تحليل استراتيجي

المصالح والبدائل.. الأهداف الخفية لإسرائيل في محوري فيلادلفيا ونتساريم

خريطة توضح محور فيلادلفيا على الحدود مع مصر
خريطة توضح محور فيلادلفيا على الحدود مع مصر

متابعة: فريق زوايا

رأى تحليل استراتيجي أن تمسك دولة الاحتلال بمحوري فيلادلفيا ونتساريم لا يتعلق بصفقة تبادل الأسرى ووقف القتال في قطاع غزة فحسب، بل بمصالح استراتيجية بعيدة المدى لإسرائيل، لا سيما في تحديد شكل اليوم التالي بعد الحرب.

وبينت الورقة التي أعدها الباحث المتخصص في الشأن الاسرائيلي "مهند مصطفى" أن هناك خلافا يدور في إسرائيل حول مستقبل المحورين، بين التوجه الذي لا يريد البقاء في غزة بعد انتهاء الحرب، والتوجه الذي يهدف إلى البقاء في غزة في شكل من الأشكال، وربما السيطرة على مناطق في القطاع على المدى البعيد، ونقل نموذج الضفة إلى غزة.

وتوقع الباحث أن يواصل رئيس حكومة الاحتلال المماطلة في التوصل إلى اتفاق، حتى موعد الانتخابات الأمريكية في نوفمبر المقبل، وألا تصل المباحثات الحالية بين الوسطاء والوفد الإسرائيلي المفاوض إلى نتائج إيجابية، سيّما بعد أن "ارتاحت" إسرائيل من رد حزب الله في 25 أغسطس، والذي منحها إمكانية استمرار عملياتها العسكرية في غزة، وتدشين عملية أمنية وعسكرية جديدة في الضفة، دون ضغط كبير من الجبهة الشمالية.

وجود عسكري

ورجحت الورقة ألا تتنازل إسرائيل عن وجود عسكري جزئي في محور فيلادلفيا، مع وضع منظومة مراقبة على الحدود تكون شريكة في إدارتها، وتمسُّكها بخيار التدخل العسكري في المحور إذا استدعت الحاجة الأمنية إلى ذلك.

كما استبعدت أن تنسحب إسرائيل من محور نتساريم على مرحلة واحدة بل على مراحل عديدة، حتى تضمن نجاح الآلية التي تطلبها بخصوص منع عودة المسلحين الفلسطينيين إلى الشمال.

وفيما يتعلق بمعبر رفح أشارت الورقة إلى أن "إسرائيل" لا تمانع في الانسحاب منه، بشرط تسليمه إلى إدارة فلسطينية غير مرتبطة بالسلطة و"حماس" أو إلى جهة دولية.

وتمحورت مباحثات القاهرة بين الوفد الإسرائيلي والطرف المصري في 22 أغسطس 2024 حول إمكانية التوصل إلى حل للشروط الإسرائيلية حول السيطرة على محور فيلادلفيا، وإجراءات إدارة معبر رفح.

وظهر الخلاف المصري-الإسرائيلي حول الإصرار الإسرائيلي على بقاء قوات إسرائيلية على معبر فيلادلفيا، في حين تطالب مصر بانسحاب إسرائيلي كامل من المحور.

كما أشارت الورقة إلى الخلاف الذي ظهر بين المؤسسة الأمنية والعسكرية ونتنياهو حول الوجود الإسرائيلي في المحور، حيث تؤكد المؤسسة العسكرية إلى أنها قادرة على تحقيق مصالح إسرائيل الأمنية دون الحاجة إلى الوجود في المحور واحتلال معبر رفح.

مصالح "اسرائيل" من المحور

وبحسب الكاتب فإن هناك مجموعة من المصالح الإسرائيلية في السيطرة على محور فيلادلفيا كما أفاد بها المؤيدون لهذه السيطرة:

أولاً، منع تهريب السلاح إلى قطاع غزة؛ فقد سوّغت إسرائيل احتلالها لمحور فيلادلفيا بأنها تريد منع تهريب السلاح من مصر إلى قطاع غزة، ونشر الجيش الإسرائيلي أنباء عثوره على مجموعة من الأنفاق في المحور التي زعم أنها كانت تُستعمل لعمليات تهريب السلاح.

ثانياً، السيطرة على حدود استراتيجية ذات طابع سيادي للقطاع؛ وتكمن أهميته بأنه يشكل حدوداً دولياً مع دولة سيادية غير إسرائيل، وهو مورد استراتيجي مهم يحدد في النهاية مستقبل قطاع غزة وتطوره، ويقيّد مَن يحكمه.

ثالثاً، تحقيق رمزية النصر في الحرب من طريق احتلال المحور والبقاء فيه؛ فقد ظهرت هذه الرمزية في خلال احتلال معبر رفح في 7 مايو، حين رفع الجنود الإسرائيليين العلم الإسرائيلي على المعبر.

رابعاً، إضعاف حركة حماس؛ إذ تعتقد إسرائيل أن السيطرة على المحور يُضعف "حماس" خلال الحرب وبعدها، فقد مثّل المحور لحماس متنفساً للخارج رغم القيود المفروضة من مصر تحت الأرض (الأنفاق) وفوق الأرض (معبر رفح)، وفقدان المحور هو واحد من مظاهر الانتصار على حماس وإضعافها لاحقاً بصفتها قوة عسكرية وسلطوية.

خامساً، التأثير في تصور اليوم التالي للحرب؛ فالسيطرة الإسرائيلية على المحور سوف يمنح إسرائيل ورقة ضغط في بلورة التصور السياسي لغزة وفق مصالحها ورؤيتها.

البدائل المطروحة

وضمن هذه الأهمية الاستراتيجية تطرقت الورقة إلى الخيارات المطروحة للتسوية في محور فيلادلفيا والتي طرحت بين الأطراف الثلاثة (مصر وإسرائيل والولايات المتحدة) للسيطرة الإسرائيلية الكاملة على محور فيلادلفيا، ومن بينها:

• تشييد جدار تحت الأرض على غرار الجدار المقام على الحدود بين إسرائيل وقطاع غزة. طُرح هذا البديل قبل احتلال المحور، ولكنه يتطلب وقتاً طويلاً لتنفيذه، ويحتاج إلى حالة من الهدوء الأمني لبناء العائق تحت الأرض.

• نصب تكنولوجيات متطورة للرصد والرقابة، ويقصد بهذا البديل تركيب كاميرات مراقبة ومجسات حساسة ترصد عمليات حفر الأنفاق أو التسلل عبر الحدود، حيث تؤيد إسرائيل هذه الفكرة ولا تعارضها مصر مبدئياً.

• بناء أبراج مراقبة؛ فقد طرحت هذه الفكرة في خلال مباحثات القاهرة، حيث اقترح الوفد الإسرائيلي بناء ثمانية أبراج مراقبة على طول محور فيلادلفيا (بما يشبه الوضع على محور "نتساريم")، وفي المقابل اقترحت الولايات المتحدة بناء برجيّن فقط، ورفضت مصر المقترحَين الأمريكي والإسرائيلي.

• نشر قوة دولية؛ ويدور الحديث في إطار هذا البديل على نشر قوات دولية تكون مسؤولة عن تأمين محور فيلادلفيا، وجاء هذا الاقتراح في خلال زيارة وزير الخارجية الأمريكي بلينكن للقاهرة في 20 أغسطس، ويبدو أن مصر رفضت هذا المقترح أيضاً، مُعتبرةً أن الحل هو بالعودة إلى الواقع الذي ساد قبل دخول القوات الإسرائيلية إلى المحور.

وخلصت الورقة إلى أن التمسك الإسرائيلي بشروط السيطرة الإسرائيلية على محور فيلادلفيا سيعني فشل المباحثات الحالية حول وقف إطلاق النار، وأن إسرائيل لن تتراجع عن موقفها ببقاء شكل من أشكال السيطرة الإسرائيلية المباشرة على محور فيلادلفيا ومعبر رفح، ووجود آلية لمنع عودة المسلحين الفلسطينيين إلى شمال القطاع.

 

المصدر : متابعة-زوايا
atyaf logo