فكرة نتنياهو وتنفيذ بايدن

ميناء غزة الأمريكي.. وحقيقة ترتيبات اليوم التالي

سفينة امريكية في الميناء الامريكي
سفينة امريكية في الميناء الامريكي

"الفخ" او "الخطة الخبيثة" او "الرقص على العظام" هي من بين العديد من التوصيفات التي أٌطلقت على المقترح الأمريكي بإنشاء رصيف بحري عائم مؤقت قبالة سواحل غزة لاستقبال تدفق المساعدات الإنسانية القادمة الى السكان المحاصرين بعد تفشي المجاعة في صفوفهم بسبب حرب الإبادة التي تشنها دولة الاحتلال بعدما أخفق المجتمع الدولي في اقناع تل ابيب بادخال المساعدات عبر الممرات البرية

مما دفع عدد من الدول اللجوء الى القاء المساعدات جوا ليخرج أخيرا مقترح انشاء ميناء عائم الى العلن لكن هذه المرة مع الرضى الاسرائيلي رغم الاتهامات التي اشارت بوضوح الى تعطيل اسرائيل ادخال المساعدات برا الى غزة

الرضى الإسرائيلي دفع بالشكوك قدما حيال الهدف من هذه الفكرة والمخاطر الأمنية والسياسية التي تنطوي عليها والتي تعني بحسب المراقبين ضوء اخضر باستمرار العدوان وتتيح لإسرائيل المضي في تحقيق اهداف الحرب التي لم تقوى على تحقيقها الى الان المتعلقة بتهجير السكان بالإضافة الى احكام الحصار والسيطرة الامينة من خلال اليات التحكم في حجم وطبيعة هذه المساعدات والتي ستحملها السفن والتي

المساعدات سيجري تفيشها في قبرص اليونانية الواقعة على مسافة نحو 380 كيلومترا من غزة، قبل وصولها الى القطاع دون اشراف فلسطيني رسمي مما يعني هو الاخر في صورته غياب إدارة سياسية بما ينطوى عليه هذا المفهوم من مخاطر تتعلق باليوم التالي للحرب

خطة انشاء الميناء

الميناء الجديد يحيطه الغموض في كل تفاصيله خاصة فيما يتعلق بمكانه المقترح وأسلوب ادارته وقدرته التشغيلية لا يتوفر من المعلومات عنه سوى ما أخبر الأمريكي كما جاء على لسان المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) باتريك رايدر بأن الجيش الأمريكي سينشئ رصيفا بحريا عائما قبالة سواحل غزة لتمكين سفن الشحن الضخمة من الرسو فيه وتفريغ بضائعها في قوارب أصغر تنقل هذه المساعدات إلى جسر بحري يتم ربطه بشاطئ غزة مضيفا: أن عملية بناء الميناء والرصيف "ستتطلب أكثر من 1000 جندي أمريكي" و"ما يصل إلى 60 يوما".

الميناء بحسب مسؤولين في وزارة الدفاع الامرلايكية يجري تجميعه في قاعدة لانجلي-يوستيس المشتركة في فرجينيا من خلال فرقة متخصصة فيما يسمى بمعدات اللوجستيات المشتركة على الشاطئ (JLOTS) والمراكب المائية حيث يشبه النظام بناء الليغو الضخم، وهو عبارة عن مجموعة من قطع الفولاذ بطول 12 متراً والتي يمكن ربطها معاً لتشكل رصيفاً وجسراً، حيث سيصل طول الجسر إلى حوالي 550 متراً وعرض مسارين.

وفور الانتهاء من انشاء هذا الميناء بحسب الجيش الأمريكي سيكونوا قادرين على دفع ما يصل إلى مليوني وجبة، أو مليوني زجاجة مياه، إلى الشاطئ كل يوم". كما إن هذه الجهود لن تتضمن "نشر قوات برية" في غزة، لكن القوات الأميركية ستقترب من المنطقة الساحلية المحاصرة، بينما تقوم ببناء الرصيف الذي يجب أن يكون راسيًا على الشاطئ.

اما الكيفية التي سيجري العمل بها بحسب مصادر عبرية فان المشروع سيكون تجريبيا في المرحلة الأولى، وسيجري إيصال حمولة من 10 إلى 20 شاحنة فقط يومياً. وستتسلم منظمة "المطبخ المركزي العالمي" الطرود الغذائية قبل تحويلها إلى سكان غزة لاحقاً، وستصل المساعدات إلى رصيف مخصص بميناء لارنكا في قبرص، وسيقوم جهاز الاستخبارات الإسرائيلي "الشاباك" بإجراء تفتيش شامل لمحتويات الشاحنة. ثم ستُنقل الشحنة إلى سفينة قادرة على الرسو في المياه الضحلة .

في السياق قال مسئولون امريكيون إن الميناء المؤقت في غزة سيديره الجيش الأمريكي في البداية، لكن لدى واشنطن رؤية بأن يتحول إلى منشأة تجارية في وقت لاحق. وأوضح المسؤولون أن العملية الأمريكية ستعتمد على مبادرة الحكومة القبرصية لجمع المساعدات الإنسانية في مدينة لارنكا الساحلية بالجزيرة على بعد 210 أميال بحرية من غزة.

التفسيرات الامريكية لدوافع الفكرة كما يقول المتحدث باسم الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر، تتعلق بدراسة واشنطن خيار إيصال المساعدات إلى غزة عن طريق البحر "لأن الخيارات الأخرى ليست كافية"، في إشارة إلى الإنزال الجوي .

طريق غزة البحري .. فكرة الميناء

فكرة انشاء الميناء لم تكن من بنات أفكار الرئيس الأمريكي جو بايدن كما يجري الحديث بل هي نتاج تداول اسرائيلي محظ كما كشفت صحيفة "جيروزاليم بوست" العبرية في تقرير لها نقلا عن مصدر دبلوماسي "رفيع" مقرب من نتنياهو أن خطة إنشاء ميناء بحري في غزة بدأها رئيس وزراء الاحتلال بالتعاون مع الرئيس الأمريكي، حيث ناقشا طريقة "إيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة عبر البحر، كما ألمح المصدر إلى أن بايدن كان ببساطة ينفذ خطة نتنياهو

ظهور إسرائيل في خلفية المقترح وضعه في العلن وزير الحرب الإسرائيلي يوآف غالانت خلال جولة له على ساحل القطاع حيث اعتبر إن خطط تقديم المساعدة لقطاع غزة عبر ميناء مؤقت أقامته الولايات المتحدة "ستساعد في انهيار حكم حماس". كما أشار إلى أن إسرائيل "ستقوم بإيصال المساعدات عبر طريق بحري تنسق معه الولايات المتحدة في الجانب الأمني والإنساني".

ارتباط خطوة انشاء الميناء باليوم التالي للحرب بطريقة أو بأخرى كان واضحا ، على وقع تباين أميركي- إسرائيلي بشأن ذلك، وهو ما دفع أيضاً واشنطن إلى اتخاذ قرارها بهذا الخصوص. وكانت صحف عبرية قد نوهت أخيراً بأن إشكالية المساعدات في شمالي القطاع مرتبطة في جوهرها بمحاولات الحكومة الإسرائيلية تمرير رؤية محددة لمستقبل غزة، وماهية الجهات التي ستدير القطاع. كم ان الخطة تقترب من التصور الإسرائيلي والذى أعلنته بنيامين نتنياهو حول شكل ومستقبل الوضع في غزة حيث اعلن وبوضوح إن إسرائيل ستسيطر على غلاف غزة (أرض، بحر، جو)

فكرة انشاء الميناء لم تكن جديدة وهي تسبق فعليا حرب غزة، حيث وضع وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس خططا لطريق بحري عبر قبرص يشمل جزيرة عائمة، ولم يتم تنفيذ المشروع، حيث كانت إحدى المشاكل هي عدم وجود ميناء كبير في غزة بما يكفي للتعامل مع سفن الشحن.

الحديث عن الميناء بحسب الأمريكيين لا يقتصر على إسرائيل هناك اطراف دولية واخري إقليمية اخري منغمسة في هذه الترتيبات منها المفوضية الأوروبية وقبرص والإمارات وبريطانيا حيث الميناء مكملاً للمسارات البرية والجوية التي تشمل مصر والأردن. الى جانب مشاركة منظمات غير حكومية ومنظمات إغاثة حيث أوضحت منظمة "أوبن آرمز" الخيرية الإسبانية أن منظمة "وورلد سنترال كيتشن" الخيرية الأمريكية، التي دخلت في شراكة مع "أوبن آرمز"، لديها فرق في قطاع غزة تقوم "بإنشاء رصيف" لتفريغ الشحنة.

تحذيرات من ابعاد المخطط 

الحديث الأمريكي عن انشاء الميناء لأغراض إنسانية لا يستقيم بحسب الكثيرين مع الواقع انه حيث لا يمكن الموازنة بين الإنسانية ومنح إسرائيل الأسلحة والقنابل للفتك بالمدنيين واستهداف قوافل المساعدات معتبرين ان المخطط ينطوي على ابعاد غير تلك المعنلة فواشنطن التى لم تقوى على اقناع تل ابيب بإدخال المساعدات عبر الممرات البرية نجحت في اقناعها بممر بحري فيما اعتبر اخرون الميناء الأمريكي انه يأتي في اطار حملة علاقات عامة تحاول من خلالها واشنطن ترميم صورتها التي تضررت بفعل التواطئ في حرب الإبادة .

المقرر الأممي الخاص المعني بالحق في الغذاء مايكل فخري كان اول من لفت الى ابعاد هذا المقترح الأمريكي عندما وصفه بالخبيت، حيث انه لم يطلب أحد رصيفا بحريا، لا الشعب الفلسطيني ولا المجتمع الإنساني". لافتا إلى أن واشنطن تقدم في الوقت نفسه قنابل وذخائر ودعما ماليا لتل أبيب.

لكن هناك من رأى ان ثمة ابعاد اكبر لهذا المخطط بحسب أستاذ الفكر السياسي في الجامعة اللبنانية وكاتب في العلاقات الدولية جيرار ديب الذى قال أن هناك مشروع آخر وراء بناء هذا الميناء. هذا المسعى الذي بدأ يتجلى يرتبط بالتواجد الأمريكي في هذه المنطقة تحديدا، لا سيما بعد المسح الذي قامت به شركة المسح الجيولوجي منذ 2010 أقرت بوجود آبار في هذا القسم من البحر المتوسط، وأن المنطقة قائمة وعائمة على آبار من الغاز والنفط بشكل أساسي. وأيضا بأن بحر غزة تحديدا لديه ما يفوق 2.5 ترليون متر مكعب من الغاز. الطاقة اليوم هي مطلب عالمي. والسياسات الأمريكية بالمنطقة كان في صلب أهدافه .

هذا الموقف شاركته الناشطة الإعلامية الكندية شيريل بينسون التي قالت "إن توجيه بايدن الجيش من أجل تشييد ميناء على شاطئ غزة لا علاقة له بالمساعدات الإنسانية التي يحتاجها الفلسطينيون في القطاع المحاصر، "وإنما له علاقة ببناء ميناء أكبر لإسرائيل، وسرقة غاز غزة، وبناء قناة بن غوريون التي أرادتها إسرائيل أن تمر عبر غزة".

0010.png

الحديث عن اهداف المخطط تشعبت واتسعت مراميها السياسية حيث اعتبر أستاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح الفلسطينية الدكتور حسن أيوب أن الخطة أتت لتكرس إصرار الحكومة الإسرائيلية على التخلص من الأونروا وإخراجها من القطاع بغية تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين، "وربما العمل من وراء ظهر المجتمع الدولي على تهجير الفلسطينيين من خلال المرفأ إلى أوروبا، وهو ما يعززه وجود خطة أوروبية قيد التنفيذ لإنشاء ممر بحري من قبرص إلى غزة".

مخطط الهجرة لم يغب هو الاخر بل ظبل مطروحا على طاولة المتابعين لمجريات العدوان حيث قال الخبير في الشؤون العسكرية والإستراتيجية هشام خريسات إلى أنه رغم "الجانب الإنساني" لما أعلنه بايدن وإيصال المساعدات الإغاثية لقطاع غزة وإنشاء مستشفيات عائمة لعلاج جرحى الحرب، فإن هناك جانبا آخر للميناء العائم يرتبط بتشجيع هجرة الفلسطينيين طوعا إلى أوروبا، وإلغاء أي دور لمعبر رفح البري على الحدود مع مصر. معتبرا أن "الرصيف العائم على شواطئ غزة، ظاهره مساعدات وباطنه هجره طوعية إلى أوروبا".

من جهتها، اعربت خبيرة الشؤون الدولية آسال راد عن استغرابها من لجوء الولايات المتحدة إلى مثل هذه الطرق الخطيرة لتقديم المساعدات، والتي عادة ما يتم حجزها كملاذ أخير عند التعامل مع الدول المعادية، وليس مع دول حليفة مثل إسرائيل، وإنه انعكاس آخر لقدرتها على الإفلات من العقاب، وعدم اتخاذ إدارة بايدن أي خطوات لمحاسبتها على أفعالها.

من جهته اعتبر الكاتب إسماعيل الريماوي أن إعلان «بايدن»، في خطابه عن حالة الاتحاد، لإنشاء ميناء على شاطئ غزة لإيصال المساعدات، دليل واضح على إحجام إدارته عن مواجهة إسرائيل بسبب عرقلتها تسليم مساعدات الإغاثة أو استخدام النفوذ الاستثنائي للولايات المتحدة باعتبارها الداعم العسكري الرئيسي لإسرائيل للتخفيف من وطأة أكبر قدر من ضرر العواقب الكارثية للحرب على غزة أم هو تضليل للعالم عن دوره في هذه الحرب ومشاركته بها حيث أن بإمكان الولايات المتحدة وحدها وقف حرب الإبادة والتجويع هذه ووقف هذه المأساة التي يواجهها قطاع غزة لكنها لا تريد

الفكرة الأخطر التي تداولها البعض ان مخاطر انشاء هذا الميناء لا تمس بقطاع غزة وحده فقط بل تمتد الى ممارسة الضغوطات على مصر وقناتها، فقد تكون مدخلا للتخلي عن قناة السويس وعن معبر رفح من خلال تشييد هذا الميناء. لكن العبرة في التنفيذ، فإسرائيل هي المعني المباشر والأساسي في هذه اللعبة،

هذه المواقف مجتمعه ترجمتها المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، في ردها على مبادرة الولايات المتحدة لبناء الميناء المؤقت في منطقة حرب. إن ذلك يعد "رقصا على العظام، وسخرية من الناس".مضيفتا : "عندما يموت المدنيون هناك كل يوم، فإننا نحتاج إلى الحديث عن مصائرهم، وليس عن بعض المشاريع المستقبلية الوهمية التي تحتاج في المقام الأول إلى السلام لتنفيذها"

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo