بين الانتقام والبقاء

ماذا تريد حماس واسرائيل من نتائج الحرب

اثار القصف الاسرائيلي على قطاع غزة
اثار القصف الاسرائيلي على قطاع غزة

لم تفضي مقدمات هذه الحرب عن دوافعها بشكل واضح رغم محاولات البعض تظهير الأسباب العامة للصراع التي أدت لهذه المواجهة في السابع من أكتوبر ليمتد الجدل الى نتائجها او ما يريده الجميع من مخرجات هذه الحرب.

ويظل السؤال مفتوح الى الان ما الذي يسعي الإسرائيليون والحمساويون وراءه من هذه المواجهة وما هي الحسابات التي رافقت بدايات المعركة والتي لم تكن مفاجأة على كل الصعد مهما ادعى الإسرائيليون.

حماس ... سردية الفصيل

قد تكون الإجابة النموذجية ان هذا الصراع لم يبدأ في السابع من أكتوبر هي الأكثر منطقية ومريحة لحركة حماس في الحديث عن أسباب ودوافع اطلاق طوفان الاقصي كما أوضحت الحركة بعد 108 أيام من الحرب عن موقفها في الوثيقة التي نشرتها تحت عنوان "هذه روايتنا.. لماذا طوفان الأقصى؟"، وفسرت ان الحرب كان ضروروية في ظل ما يحاك من مخططات تستهدف تصفية القضية الفلسطينية .

في هذه الوثيقة والتي احتوت على 18 صفحة حاولت حماس تبرير هجوم السابع من اكتوبر بان العملية استهدفت المواقع العسكرية الإسرائيلية، وسعت إلى أسر جنود العدو ، من أجل إطلاق سراح الآلاف من الأسرى الفلسطينيين بالإضافة الى كسر الحصار الخانق على مدار 17 عاما، موضحة ان نضالها يأتي في اطار حق حركات التحرر المشروع في الخلاص من الاستعمار.

الوثيقة لم تأت على ذكر ما قاله نائب رئيس المكتب السياسي لحركة (حماس) صالح العاروري والذى اغتالته إسرائيل أن عملية طوفان الأقصى، التي بدأتها كتائب عز الدين القسام جاءت استباقا لهجوم كانت تنوي إسرائيل شنه على قطاع غزة فور انتهاء الأعياد اليهودية .

لكن النتائج جاءت في نهاية الوثيقة وهي مخرجات المعركة التي تراها حماس وحددت 8 مطالب رئيسية بشأن الحرب الراهنة، على رأسها الوقف الفوري للعمليات العسكرية الإسرائيلية وفتح المعابر، وإدخال المساعدات، بجانب الوقوف في وجه محاولات تهجير الفلسطينيين ومنع إيقاع "نكبة جديدة" بهم، مع مواصلة الضغوط الشعبية والدولية لـ"إنهاء الاحتلال"، ورفض أيّ مشاريع دولية وإسرائيلية تسعى لتحديد مستقبل قطاع غزة.

التساؤلات حول أهداف هذه الحرب التي أقدمت عليها حماس ظلت معلقة ولم تكن إجابة الحركة في وثيقتها شافية حيث يقول الكتاب المحلل السياسي إبراهيم ابراش أن حركة حماس ثبتت نفسها كرقم صعب وأساسي في المعادلة الفلسطينية الداخلية، إلا أن الاختلال الكبير في ميزان القوى يميل كثيرا إلى صالح الكيان الصهيوني، وهو الأمر الذي يطرح تساؤلات عن هدف حركة حماس من القيام بهذه العملية النوعية وهي تعرف الاختلال في موازين القوى كما تعرف أن محور المقاومة لن يتدخل بشكل مباشر؟ أيضا تساؤلات حول مستقبل قطاع غزة وحركة حماس بعد الحرب؟

ما يطرح في المفاوضات من حلول لوقف الحرب لم يكن هو النتيجة التي ارادتها حماس بكل تأكيد لكنه قبول المضطر فهجوم أكتوبر لم تكن هذه أهدافه كما كشف عنها سابقا نائب رئيس المكتب السياسي لـ"حماس"، صالح العاروري، والذى قال في مقابلة تلفزيونية في أغسطس الماضي، إن "المقاومة جاهزة للحرب الشاملة، وإسرائيل ستُمنى بهزيمة غير مسبوقة"، مضيفا "نحن نتجهز للحرب الشاملة، ونناقش ذلك في الغرف المغلقة مع كل المكونات التي لها علاقة بهذه الحرب". وهو ما اعتبره الكثيرون تلميحاً صريحاً للهجوم قبل أقل من شهر ونصف على حدوثه في أكتوبر.

الكثير يخلص الى نتيجة لمعادلة التصورات حيال الحرب او إيجاد دليل منطقي لهذا الاندفاع يوم السابع من أكتوبر حيث راي الكاتب عزام شعت ان حماس سعت الى تحقيق عدة اهداف من خلال هذه الحرب اهمها: انها ارادت الانقلاب على منطق التهدئة الأمنية مع إسرائيل، وذلك بمغادرة سياسة الحلول المرحلية والمؤقتة في التعامل مع قطاع غزة، والقائمة على أساس معادلة "السلام الاقتصادي" والتسهيلات الاقتصادية الجزئية والمرحلية، التي تبنتها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة كبديل لمسار التسوية السياسية مع الفلسطينيين خلال السنوات الأخيرة؛ فرغم الفوائد التي جنتها حماس من التسهيلات الممنوحة لقطاع غزة، إلا أنها لم تكن بمستوى تخفيف أزمات القطاع الذي ترتفع فيه معدلات الفقر والبطالة

حتى على الصعيد العسكري لم تخرج حماس كل شيء خلال هذه المعركة كما يري الكثيرين لتحقيق نتائج محددة بل اكتفت بإدارة الحرب مما دفع بالعديد من المحللين الاسرائليين  بالقول خلال القتال الأخير في غزة، تجنبت حماس المواجهات المباشرة مع الوحدات الإسرائيلية، وهو ما اعتبرته إسرائيل علامة ضعف، لكن خبراء آخرين يقولون إن حماس لديها سبب وراء هذه الاستراتيجية، وطبقاً للمسؤولين الغربيين فإن قيادة حماس تعتقد أنه إذا نجا أي قدر كبير من قوتها العسكرية من الحرب، فسوف يمثل ذلك النصر.

إسرائيل ... استراتيجية الانتقام  

الأهداف التي وضعتها إسرائيل في حربها على غزة والتي كان في مقدمتها القضاء على حماس بدت وكانها الثمن الوحيد الذى تقبله تل ابيب والنتيجة التي يجب ان تخرج بها في الرد على هذا الهجوم لكن الميدان كشف استحالتها على ارض الواقع بالقوة وحدها لتتحول استراتيجية الحرب الى مجرد انتقام .

ربما رسالة عضو مجلس الحرب غادي آيزنكوت إلى المجلس ذاته والتى حذر فيها من صعوبة متزايدة في تحقيق أهداف الحرب في غزة هي المثال الاوضح على عدم التوصل الى اى نتائج خلال هذه المواجهة حيث كتب في رسالته انه بعد أكثر من 4 أشهر من الحرب، من المناسب تقييم الإنجازات ودراسة اتجاهات الاستمرار، مضيفا في ظل تجنب اتخاذ قرارات حاسمة ومهمة، هناك صعوبة متزايدة في تحقيق أهداف الحرب. موضحا لقد تعثر المخطط الإستراتيجي للحرب، معتبرا أن حالة إنهاء الحرب بحيث لا تشكل غزة تهديدا مستقبليا على إسرائيل لم تتحقق.

تصاعد الخلافات والتي طفت على السطح بين ثلاثي الحرب رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، ووزير حربه يوآف غالانت، والقائد السابق للجيش الاحتلال بيني غانتس، تمحورت علنا حول أكبر معضلتين، الأولى ما إذا كان على إسرائيل التفاوض لإنهاء الصراع وتحرير الرهائن، والثانية من يجب أن يحكم القطاع المنكوب بمجرد انتهاء الحرب.

غياب التصور الإسرائيلي لنتائج المعركة انكشف مند البداية عندما نفذ الوقت الممنوح أمريكيا ودوليا تل ابيب لانجاز عمليتها العسكرية وتحقيق أهدافها والتي شكلت معضلة هذه الحرب والتى ادركها الامريكيون سريعا عندما قال مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية السابق والجنرال المتقاعد ديفيد بتريوس في معرض حديثه عن العمليات العسكرية الإسرائيلية الحالية في غزة: "الرغبة في الانتقام مفهومة، ولكن الانتقام ليس استراتيجية"، مضيفا "هل ستقضي هذه العملية على الأشرار أكثر من العدد الذي ستنتجُه منهم بسلوكها الحالي؟ يجب الحرص على أن تكون الإجابة على هذا السؤال نعم".

نتائج الحرب بالاستناد الى الأهداف المعنلة من قبل الاحتلال تحتاج الى اكثر من القدرة العسكرية لتحقيقها كما يرى السفير والمستشار في معهد واشنطن دينس روس ، ان سياسة إسرائيل المعلنة المتمثلة بـ"القضاء" على "حماس" شعاراً أكثر منها سياسة عملية، إذ من المستحيل تدمير الحركة بالكامل. ومن المرجح بصورة أكثر أن يكون هدف إسرائيل الفعلي القضاء على "حماس" كتهديد للأمن القومي، أي القضاء على بنيتها التحتية العسكرية، وتماسكها التنظيمي، وقدرتها على السيطرة على غزة سياسياً.

من جهته يقول المحلل السياسي والمتخصص في شؤون الشرق الأوسط. أحمد فؤاد الخطيب إن لم تضع إسرائيل أهدافًا واضحة واستراتيجية خروج محددة جيدًا، فهي تخاطر بأن يتحول هجومها المضاد إلى عمل عقابي حصيلته أعداد هائلة من القتلى المدنيين بينما تعجز عن إرساء الاستقرار والسلام الدائمين في قطاعها الجنوبي، وللحيلولة إذًا دون إعطاء انطباع من أن الحرب على غزة تتمحور في النهاية حول الانتقام، يجب وضع خطط مستقبلية لمعالجة هذه القضايا بشكل واضح وعلني.

في الاطار  ذاته يقول الكاتب على الجرباوي مع التكلفة الكبيرة لهجوم 7 أكتوبر، وصلت إسرائيل إلى استنتاج أن الوقت حان لتغيير النسق الذي كان يحكم العلاقة مع حماس بشكل جذري، عوضاً عن العمل المعتاد وفقاً لنسق «التفاهمات»، قررت إسرائيل أن خيار «شراء الوقت» لم يعد مجدياً، وأن التعايش مع استمرار تهديد حماس - لم يعد ممكناً، وذهبت باتجاه نسق «المواجهة الشاملة»، ويعبّر هذا النسق عن استعدادها المُستجَد لدفع تكلفة الخوض في حرب شاملة ومفتوحة مع تلك القوى، والتي تتطلب دخول الجيش بريّاً إلى القطاع، والتي ستكلّفها ما كانت حتى تلك اللحظة تعتبره ثمناً كبيراً. لقد اتخذت إسرائيل قرار الردّ بحملةٍ عسكريةٍ بريةٍ مباشَرةً بعد هجوم 7 أكتوبر، وما بقي كان استعدادات وتفاصيل.

مدير "برنامج جانيت وايلي راينهارد لمكافحة الإرهاب والاستخبارات" في معهد واشنطن. ماثيو ليفيت يقول في إسرائيل، تختلف التصورات الحالية بشأن الحرب بشكل حاد عن وجهات النظر الدولية، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى أن السكان ما زالوا يتعاملون مع الصدمة الوطنية التي خلّفتها أحداث السابع من أكتوبر، فمن وجهة نظرهم، فُرضت هذه الحرب على إسرائيل بسبب وحشية الهجوم الذي حطم مفهوم الردع لديها، ولم يترك لها أي خيار سوى تفكيك مشروع حكم "حماس" في غزة.

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo