فلا هم أطعموهم ولا آمنوهم من خوف

تنقل النازحين في قطاع غزة
تنقل النازحين في قطاع غزة

في جميع الحروب التي خاضتها الدول كانت حياة المواطنين من ناحية الحاجات التموينية الأساسية الدقيق والماء والسكر والملح وغيرها تدخل ضمن الخطط الأولى التي يجب تأمينها قبل الخوض في أي نوع من الخطط العسكرية، لأن التموين هو الركن الأساسي في ضمان عملية استمرار الفعل العسكري من جهة وصمود الناس من الجهة المقابلة.

طيلة الأشهر العشرة من حرب الإبادة التي يشنها جيش العدو الاسرائيلي على قطاع غزة، كان المواطن يصرف من مدخراته ويبيع أشياءه الخاصة من أجل توفير المواد التموينية الأساسية للبقاء على قيد الحياة، آخرها تلك الفتاة الضحية التي كانت ذاهبة لتبيع سماعتها اللاسلكية لتدفع أجرة توصيلها لسائق عربة "كارو" بعد رفض الرجل ذلك وإلحاحها هي ذهبت إلى السوق حيث تم قصفها وهي فيه فماتت حيث روى عنها أحد الركاب الذي نزل عن العَربة قبل القتل بدقائق، فالمواطن هناك هو من يشتري الطعام المُعلب وغير المُعلب والخضروات بعشرات أضعاف ثمنها رغم أن معظم هذه المواد التموينية كانت تأتي على شكل مساعدات خارجية، إلا أن جلها كان يُباع في الأسواق سواء من قبل مواطنين حصلوا عليها بالمجان لكنهم بحاجة إلى المال لشراء أشياء أخرى فيضرون لبيعها، أو تم بيعها من مصادر متعددة وتلك المصادر هي من تقوم على استقبال هذه المساعدات ومن ثم بيعها بطرق ملتوية إلى التجار ومن ثم المواطن العادي المطلوب منه أن يضرب في الرمل ويستخرج الذهب!

المواطن المطحون من قبل الحرب في غزة مطلوب منه بشكلٍ شخصي أن يوفر الطعام لعائلته ويوفر الدواء وبطاريات الإنارة وشحنها بالمال الكثير عبر الأماكن التي تبيع التيار الكهربائي الذي توفرها من الطاقة الشمسية، إضافة إلى شراء خدمة الإنترنت ليعرف من بقي حيًا من أهله، ويبحث عن وجود خريطة إخلاء جديدة نشرها الاحتلال، فالإنترنت هناك حياة أو م موت وليس رفاه أبدًا، ناهيك عن مياه الشرب والمياه العادية التي تستخدم في الاستحمام والتنظيف والجلي.

هذه التفاصيل الصغيرة التي تموت وسط الدماء والقنابل هي حرب كبيرة يخوضها الناس في غزة لم يخضها أحد قبلهم، فالتموين والعلاج هو وظيفة الحكومة وتقوم بتوفيره بالمجان للمواطنين الواقعين تحت الحرب، بل وتعمل على إيصاله لهم للحيلولة دون تعرضهم للخطر، أما في غزة فقد مات الناس وهم ذاهبون لشراء التموين والعلاج وهم في طوابير الخبز والماء، مات الناس هناك بمختلف الأشكال والطرق.

كيف لهذا المجتمع أن يصبر وأن يتحمل دون عمل حقيقي ومصدر رزق يوفر له المال، حتى المال هذا أصبح شحيحًا في غزة وتُفرض عليه العمولات التي تفقده قيمته السوقية من خلال التحويلات المالية التي تحدث بأشكال مختلفة ويتم فرض الرسوم عليها بعمولات تصل إلى 30% . إن الصدمات التي تعرض لها السكان في غزة لا حصر لها، فحرب الإبادة هذه تُشن عليهم بقسوة غير معهودة في التاريخ، فبعد حصار دام 17 عامًا ولا يزال فقد فيه القطاع مقومات البقاء من كهرباء ومصانع وأدوات إنتاج حيث وصلت نسبة الفقر فيه قبل الحرب إلى 70% وأكثر، وفي ظل هذه المعطيات يدخل في حرب غير مستعد لها من ناحية المشافي ولا التموين الغذائي ولا المعابر الحرة التي يستطيع من خلالها إدخال المساعدات أو إسعاف الجرحى الذين تتحول أسمائهم كل ساعة من كشوف المصابين إلى كشوف الشهداء والمبتورين بفعل الحصار وتدمير المعابر.

بالمقابل هناك 150 ألف نازح إسرائيلي يقيمون في الفنادق التي وفرتها لهم حكومة الاحتلال على حسابها الخاص، مع توفير كامل الاحتياجات المادية لهم وصرف ما يعادل 1500 دولار للفرد البالغ ونصف ذلك المبلغ للأطفال، هذا المعطى يضعنا في حقيقة واحدة أننا كشعب فلسطيني في غزة لا توجد أي جهة حكومية أو فصائلية قامت بواجبها تجاه السكان فيه، فكيف لهم بعد ذلك أن يقولوا أنهم يمثلون الناس في غزة أو أنهم مسؤولون عنها بأي شكل من الأشكال وهم من تقاعسوا عن أداء أبسط الواجبات التي تفرضها أبجديات العلاقة بين الحاكم والمحكوم، ولا عذر هنا لأحد، فمن يريد لن يعدم الوسيلة.

أعان الله الناس في غزة فهم تحت القنابل والقتل والتشريد مطلوب منهم أن يوفروا الطعام غير المتوفر، ويشربون الماء غير الموجود، إن هذا المستحيل الذي يفعله أهل غزة دليل إدانة لكل من يدعى تمثيلهم تحت أي ظرف أو صفة، وهو حق لهم بأن يختاروا ممثليهم الذي يرتضونه عبر الاقتراع الحُر، ولا أعظم من قوله تعالى عندما قال في صورة قريش "فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف"

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo