هل تتجرع حماس كأس السم كما فعل الخميني؟!

قيادة حركة حماس مع الخميني
قيادة حركة حماس مع الخميني

تعتقد حركة حماس أنها تُفاوض على أرضية ما قبل السابع من أكتوبر، بل وتفرض الشروط الخاصة التي ترجوا منها العودة إلى ما قبل ذلك التاريخ وهي فعليًا لم تعد تسيطر على ما كانت تمتلك في السابق من أرض ونظام شبه حكومي ومعابر وغيرها، لهذا منطلقات حماس التفاوضية غير منطقية.

المفاوضات في بنائها الأساسي تعتمد على امتلاك كل طرف لأوراق القوة الحقيقية وقدرته على تحقيق أهدافه من خلالها، الأمر ليس له علاقة لا بشرعية مقاومة ولا أهداف خاصة مرجوة ولا أي شيء إلا أوراق القوة، وحركة حماس فعليًا لا تملك أي ورقة قوة تؤهلها لفرض الشروط، وبخصوص الأسرى هذه ورقة ضغط تم تفريغها إسرائيليا من مضمونها وتم تجاوزها وما بقي منها يتم استغلاله من أجل تحقيق المزيد من النتائج على الأرض وما "المفاوضات" الآن إلا طريقة من أجل الإلهاء وكسب مزيدًا من الوقت، وحماس لم يعد لديها ترف الاختيار لأنها فعليًا لم تعد تمتلك أوراق قوة حقيقة يمكن لها أن تؤثر على قدرة الدبابات الإسرائيلية من التوغل والاحتلال بشكل حقيقي وما العمليات الفردية البطولية التي تحصل سوى نهايات للرجال الشجعان الذين لم يترك لهم أي فرصة أخرى سوى اطلاق النار حتى الاستشهاد، وإذا كانت حماس تراهن على عمليات الاستنزاف هذه، فسوف تتحول إلى عمليات استنزاف للشعب المنهك الذي يبحث عن طعامه وشرابه وتطبيب ما يزيد عن 100 ألف جريح ومعطوب، فحرب الاستنزاف يجب أن يكون لها ظهر شعبي يستطيع المواصلة والصمود والبناء التراكمي، وهذا ما تمتلكه إسرائيل والتي يمكنها لخوض حرب استنزاف ضددنا نحن المستنزفون أصلًا.

ما الحل؟!

هذا سؤال كبير، يجب على حركة حماس ومكتبها السياسي الإجابة عليه، فهي من بادرت بشكل فردي- دون مشاورة أحد حتى أقرب حلفائها العسكريين مثل الجهاد الإسلامي فما بالك بالشعب الذي تخاض ضده حرب الإبادة- إلى تنفيذ عملية السابع من أكتوبر بوصفها (حرب تحرير) ولمن يخوض الحرب ويحددها يجب أن يكون قد بنى موقفه على خطط استراتيجية وتحالفات تمكنه من المناورة للخروج منها تحت أي ظرف كان، بغض النظر عن أي مفاهيم عاطفية فالسياسة والحرب لا عواطف فيها بل قوة وقدرة وتحالفات، ولا أعتقد - بحكم التجربة والواقع- أن حركة حماس لا تمتلك رؤية منطقية للخروج من هذه الحرب إلا بانتظار ما تقرره إسرائيل ومن ثم تخرج بعدها لتعلن الانتصار بغض النظر عن حجم الخسائر المهولة التي ستحدث حينها في قطاع غزة، لأن الحركة لن تفنى بالطبع، وستعتبر ذلك انتصار بحد ذاته، وقتها ستكون إسرائيل قد أخذت الوقت الكافي لتنفيذ خطتها.

للأسف ستبقى حركة حماس تدور في المتاهة التي صنعتها لها إسرائيل وأسمتها مفاوضات تمامًا مثل متاهة "اوسلو" سيئة السمعة وما تبعها من مفاوضات لأجل المفاوضات ومن خلالها تكمل إسرائيل خطتها، حتى فكرة الاستسلام التام لم تعد ذات جدوى وهي بالمناسبة غير مطروحة لدى حركة حماس ليس لصورتها أما الشعب وظهورها بمظهر المستسلم المهزوم، بل من أجل بقائها كحركة في المشهد السياسي وكل مطالبها التفاوضية تتمثل في كيفية الحفاظ على بقاء الحركة وعودتها لحكم قطاع غزة، وإسرائيل تعي ذلك لهذا تستثمر المفاوضات جيدًا من أجل الإمعان في القتل وتغيير ديمغرافيا قطاع غزة كله، وهنا بالمناسبة الاستسلام لا يعني نهاية المعركة، بل اعتراف بفشل الخيار والرهان الذي اعتمدته حماس وهو الجهد الحربي، وليس المقاومة، وسوف أوضح الفرق بين المصطلحين بعد سطور قليلة.

فهل ستتجرع حماس السم كما تجرعه الخميني عندما شبه وقف الحرب مع العراق بتجرع كأس من السم، فهل تتجرع حماس كأس السم كما فعل الخميني.

سؤال يدور في عقلك الآن "هل لو استسلمت حماس ستوقف إسرائيل الحرب؟!

ما حازته إسرائيل في هذه الحرب لن تتخلى عنه بهذه السهولة، وبما أنها قوة احتلال فسوف تبقي على تعاملها الدموي مع الشعب، ولنعترف بحقيقة أن إسرائيل طوال تاريخها لم تقتلنا بهذا الشكل أبدًا حتى في نكبة 1948 لم يكن القتل والتدمير بهذه الفظاعة، ونحن أيضًا لم نتوقف عن مقاومتها، لكن المقاومة التي أريدها هي المقاومة التي أستطيع تحمل كلفتها وتستنزف العدو بحيث تدفعه للتراجع عن مكتسباته التي حققها بسرعة وبغطاء دولي تحت حجة الانتقام من هجوم أكتوبر، حيث يكون لهذه المقاومة الأثر الأعظم في إيلام العدو، فإن توقف آلة القتل وحقن الدم والخروج بأقل الخسائر يجب أن يكون الأولوية الأولى، وأن استشهاد فرد واحد في اليوم لا يتساوى مع قتل 500 باليوم، أظن الفرق واضح والمثال قاسي، لكن سؤالك الذي يدور في رأسك دفعني لهذا المنطق، ولكي تتضح الصورة أكثر، إن كان سيقتلني فليقتل عشرة في الشهر ولا يقتل 500 في اليوم، المهم هو بقاء القدرة على مقاومته والقدرة هنا لا تتمثل في بقاء حركة سياسية تبلغ من العمر 37 عام بل في بقاء الشعب ومقدراته وتعزيزها بحيث يتغلب على الخسائر التي تحدث في طريق التحرير، فطريقنا ليس معركة واحدة وينتهي الأمرـ بل هي جولات طويلة سبقت وجود حركة حماس وستتلوها أيضَا، فحماس أو غيرها لم يخترع أحدهم المقاومة، فالقضية هي من خلقتهم وستخلق غيرهم طالما بقي احتلال فسوف تبقى المقاومة، أما المطلوب الآن فهو الخروج من هذه المواجهة بأي شكل حتى ولو باستسلام حركة حماس والخروج من المشهد، وبإمكانها العودة له في سنوات قادمة المهم الآن الحفاظ على الشعب من عملية الإبادة المتحققة وتُعلي مصلحة الشعب والقضية على مصلحة الحركة.

حماس ورطت نفسها في مواجهة غير متكافئة فلا داعي لإنكار ذلك، أو الهروب من مواجهته بحجة شرعية المقاومة، لا أحد يختلف على نهج المقاومة كسبيل وحيد للتحرير لكن الخلاف على الأساليب والغايات، لذا يجب علينا أن نعلوا بصوت الانتقاد لتصحيح حركة النضال الفلسطيني التي تفتقد للانتقاد الحقيقي، والبحث في الخروج من هذا الظرف المميت بأي ثمن للحفاظ على أرواح الناس وتدعيم بقائهم ومنع تهجيرهم القسري بتدمير قطاع غزة وجعله منطقة غير قابلة للحياة، ولا أظن أن استسلام حماس وإعلانها الخروج من المشهد السياسي ثمن كبير من أجل ذلك الهدف، على الأقل في هذه المرحلة الحساسة التي نفتقد فيها بالتجربة إلى أي أحلاف حقيقين مؤثرين في سير المعركة.

سؤال آخر يدور في رأسك "أنتا ضد المقاومة، لكنك تقولها بشكل ملتوي، وتكره حماس، أي تكره المقاومة!

ليت الأمر متوقف على الأماني والحب والكره، لكننا في حرب إبادة تعتمد في الأساس على القوة والقدرات والتحالفات .. المهم لندخل في صلب الموضوع.

حماس ليست هي المقاومة (أرجوك لا تنصدم)  المقاومة موجود في فلسطين قبل صدور وعد بلفور عام 1917 أما حماس فهي حركة أقيمت عام 1987 تتبنى فكرة العمل المسلح لتحرير فلسطين، ولا مانع لديها من إقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران عام 1967 كما أوضحت في وثيقة السياسات والمبادئ العاملة للحركة عام 2017 وقد شاركت في انتخابات المجلس التشريعي المنبثق عن اتفاقية أوسلو وشكلت الحكومة العاشرة برئاسة السيد اسماعيل هنية وبتكليف من رئيس السلطة الفلسطينية السيد محمود عباس.

لقد خاضت حركة حماس في السابع من أكتوبر عمل يصنف كعمل حربي وليس كعمل مقاومة، والفرق كبير جدًا، فما جرى في أكتوبر هو عمل حربي تم التجهيز الإعلامي له منذ سنوات بحيث صبغت حماس قدراتها العسكرية بصبغة الجيوش التي تمتلك المقومات القادرة على الصد والتوغل وهو غير صحيح على الأرض، فأنا ابن غزة وأعرف تمامًا ما يجري فيها، ولست متابع جديد للحالة العسكرية والسياسية كما هو الحال مع الكثيرين ممن يفترضون فينا نبذ المقاومة، وهؤلاء بالمناسبة أشخاص وطنينين لكنهم مفتونين بالمقاومة كحالة واجبة ضد الاحتلال لكنهم لا يحاولون تشريح المفهوم وفهمه بالشكل العقلاني التفصيلي وليس العاطفي الشامل، لهذا لنفصل الأمر معًا.

في بداية انتفاضة الأقصى انتهجت حركة حماس سياسة العمليات الاستشهادية كأسلوب مقاومة ضد المحتل، وقد توقف هذا النهج منذ عام 2005، بعد أن أدى إلى انهيار مفاوضات السلام التي كانت تجريها السلطة الفلسطينية والمرحوم ياسر عرفات، وهناك من أيد هذه الطريقة وهناك من رفضها، وقتها قال الكثيرين أن هذه الطريقة غير موفقة وتضعف الموقف الفلسطيني، فاتهمهم البعض بأنهم ضد المقاومة، وأما وقد تخلت حماس عن القيام بالعمليات الاستشهادية بعد انهيار المفاوضات واجتياح الضفة الغربية ونجاحها في الانتخابات التشريعية حيث أصبحت هذه العمليات تشكل خطرًا على وجود الحركية السياسي وعلى حياة قيادتها على وجه الخصوص من الاغتيال، وهو ما استدعى توقف الحركة عن القيام بهذه العمليات حتى الآن، فهل نقول أن الحركة توقفت عن المقاومة؟ أو أنها توقفت عن إحدى طرق المقاومة كي تحافظ على نفسها وقيادتها ومشوارها السياسي الجديد.

هذا المثال يمكن لك أن تستخدمه للقياس والجواب على اتهامك لمن يرفض عملية السابع من أكتوبر وما تلاها من أساليب لإدارة المعركة والتفاوض، ولا يرفض المقاومة كنهج واستراتيجية للتحرير.

نعود إلى قدرات حماس العسكرية، هي قدرات متواضعة تم الترويج لها اعلاميًا بحيث شعر المواطن العربي أنه أمام قوة عسكرية تمتلك ما يؤهلها لهزيمة إسرائيل من خلال ما شاهدت من فيديوهات وعروض عسكرية وخطب تم الإعلان فيها عن قدرة حماس على تصنيع وتصدير الصواريخ، ولو كنتُ أنا في مكان أحد المتابعين من خارج فلسطين لفُتنت بالأمر، فقد عملت حماس من خلال منظومة إعلامية محلية ودولية على تصدير نفسها اعلاميًا بأنها جيش بكامل العتاد والعدة وعملت على تسمية مجموعاتها بألقاب تنطبق على الجيوش مثل: سلاح الجو وسلاح المدفعية وسلاح البحرية وسلاح الصواريخ وقوات برية وكل المسميات سالفة الذكر هي مسميات لا يوجد لها أصل على الأرض فلا سلاح الجو يمتلك طائرة حربية ولا سلاح المدفعية يمتلك دبابة ولا سلاح البحرية يمتلك زورق حربي بل كانت مجرد مسميات إعلامية بحتة تم تضخيمها بشكل يدعو للتساؤل!

ما سبق كان تعريف للجهد الحربي أما المقاومة فهي عمل شعبي مسلح كان أو غير مسلح (أنا من أنصار ومؤيدي الكفاح المسلح) يُشارك فيه كل أفراد الشعب كلٌ حسب استطاعته ويمكن لفئات الشعب أن تتحمل كلفتها ولا يدفع بجيش الاحتلال لاستخدام كامل قوته التدميرية الحربية في مواجهة مقاومة الشعب المنظمة في حركات وتنظيمات تعيش في الواقع وليس في وهم التضخيم الإعلامي، عكس ما هو جاري الآن من استعمال القوة الحربية لمواجهة جيش إعلامي غير موجود إلا في قواميس المحللين العسكريين أمثال الميجر الدويري، مما رفع الكلفة علينا وجعلنا في حيرة نفكر كيف لنا أن نخرج من هذه الورطة، إن ما يجري اليوم من مهاجمة البعض لمنتقدي تصرفات حماس ( عسكريًا وسياسيًا وحكوميًا) هو نتاج افتتان بمفهوم المقاومة، لكن ما جرى من حماس هو جهد حربي لم يأخذ العواقب بالحسبان لذا لم نتحمل كلفته وتبعاته على مختلف الأصعدة، هذا الخلط هو من أوقع البعض في التصنيف والوصم والسبب هو الخلط بين المقاومة كنهج غير خاضع للنقاش، وكأساليب وطرق للمقاومة قد تصلح في أزمان وقد لا تصلح في غيرها.

أخيرًا وللأمانة التي سنحاسب عليها أما الله والتاريخ، ننصح حماس قائلين أنه ليس أمامها (والوقت ينفذ وما يمكن اليوم لن يكون ممكنًا غدًا)  إلا الاعتراف بالأمر الواقع لحفظ ما تبقى من مقدرات بشرية ومادية لديها ولدى الناس ليستطيع الشعب في قطاع غزة مواصلة الصمود والمقاومة المؤثرة المبنية على الواقع والقدرات والاعتراف أنها وقعت في الفخ والظن بأنها جيش والرجوع إلى المنطق الذي يقول أننا شعب مُحتل نستطيع مقاومة احتلال إسرائيل ولا نستطيع محاربتها، لأننا ببساطة لا نمتلك الدبابات والطائرات والملاجئ والتموين، ونمتلك العزيمة والأبطال الفدائيين لكن هؤلاء بدون أدوات لا يمكن لهم إلا أن يشكلوا نماذج بطولية محكوم عليها بالموت، لهذا الاعتراف بالواقعية والتعامل حسب أدوات القوة المتوفرة أفضل بكثير من التمسك بحبال من رمال سنغرق فيها لسنوات طويلة يمكن لنا لو فكرنا بطريقة أكثر وطنية أن نستغلها في البناء عليها، فالبناء من الطابق الأول، أسهل من البناء من تحت الصفر بآلاف الأمتار والجثث.

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo