أسئلة وتحفظات يثيرهما مشروع الميناء الأميركي العائم في غزة

مشروع الميناء الامريكي
مشروع الميناء الامريكي

أثار المشروع  الذي اقترحه الرئيس الأميركي جو بايدن في السابع من آذار/مارس الجاري، في خطابه أمام الكونغرس عن حالة الاتحاد، والقاضي بإنشاء ميناء عائم على ساحل مدينة غزة، لتسهيل "إيصال الغذاء والماء والدواء والمأوى المؤقت" إلى سكان القطاع، الكثير من الأسئلة والتحفظات التي تمحورت حول جدوى هذا المشروع، ومن هي الجهات التي ستتحمل مسؤولية توزيع المساعدات على الأرض، وما هي الأهداف التي تكمن وراءه...إلخ.

ما جدوى هذا الميناء؟

تركّزت الانتقادات التي طالت جدوى هذا المشروع على الوقت الطويل لتنفيذه، وعلى تكلفته الكبيرة، وعلى الصعوبات اللوجستية التي تواجهه، وعلى مسألة توزيع المساعدات وضمان أمنها.

 فبينما يعاني الغزيون اليوم، وخصوصاً في شمال القطاع، من مخاطر مجاعة واسعة النطاق، أودت حتى الآن بحياة 21 طفلاً رضيعاً في مراكز العناية المركزة في بعض المستشفيات التي تزال تعمل بصعوبة، ويحتاجون إلى مساعدات فورية، تشير التقديرات إلى أن وضع هذا الميناء في الخدمة سيحتاج إلى شهرين على الأقل، ويمكن أن تصل تكلفة إقامة بناه التحتية، وفقاً لدبلوماسيين غربيين مطلعين على المشروع، إلى عشرات الملايين من الدولارات. كما أن العمق الضحل للمياه الساحلية في غزة يمكن أن يشكل مشكلة بالنسبة للسفن الكبيرة اللازمة لنقل المساعدات. ولم تًحل بعد مسألة من سيكون المسؤول عن إدارة وأمن عمليات التوزيع في الميناء. بيد أن الأهم من كل هذا هو أن المساعدات التي ستصل إلى ميناء لارنكا القبرصي ستخضع، قبل نقلها إلى قطاع غزة، للسيطرة الإسرائيلية، وستتعرض بالتالي لتفتيش صارم من قبل الإسرائيليين الذين اعتادوا، وفقاً للمنظمات الإنسانية، تأخير وتيرة التسليم، ناهيك عن أن إيصال المساعدات عن طريق البحر لن يحل مشكلة رئيسية، وهي عدم قدرة الشاحنات على تسليم بضائعها، ومن ثم توزيعها،  في ظل كثافة القصف الإسرائيلي والقتال البري المستمرين.   

إنه "ستار من دخان" ومشروع "عبثي"

شكك خبراء كثيرون في جدوى هذا المشروع، ومن ضمنهم لوسيل ماربو، مساعدة المسؤولة عن الاتصالات في اللجنة الدولية للصليب الأحمر، التي أعربت، في البدء، عن أسفها لأن المساعدات الإنسانية، "الخاضعة للضوء الأخضر من إسرائيل، لا تصل حالياً إلا بكميات قليلة إلى القطاع الفلسطيني"، ثم شدّدت على "أنه أثناء انتظار إنشاء ميناء مؤقت في غزة، من الضروري أن تصل المساعدات على نطاق واسع عن طريق البر، ومن الضروري أيضاً أن تتمكن المنظمات من العمل على ضمان التوزيع الآمن لها"[2]. أما أفريل بينوا، المدير التنفيذي لمنظمة أطباء بلا حدود في الولايات المتحدة، فقد اعتبر أن "المشروع الأمريكي المتمثل في إنشاء رصيف مؤقت في غزة لزيادة تدفق المساعدات الإنسانية  ليس سوى ستار من دخان"، وهو "يحجب المشكلة الحقيقية، المتمثلة في قصف الجيش الإسرائيلي العشوائي وغير المتناسب وحصاره العقابي" المفروض على القطاع، مقدّراً "أن الغذاء والماء والإمدادات الطبية التي يحتاجها سكان غزة بشدة موجودة عبر الحدود مباشرة، ويجب على إسرائيل أن تسهل هذه الإمدادات بدلاً من منعها، وهذه ليست مشكلة لوجستية، بل مشكلة سياسية"، وأن على الولايات المتحدة "الإصرار على وصول المساعدات الإنسانية بصورة فورية باستخدام الطرق ونقاط الدخول الموجودة بالفعل"، ويتوجب عليها –كما تابع- أن تدعو إلى وقف فوري ودائم لإطلاق النار، لأنه "السبيل الوحيد لضمان زيادة حقيقية في المساعدات الطارئة". بينما قال مايكل فخري، أستاذ القانون اللبناني الكندي  وخبير مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في مجال الأمن الغذائي العالمي، للصحافة في جنيف، إن إسرائيل "تدمر النظام الغذائي في غزة كجزء من حملة تجويع واسعة"، ووصف سياسة المساعدات الأميركية بأنها "عبثية، طالما استمرت المساعدات العسكرية لإسرائيل"

من سيقوم بتوزيع المساعدات التي ستصل عبر هذا الميناء؟

رحبت حكومة الحرب الإسرائيلية، التي تسعى إلى القضاء على سلطة حركة "حماس" المدنية في قطاع غزة وإضعاف علاقاتها بحاضنتها الشعبية، بمشروع الميناء العائم مقدّرة أنه سيمنع حركة "حماس" من "التحكم" في توزيع المساعدات الإنسانية على سكان القطاع. فبحسب المحلل الإسرائيلي رون بن يشاي سيضمن "وجود رصيف أمام الشواطئ الشمالية للقطاع، حيث تسيطر إسرائيل، وصول المساعدات مباشرة إلى منظمات الغوث العالمية داخل القطاع، من دون وساطة حماس"، بينما صرّح الناطق بلسان البنتاغون، الجنرال باتريك رايدر، إلى وسائل الإعلام يوم الجمعة في 8 آذار/مارس الجاري، أن الولايات المتحدة "تُجري محادثات مع منظمات غير حكومية، ومع جماعات الإغاثة والأمم المتحدة بشأن كيفية تسليم المساعدات، بيد أن منظمات الإغاثة الدولية هذه ستبقى تواجه المشكلة العويصة، التي تواجهها حالياً، بشأن ضمان التوزيع الآمن للمساعدات، وذلك طالما بقيت إسرائيل مستمرة في حربها الوحشية على القطاع وسكانه، وطالما لم تقم الإدارة الأميركية بإجبار حليفتها على قبول وقف فوري ودائم لإطلاق النار.

ماهي الأهداف الحقيقية الكامنة وراء هذا المشروع؟

تسبب موقف الرئيس جو بايدن من الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة، ودعمه غير المحدود لها عسكرياً وسياسياً، في خسارته تأييد قسم كبير من ناخبيه، وهو على أبواب حملة انتخابية لولاية رئاسية ثانية، فاقترح مشروع إنشاء الميناء العائم في غزة "بغية التجاوب  قبل كل شيء، بينما تقترب الانتخابات في الولايات المتحدة، مع  الضغوط الداخلية التي يمارسها جزء من الشعب الأميركي" عليه، كما قدّر الخبير القانوني مايكل فخري. بينما رأى المحلل الإسرائيلي رون بن يشاي أن إدارة جو بايدن "في حاجة ماسة إلى إرضاء ناخبي الحزب الديمقراطي والمسلمين والداعمين للفلسطينيين، وتريد أن تُظهر لهم أن الولايات المتحدة تُدخل مساعدات إلى القطاع على الرغم من معارضة التيار القومي المتطرف في الحكومة الإسرائيلية؛ وبهذه الطريقة، ستتحسن صورة بايدن في أنظار الناخبين الشبان من التيار التقدمي في حزبه، والذين يهددون بعدم التصويت للرئيس الديمقراطي، بيد أن محللين آخرين ذهبوا في تحليلهم للأهداف الكامنة وراء مشروع الميناء هذا إلى أبعد من ذلك، وذلك عندما قدّر بعضهم "أن الأميركيين يأتون لتقديم المساعدة لسكان غزة (وهم كذلك في الواقع)، ولكن في الحقيقة، هم قبل كل شيء يأتون ليقدموا لإسرائيل القدرة على إغلاق الحدود مع مصر بصورة كاملة"، وهو الهدف الذي يرمي إليه الإسرائيليون الذين يسعون إلى "عزل غزة عن حدودها المصرية"، بحيث "تفقد حماس طريق إمدادها، وفضلاً عن ذلك، يمكن أن يسمح إغلاق الحدود مع مصر للإدارة الأميركية بالضغط على حكومة الحرب الإسرائيلية كي لا تقدم على توسيع حملة الجيش الإسرائيلي البرية لتشمل منطقة رفح قبل وضع خطة واضحة لإجلاء المدنيين الفلسطينييين عنها. بينما أشار بعضهم الآخر إلى أن "ما يستخدم لنقل الغذاء والدواء ومعدات الطوارئ يمكن استخدامه أيضاً، في حالات أخرى، لنقل القوات أو المركبات المدرعة"[9]. وبرزت كذلك آراء تحذر من أن يكون من ضمن أهداف بناء هذا الميناء تسهيل "الهجرة الطوعية" لسكان القطاع، وهو الهدف الذي يطمح إلى تحقيقه عدد من الوزراء في حكومة بنيامين نتنياهو.

إدارة جو بايدن تتهرب من مواجهة السؤال الرئيسي

اعتبر عدد من مسؤولي منظمات الإغاثة الدولية أن الرئيس جو بايدن يركّز على موضوع المساعدات الإنسانية إلى سكان قطاع غزة، التي يريد توصيلها مرة عن طريق الجو وأخرى عن طريق البحر، كي يشتت الانتباه ويتجنب مواجهة السؤال الوحيد المهم اليوم وهو: كيف يمكن وقف هذه الحرب التدميرية التي تشنها إسرائيل؟.

فمئات الآلاف من الناخبين الديمقراطيين، الذين قد يقضون على فرص إعادة انتخابه في تشرين الثاني/نوفمبر القادم، يريدون من جو بايدن، في المقام الأول، أن يوقف دعمه غير المشروط لاستمرار هذه الحرب، وهو ما عبّر عنه المتظاهرون المناهضون للحرب الذين اعترضوا موكبه وهو في طريقه لإلقاء خطابه أمام الكونغرس، ورفعوا لافتات داخل قاعة الكونغرس تؤكد أن "إرث بايدن هو الإبادة الجماعية"، وتدعو إلى "وقف دائم لإطلاق النار"، وتطالب بـ "وقف إرسال القنابل" إلى إسرائيل.

فالإدارة الأميركية، وعوضاً عن أن تنفق المال والجهد للتحايل على حصار تفرضه دولة يفترض أنها أقرب حلفائها في المنطقة، يمكنها ببساطة أن "تكبح جماح إسرائيل"، وتفرض عليها وقف هذه الحرب، التي أفقدت الولايات المتحدة "مصداقيتها" في العالم، وجعلت "من الصعب التمييز بينها وبين الدول التي ترفض القانون الدولي بصورة قاطعة"، وهو ما "يعطي ذخيرة لأولئك الذين يزعمون أنه عندما يتعلق بفرض المبادئ الأميركية الأساسية وحماية حقوق الإنسان الأساسية، تطبق واشنطن معايير مزدوجة واضحة، ومنافقة بصورة صارخة"، كما كتبت سارة ياجر كبيرة مستشاري حقوق الإنسان في هيئة الأركان المشتركة لوزارة الدفاع الأميركية بين سنتَي 2016 و 2018

المصدر : مؤسسة الدراسات الفلسطينية
atyaf logo