رغم شن الاحتلال الإسرائيلي العديد من الحروب على قطاع غزة إلا أن هذه الحرب تختلف عن سابقاتها بطول فترتها وأعداد الضحايا وضرب المنظومة الصحية في القطاع بالكامل ناهيك عن النزوح الكبير في صفوف السكان.
ومع انعدام شروط الحياة الأساسية ، أطلقت وزارة الصحة في غزة وكافة المستشفيات تحذيراتها من انتشار الأوبئة والأمراض منذ الأيام القليلة الأولى للحرب، وباتت التحذيرات اليوم حقيقة ، فبتنا نسمع يومياً عن حالات إعياء شديدة ونزلات معوية في صفوف الأطفال والكبار، وحالات أمراض جلدية غريبة ، ناهيك عن أمراض تنفسية كثيرة .
وفي ذات السياق حذرت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، من انتشار مقلق للأمراض في قطاع غزة بسبب نقص المياه النظيفة والصرف الصحي في ظل استمرار الحرب.
و بالأرقام بينت الأونروا أن الأمراض المعوية انتشرت بمعدل 4 أضعاف عما كانت عليه سابقا، كذلك الأمراض الجلدية زادت ثلاثة أضعاف، إضافة إلى تقارير عن انتشار التهاب الكبد الوبائي.
ونشرت الأونروا أكثر من 120 وحدة طبية متنقلة في مراكز الإيواء في محافظات قطاع غزة لمواجهة انتشار الأمراض وتقديم الرعاية الطبية اللازمة للنازحين، إلا أنها أكدت تعرض 45% من الأطفال في قطاع غزة لمخاطر الإصابة بالأمراض المعدية وتفشي الأوبئة.
وحول سوء الواقع الصحي في غزة حذّر المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس من كارثة صحية في قطاع غزة، مشيراً إلى أن الظروف المعيشية الحالية في القطاع ونقص الرعاية الصحية قد تتسبب في أمراض تودي بحياة عدد أكبر ممن قتلوا جراء القصف الإسرائيلي على القطاع.
وأوضح أن الاكتظاظ ونقص الغذاء والمياه ومتطلبات النظافة الأساسية وسوء الصرف الصحي وإدارة النفايات وصعوبة الحصول على الأدوية عواملُ أدت إلى إصابة عشرات آلاف الأشخاص بأمراض مختلفة، من بينها التهابات الجهاز التنفسي الحادة والجرب والقمل والإسهال والطفح الجلدي واليرقان وغيرها.
ما هي أبرز الأسباب لانتشار الأمراض في غزة؟
القصف الإسرائيلي المستمر على غزة طال المباني وأسس الصرف الصحي ومحطات تحلية المياه وتوليد الطاقة وهو ما فاقم أزمة انتشار الأمراض، مثلاً اختلاط مياه الصرف الصحي بمياه الأمطار وتلوث المياه وعدم توفر الصالحة منها يعد من أبرز الأسباب لانتشار أمراض النزلات المعوية بين السكان، وهو ما أكدته منظمة الصحة العالمية قبل أيام عندما أعلنت أن حالات الإسهال بين الأطفال دون سن الخامسة أصبحت أكثر شيوعاً بـ25 مرة مما كانت عليه قبل اندلاع الحرب الحالية في 7 أكتوبر.
باسل خير الدين وهو صحفي وأحد سكان مخيم جباليا شمال قطاع غزة يقول لزوايا: " يومياً نسمع عن أكثر من 70 حالة مرضية مختلفة منهم المصابين بالإنفلونزا والأمراض التنفسية ومنهم من يعاني حالة إعياء شديدة ونزلات معوية مستمرة لأيام إلى جانب مرضى الطفح الجلدي.
وعن محاولات التخفيف عن المرضى يقول خير الدين : " بعض الممرضين والأطباء يتطوعون لزيارة المدارس وأماكن تواجد النازحين في محاولة منهم لتقديم الخدمة الطبية المتواضعة للمرضى بما يتوفر لديهم من أدوية كانت بالأساس موجودة داخل العيادات الصغيرة ، لكن للأسف يكون العلاج عبارة عن "حبة" دواء واحدة أو "حبتين" كأقصى حد لعدم توفرها، الأمر الذي لا ينتج عنه شفاء كاملاً .
يضيف خير الدين أن أعداد النازحين في كل نقطة إيواء لا يقل عن ألفي نازح، وجميع هؤلاء يلجأون لاستخدام الحمامات المشتركة التي تعد من أكثر الأماكن نقلاً للأمراض مع انعدام المياه والنظافة.
ينقل جمال عدوان وهو صحفي من رفح شهادته حول الأوضاع هناك ويقول في لقاء خاص مع زوايا: " الأوبئة وانتشارها في مراكز النزوح وصلت إلى مرحلة خطيرة جداً ، إذ تم تسجيل حالات لمرض الفشل الكلوي والكبد الوبائي"
يضيف جمال :"الأمراض التنفسية في ازدياد أيضا، فمع الغبار الناتج عن الدمار الهائل والغازات السامة الناتجة عن القصف بأسلحة مختلفة، يعمد السكان إلى استخدام أنواع مختلفة من الزيوت لتشغيل سياراتهم في ظل انعدام توفر الوقود، وهذه جميعها أسباب لتلوث بيئي كبير ينتج عنه أمراض صدرية خطيرة."
وحول رأي الاختصاصيين يقول الدكتور مازن عدي - اختصاصي الجراحة العامة لزوايا :"الكوليرا يعد أكثر الأمراض خطورة وانتشاراً في مثل هذه الأوضاع وينتج عادة عن تلوث المياه وهو من الأسباب الموجودة حاليا في غزة نظراً لقصف البنى التحتية ووصول مياه الصرف الصحي لأماكن سكن النازحين".
يضيف د.عدي :" من المخاطر أيضا ما سينتج من أمراض مستقبلاً بسبب سوء التغذية الحالي وبالتحديد لدى الأطفال."
وبما أن الأطفال هم الحلقة الأضعف ضمن دائرة مخاطر انتشار الأوبئة ، يشرح المخاطر الدكتور وسيم بكراكي - اختصاصي طب الأطفال -في لقاء خاص مع زوايا قائلاً : "عدم توفر اللقاحات وإعطائها للأطفال بوقتها المحدد وانعدام توفر الرعاية الطبية للأطفال يعرضهم إلى مخاطر انتشار أمراض كبرى لم تعد موجودة منذ زمن مثل شلل الأطفال والسحايا والسل".
ويشير د.بكراكي إلى أن العدوى لدى الأطفال بهذه الأمراض وغيرها من الأمراض التنفسية والجلدية ستتفاقم في ظل انخفاض معدل المناعة لديهم بسبب سوء التغذية .
الأمراض النفسية بعد انتهاء الحرب على غزة
قساوة الظروف والمشاهد التي يعيشها سكان قطاع غزة لا تقتصر على آثارها الجسمانية والصحية فقط ، إذ ستشكل الفترة بعد انتهاء الحرب مرحلة حساسة ستتكشف فيها الكثير من الاضطرابات النفسية في صفوف سكان غزة المتضررين من الحرب.
بحسب منظمة الصحة العالمية فإن مناطق النزاع والحروب ترتفع فيها إمكانية الإصابة بالاضطرابات النفسية بين أوساط السكان، واستعرضت المنظمة مجموعة دراسات لها في 39 بلداً تؤكد من خلالها أن شخصاً واحداً من بين خمسة أشخاص سيصابون بالاكتئاب أو القلق أو اضطراب ثنائي القطب أو الفصام وهي نسبة ليست بالقليلة إذ تشكل ما يقرب من 22 في المئة من السكان المتضررين.