخارجياً.

ومع ذلك، فإن هذه العلاقات تثير تساؤلات كثيرة عن مستقبلها في ظل هذه التقاطعات في مواقف البلدين، فهناك من يرى مثل المؤرخ الفرنسي ماريو ديل يبرو، أن إسرائيل لم تعد تبدو وبشكل متزايد، عامل استقرار بالنسبة للولايات المتحدة، على الرغم من قوة الروابط وخصوصية العلاقات بينهما، وكما يقول، فإن الولايات المتحدة دعمت تاريخياً قيام إسرائيل كدولة عام 1948، على الرغم من تردد الخارجية الأمريكية خشية العلاقات مع العالم العربي.

حرب 1967 شكلت هي الأخرى إحدى المحطات المهمة في مسار العلاقات بين أمريكا وإسرائيل، وتحولت العلاقة إلى حلف خاص، وأصبحت إسرائيل أكبر المستفيدين من المساعدات المالية والعسكرية من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، فيما جعلت الحرب الباردة إسرائيل شريكاً رئيسياً لواشنطن في مواجهة الدول والأنظمة الموالية للاتحاد السوفييتي حينها.

تفسر الشراكة الاستراتيجية السرديات الأيديولوجية التي تؤكد الروابط الحضارية بين الدولتين، والمحور الديمقراطي الذي يرى في إسرائيل أنها واحة الديمقراطية وسط عالم من التخلف السياسي، والمحور الثاني الديني الذي يربط بين الإنجيلية الأمريكية، وأن عودة المسيح مرتبطة بتحقيق أهداف الصهيونية، والمحور السياسي المتمثل في دور «الأيباك»، خصوصاً في الانتخابات كما نرى في الانتخابات الرئاسية الآن، حيث ينظر جزء كبير من المثقفين الديمقراطيين إلى إسرائيل بإعجاب، ما يدعم إسرائيل والحاجة المشتركة بينهما.

حاول عدة رؤساء أمريكيين تغيير شروط هذه العلاقات، لكنها لم تصل إلى المساس بعمق العلاقات وأساسها، والمثال الواضح في إدارة الرئيس جو بايدن، وعلى الرغم من الاختلافات مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لكن بقيت العلاقات فوق أي خلاف.

على الرغم من ذلك، وبحسب رؤية ماريو ديل يبرو، فإن التمسك الأيدولوجي بين الجانبين بدأ ينهار تدريجياً بعد تراجع التعاطف الأمريكي الأبدي لإسرائيل، خاصة بعد ظهور جماعات تنتقد السياسة الإسرائيلية حتى داخل اليهود أنفسهم، وحيث تبرز قضايا الاستيطان ورفض حل الدولتين والعنف والقوة والحرب، أبرز قضايا التباينات بين الجانبين.

وجهة النظر هذه أسهمت فيها حرب غزة وتصريحات نتنياهو والاستمرار في الحرب والتحايل على كل المقترحات الأمريكية ووصلت لذروتها في موقف نتنياهو من التمسك بالبقاء في غزة وعدم الانسحاب من محور فيلادلفيا ورفض قيام دولة فلسطينية، ولا شك أن هذه السياسة من شأنها أن توسع من نطاقات الحرب الإقليمية وتهدد أي إمكانية للسلام.

وتبقى الإشارة إلى أن تطور هذه العلاقات تحكمه متغيرات كثيرة، أهمها المتغير العربي والإسلامي ودور وقوة الفاعل العربي وقدرته على التأثير في مجمل السياسة الأمريكية بتنوع الشراكات الاستراتيجية والربط بين السلام وقيام الدولة الفلسطينية، مع ذلك تبقى خصوصية العلاقات هي الثابت والمحدد في العلاقات بين الدولتين لتضعنا أمام نموذج خاص في العلاقات بين الدول.

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo