لاءات نتنياهو في وجه بايدن تعصف بالعلاقة بين واشنطن وتل أبيب

نتنياهو وبايدن
نتنياهو وبايدن

زيارة وزير الخارجية الأمريكي انطوني بلينكن الأخيرة للمنطقة، كشفت عن حجم الشقاق في المواقف بين واشنطن وتل ابيب، وهي خلافات طغت قبل موعد هذه الجولة، التي استبقها رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو مشهرا لاءاته المتعددة، لا للخضوع لشروط "حماس"، ولا لوقف النار، ولا لانسحاب الجيش من غزة، ولا للتنازل من أجل عودة الاسري، ولا لسلطة فلسطينية في غزة في اليوم الذي يلي الحرب.

هي اللاءات التي رأى فيها البعض انها تنطوي على تحدي للإدارة الامريكية التي اطلقت هي الاخرى لاءاتها برفض التهجير القسري، ورفض تقليص مساحة القطاع، ورفض إعادة احتلال غزة، ليندفع الخلاف الى السطح بين تل ابيب وواشنطن مما اضطر نتنياهو الى القول إنه لا يحتاج مساعدة في التعامل مع علاقات تل أبيب بالولايات المتحدة واحتدم هذا التحدي عبر مجموعة من المواقف تمثلت تلويح الخارجية الأمريكية بانها تدرس خيارات اعتراف محتمل بالدولة الفلسطينية وتواصلت الانقسامات على وقع اعلان الرئيس الأمريكي دعم فكرة عودة سيطرة السلطة على غزة ليعلن نتنياهو في المقابل ان "غزة لن تكون حماسستان ولا فتحستان"

لاءات نتنياهو .. تفجر العلاقة مع واشنطن

قد يكون اغلاق الرئيس الأمريكي للهاتف في وجه نتنياهو كما نقل اعلاميا وتصريحات جو بايدن التي وجه فيها الانتقاد لنتنياهو وائتلافه المتطرف في خضم العدوان على غزة الى حد المطالبة بتغيير حكومته وبضرورة العمل على تغيير اسلوبه في إدارة الحرب هو الموقف الأكثر وضوحا عن حالة عدم الرضى الأمريكي وان هناك فجوات في المواقف والاهداف رغم التقاطعات التي ابداها الحليفان في مسار هذا العدوان .

الإصرار الأمريكي على تحقيق التصورات حول مستقبل الحرب أكدها مجددا وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بحسب ما وصفتها صحيفة "وول ستريت جورنال" بـ"اللاءات الخمس": "لا للتهجير القسري للفلسطينيين من غزة، لا لاستخدام غزة كمنصة للإرهاب، لا لإعادة احتلال غزة بعد انتهاء الصراع، لا لحصار غزة، لا لتقليص أراضي غزة". مضيفة أن بايدن أتبع "لاءاته" الخمس بثلاث "ضرورات": "الطريق إلى السلام يجب أن يشمل أصوات الشعب الفلسطيني.. يجب أن يشمل حكما بقيادة فلسطينية وقطاع غزة موحد مع الضفة الغربية.. ويجب أن يؤدي إلى عيش الإسرائيليين والفلسطينيين جنبا إلى جنب في دولهم الخاصة، مع التمتع بمعايير متساوية من الأمن والحرية والفرص والكرامة".

الموقف الأمريكي الساخط استمر عبر تصريحات لمسئولين أمريكيين ابرزهم المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، ماثيو ميلر الذى قال: "إنه لا سبيل لإنهاء التحديات الأمنية طويلة الأمد التي تواجه إسرائيل في المنطقة والتحديات قصيرة الأمد المتمثلة في إعادة إعمار غزة، دون إقامة دولة فلسطينية". مضيفا أن إسرائيل لديها فرصة في الوقت الحالي في ظل استعداد دول في المنطقة لتقديم ضمانات أمنية لها.

من جهته وصف رئيس حملة إعادة انتخاب الرئيس الأمريكي جو بايدن كريس كونز، رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، أنه عقبة أمام السلام في الشرق الأوسط، وأنه أخطأ برفضه دعوات الولايات المتحدة والدول العربية للتحرك نحو دولة فلسطينية مستقلة، مضيفا إنه "لن تكون هذه هي المرة الأولى التي يكون فيها هناك بعض التوتر مع نتنياهو وأهدافه وطموحاته الشخصية والسياسية".

الى ذلك قالت الكاتبة امل شحادة لاءات نتنياهو تحظى بتأييد أكثرية في حكومته والكنيست من اليمين واليمين المتطرف، لكنها في المقابل تعمق الأزمة مع واشنطن وتبقي الوضع من دون أي أفق لحل سياسي بعد أكثر من أربعة أشهر على حرب "طوفان الأقصى".

في السياق قال محللان أميركيان إنه لا يوجد شقاقا بين الولايات المتحدة وإسرائيل على مسار الحرب الراهن والهدف المعلن في تدمير القدرات السياسية والعسكرية لحركة حماس واستعادة الراهن، ولكن هناك خلافا محوريا بشأن قضية حكم غزة بعد الحرب، وهو ما تسبب في تصاعد الخلاف إلى الرأي العام العالمي، فضلًا عن قلق الإدارة الأميركية من عرقلة تيارات متطرفة داخل الحكومة الإسرائيلية لمسار عملية السلام ومستقبل حل الدولتين.

تصورات أمريكية لما بعد نتنياهو

لابد من طرد نتنياهو الى الصحراء السياسية بشكل دائم هذا ما قاله الكاتب الإسرائيلي ديميتري شومسكي وهو يظهر حجم الخطر الذى بدا يشكله الرجل في ميدان الحرب والسياسية على كيان الاحتلال وعلى مستقبل العلاقات مع اوثق حلفائه الذين بدأوا يتحدثون عن إسرائيل دون نتنياهو .

بعدما دخلت الانقسامات بين تل ابيب وواشنطن منحى خطير بحسب ما كشفت عنه شبكة "أن بي سي" الأمريكية عن مسؤولين أمريكيين قولهم، أن "إدارة بايدن تتطلع إلى ما بعد نتنياهو لتحقيق أهدافها في المنطقة، حيث تحاول إدارة بايدن التحضير مع قادة إسرائيليين آخرين لتشكيل حكومة ما بعد نتنياهو". مضيفة أن نتنياهو رفض خلال زيارة بلينكن جميع طلبات واشنطن باستثناء عدم مهاجمة حزب الله"، فيما ابلغ وزير الخارجية أنتوني بلينكن نتنياهو أنه لا حل عسكريا بشأن مصير حماس، وعلى إسرائيل الاعتراف بذلك".

في الاطار ذاته تقول الخبيرة الأميركية المختصة في الشؤون الأمنية والاستراتيجية، إيرينا تسوكرمان، إنه هناك خلاف حول قضية حكم غزة، إذ تشعر الولايات المتحدة بالقلق من الحصول على دعم إقليمي لأي حل بسبب وجود عدد من الأشخاص في حكومة نتنياهو غير محترفين، وبالتالي فإن الاحتفاظ بأي شخص يرمز إلى الفشل وعدم الاحتراف، يعقد فكرة الدعم الأمريكي غير المشروط لإسرائيل ويساهم في الضغط الدولي على كل من إسرائيل والولايات المتحدة في آن واحد".

هذا التصور لا يقتصر على الأمريكيين بعض الإسرائيليين يشاركونهم هذا الموقف حيث رأى تقرير لصحيفة هارتس العبرية انه بجب على "المعسكر الوطني" أن يناضل ضد الاحتلال وكأنه لا يوجد نتنياهو وأن نحارب نتنياهو وكأنه لا يوجد احتلال، الحرب ضد الاحتلال يجب القيام بها بمساعدة جميع القوى التي تعارضه من هذه الناحية فان رفض اسرائيل يحاكي سياسة اللاءات الثلاثة التاريخية للعالم العربي في مؤتمر الخرطوم الذي عقد في العام 1967، ويضع امامهم ثلاثة لاءات من انتاج البلاد: لا للسلام ولا للاعتراف بدولة فلسطينية ولا للمفاوضات مع ممثلي الشعب الفلسطيني.

تحول إسرائيل تحت قيادة نتنياهو الى عبئ تتناقله التقارير الإعلامية الامريكية حيث نقلت شبكة سي إن بي سي الامريكية عن خبراء سياسيين لقد كان دعم واشنطن المعلن غير المشروط لإسرائيل –سياسياً ومالياً وعسكرياً– ركيزة طويلة الأمد لسياستها الخارجية في الشرق الأوسط. لكن هذه السياسة تكلف إدارة بايدن سياسياً، على الصعيدين المحلي والدولي

بدورها ترى صحيفة الغارديان البريطانية، أن الضرر السياسي الذي يلحقه الاشمئزاز العالمي الناتج عن ذلك بحليف إسرائيل الرئيسي، الرئيس الأمريكي جو بايدن، وبالنظام الدولي القائم على القواعد بقيادة الغرب، غير قابل للإصلاح.

الى ذلك يقول الكاتب سميح صعب كلام بايدن أن الحكومة الإسرائيلية هي الأكثر تطرفاً في تاريخ إسرائيل، وبأن مثل هذه الحكومة لا يمكن أن تقبل حل الدولتين، الذي يتمسك به البيت الأبيض كرؤية سياسية وحيدة لضمان أمن إسرائيل وتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط، فإن نتنياهو لم يتأخر في الرد عليه، يقول نتنياهو للإسرائيليين المتعطشين للانتقام اليوم من غزة، إنه هو الوحيد الذي يضمن عدم قيام دولة فلسطينية بأية صيغة من الصيغ، وبأن عملية أوسلو (1993) كانت “خطأ فادحاً” لن يقدم على تكراره، وبأن غزة لن تحكمها بعد اليوم لا “حماس” ولا “فتح” (السلطة الفلسطينية)، وبأن لا انسحاب للجيش الإسرائيلي من غزة، وبأن الحرب لن تتوقف قبل “القضاء التام” على حماس.

ما بين نتنياهو وبايدن لا تنسفه اللاءات

حتى اللحظة الأخيرة يصر نتنياهو على تحقيق تصورات الحرب التي وصفها بلينكن انها حلم لن يتحقق لكن هذا الخلاف الأمريكي الإسرائيلي كما يصفه الكثيرين ينتمي الى عالم التذمر لا الانقسام وتعدوا كونها خلاف على ترتيب اولويات المذبحة وان المواقف الامريكية التي تعبر عن الاستياء من سلوك اسرائيل لا يمكن الرهان عليها .

ما يؤكد هذا المنحى في علاقات تل ابيب وواشنطن هو إصرار نتنياهو على تحقيق ما يسميها اهداف الحرب خاصة في مرحلتها الأخيرة المتمثلة بعملية عسكرية في رفح اكدت واشنطن معارضتها لها حيث اعترف مسئول امريكي ان تل ابيب ابلغت واشطن بهذه العملية وانه رغم تصريح الرئيس جو بايدن بعدم دعمه مثل هذه العملية، فإن قادة عسكريين وأمنيين أميركيين في البنتاغون ووكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) لا يعترضون عليها في أحاديثهم غير المعلنة"، لأن "من شأنها تسريع الحرب في غزة وتقريب إنهائها قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية المقررة في نوفمبر المقبل، وهذا أمر يرغب فيه بايدن شخصيا".

يقول أستاذ العلاقات الدولية، خليل العناني ان تصريحات بايدن، تجاه تل ابيب لا تمثل تحولا إستراتيجي في الموقف الأميركي من دعم إسرائيل، وهي نتيجة الإحباط الشديد خاصة بعد الفشل الذريع لجولة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أولا أنه فشل بشأن إمكانية إنجاز صفقة كبرى للتطبيع بين السعودية وإسرائيل، كما فشل بلينكن في إقناع نتنياهو بأن حل الصراع مرتبط بالاتفاق على مسار يؤدي لقيام دولة فلسطينية، بالإضافة إلى فشل الوزير الأميركي في التوصل لاتفاق الهدنة وتبادل الأسرى والدخول في مسار ينهي الحرب على غزة.

في الاطار ذاته قال الكاتب الصحفي عادل حمودة، إنّ هناك 3 لاءات قالتها الولايات المتحدة الأمريكية لبنيامين نتنياهو رئيس حكومة دولة الاحتلال، وهي "لا للاحتلال الإسرائيلي لغزة بعد إيقاف الحرب"، و"لا لتقليص مساحة لحساب المستوطنات الموجودة على غلاف غزة"، أما اللاء الثالثة فهي "لا لتهجير الفلسطينيين"، مضيفا "نتنياهو أكد أنه سيحتل غزة، وهنا يجب أن نعترف بأن الولايات المتحدة الأمريكية تتنازل عن قرارها مؤقتا لإسرائيل، فهي صاحبة القرار والسلطان والسلطة، ولكنها تحاول منح أكبر فرصة لإسرائيل.

في السياق يري الكاتب سيمون تيسدول، إلى أن "الصفقة الكبرى طويلة الأجل التي يسعى بايدن إلى التوصل إليها في نهاية المطاف تتضمن قبول إسرائيل بـ 'أفق سياسي' غامض للفلسطينيين الذين يسعون إلى إقامة دولة مستقلة، مع ذلك، بالنسبة لواشنطن، فإن تطبيع العلاقات بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية - وليس تقرير المصير الفلسطيني - هو الجائزة الأكبر والأكثر إلحاحاً وإغراءً

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo