لصالح من يتم تزيين معاناة النازحين؟!

خيام النازحين جنوب قطاع غزة
خيام النازحين جنوب قطاع غزة

ما زال البعض يصر على جعل معاناة الناس ودمائهم وكرامتهم مادة نشر على صفحاتهم الإلكترونية الخاصة وهؤلاء ينقسمون إلى فئتين، الأولى صانع المحتوى الذي هو بحاجة إلى تقديم مادة استهلاكية مستمرة لملء صفحاته المتعددة والحصول على نسبة مرتفعة من المشاهدات والوصول فيلجأ إلى تقديم مادة صحافية مصورة مصنوعة يظهر فيها النازحين وهم في حالة فرح أو انشغال في أمر حياتي بسيط ولحظي ومن ثم تثبيته وتعميمه وكأن الناس خوارق عصرهم فهم رغم ما يعتريهم من جوع وخوف وقتل إلا أنهم في حالة رضى ويعملون على الاستمرار في الحياة رغم كل شيء، وهذا خطأ كبير وصورة مزيفة عن الواقع تعمل على تبريد المعاناة عند المتلقي الذي يشاهد هذه الصور ومن ثم يسكن بها ضميره ويصبح هو الآخر مروج لها ليسكت بها من يطابون بوقف الإبادة لوصول الناس إلى حد لا يمكن السكوت عنه. هذا المتلقي هو الفئة الثانية التي تأخذ هذه الصورة والمواد الإعلامية ويقوم بترويجها على أنها صور من صورة البطولة وإرادة الحياة التحدي، نافيًا بذلك حياة البؤس والمعاناة التي يمر فيها النازحين، أو على أقل تقدير لا يرى أن المعاناة ترتقي لأن تقف الحرب من أجلها.

فماذا تعني صور إقامة الأعراس في خيام النزوح؟ هل هذه طريقة آدمية معقولة لأناس يعيشون يومهم تحت القصف والموت والجوع وفقدان أدنى مقومات الحياة؟ أو صورة تعليق ما صار يعرف بزينة رمضان، وتجميع الناي على موائد سحور وفطور وغيرها من المناسبات التي يجري صناعتها وإخراجها بشكلٍ مدروس لصناعة مادة صحافية غير مسؤولة، وهناك بعض هذه المواد التي يتم دفع مبالغ مالية لأصحابها من أجل تصوير أمور معينة يظهر فيها بعض الأشخاص غير المدركين لما يقومون بفعله جراء تزيينه لهم إما بالمقابل المادي أو بالكلمات الجميلة التي (تنفخ) في صمودهم وعبقرتيهم وتحديهم لكل المعاناة من أجل الاستمرار في الحياة بشكل طبيعي في ظل واقع غير طبيعي بالمرة.

هذه الرواية التي عمل الإعلام المضاد إلى ترويجها بأن النازحين تقبلوا أوضاعهم بل ويتعايشون معها ويمارسون طقوسهم اليومية نافيًا بذلك أي تعمد لاضطهادهم وارتكاب جريمة الإبادة الجماعية بحقهم وبدليل الصور والمواد الصحافية التي ينشروها هم، فكيف تفترض أن هناك حرب إبادة جماعية وتجويع في ظل ورود صور الأعراس وموائد السحور والفطور.

إرادة الحياة غالبة دومًا، لكن الناس في قطاع غزة يغالبون موتهم بمحاولة البقاء على قيد الحياة من خلال الحصول على الطعام والشراب والكهرباء ودفن الموتى ومحاولة النجاة كل يوم من قصف قريب، وليس بمظاهر الحياة الطبيعية التي تظهرهم وكأنهم يتمتعون بكامل متطلباتهم حتى أنهم يتزوجون ويزينون خيامهم ويمارسون طقوس الحياة الطبيعية، هذه النماذج يجري تعميمها فتبتلع صور طوابير الخبر والمياه والحمامات والعلاج وغيرها من المعاناة التي لا توصف أبدًا.
ناهيك عن موضة صناعة الصور عبر الذكاء الاصطناعي هذه الطريقة الغريبة المؤسفة التي تعمل على تشكيل هجين سخيف بدمج صورة المعاناة في نسق مزيف، حتى أن بعض هذه الصور انتشرت على حساب صورة المعاناة الحقيقية التي استغلها الاحتلال في الترويج إلى زيف الرواية الفلسطينية من خلال الاستشهاد بصور الذكاء الاصطناعي وإعادة نشرها على أنها رواية كاذبة للفلسطيني الذي يعمل على نشر رواية كاذبة لخلق حالة من التضامن معه.

برأيي يجب أن ينتبه الجميع إلى خطورة هذه الأمور وتجنب مشاركتها عن حسن نية، فغزة تعاني من حرب إبادة جماعية وتهجير قصري، وإن أي سلوكيات غير طبيعية يتم تعميمها على أنها سلوكيات وأفعال بطولية وخارقة هي مادة مسمومة تأتي برد فعل عكسي، فنحن نريد أن نتزوج في بيوتنا، وأن نزين مداخلها وغرفها، وأننا يجب ألا نتكيف مع أي ظرف غير آدمي كي لا يستمر وكي يعلم الجميع أننا متشابهون مع العالم في إنسانيتنا فلسنا خوارق عصرنا، ولسنا أقل من أحد في شيء

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo