مع دخول الحرب شهرها الرابع، بدت تتحدد بدقة صوره الأهداف الميدانية والسياسية بالنسبة لاسرائيل - وحماس، وتغيرت معها العديد من القناعات بان تحقيق مكاسب في المعركة اكثر واقعية من كسب الحرب، وترسخت بشكل جلى فكرة انه لا يمكن القضاء بالمطلق على الاخر بالضربة القاضية، ولا يمكن اقصاء فكرة او جماعة عن الخارطة الجيوسياسية بمنطق الرصاص او بالتصورات الأيديولوجية.
هذا الاستخلاص أعاد الجميع الى مربع الواقع لكن دون تنازلات، فحماس التي لن تعود سلطة في اليوم التالي للحرب وفق السيناريوهات السياسية والأمنية التي يرسمها البعض دوليا وإقليميا سوف تتمسك ببقائها حاضرا ولاعبا أساسيا، كما ان اسرئيل التي لم تعد هي الأخرى دولة لا تقهر بعدما تهشمت صورتها العسكرية والأمنية في السابع من أكتوبر لن تكتفي بالمذبحة لترميم الردع، مما يعني ان الجميع لن يقبلوا بسيناريوهات النهاية تلك ببساطة، وان كلا منهما سوف يتمترس حول معركة بلا خطوط رجعه.
فرص اخراج حماس من المشهد
يبدو ان هذه الحرب بكل ما حملته معها من تداعيات واهداف مكنت حماس من فرض فكرة ان نهايتها عسكريا مستحيلة وان تجاوزها سياسيا هو الاخر لا يقل استحالة عن الفكرة السابقة وان القضاء عليها بحسب المفهوم الإسرائيلي لا يعدو كونه لغة اقصائية لمن لا يملك استراتيجية او تصورا لما بعد هذه الحرب.
حماس عبرت عن هذه الفكرة بالتزامن مع التداول الأمريكي لمستقبل غزة بعد الحرب حيث اعلن القيادي في حركة «حماس» ، أسامة حمدان، أن حركته لن تقبل بـ«وصاية» على قطاع غزة، رافضاً إمرار خطط لـ«عزل حماس» مضيفا «للذين يظنون أن (حماس) ذاهبة، ستبقى (حماس) ضمير شعبنا وتطلعاته، ولن تستطيع قوة في الأرض انتزاعها أو تهميشها»، مضيفاً أن «مخططات أميركا والاحتلال أحلام، وجزء من حرب نفسية نرجو ألا يتورط بها أحد».
المرونة التي ابداها القيادي بحركة حماس موسى أبو مرزوق تشير ان الحركة قادرة على التكيف مع التصورات التي يراها العالم لمسقبل غزة بعد الحرب وتسعي ان تكون جزء من المشهد حيث قال أبو مرزوق إن حركته تسعى إلى أن تكون جزءاً من منظمة التحرير الفلسطينية، وإنها سوف تحترم التزامات المنظمة، موضحا خلال اجابته عن سؤال بشأن موقف الحركة من إسرائيل، إن الإسرائيليين "يجب أن يحصلوا على حقوقهم، ولكن ليس على حساب الآخرين".
هذا التوجه أشار له عضو المكتب السياسي لحركة حماس حسام بدران، عندما قال في تصريحات صحفية "نحن لا نقاتل فقط لأننا نريد القتال"، مضيفا "نحن لسنا من أنصار لعبة محصلتها صفر.. نريد أن تنتهي الحرب.. نريد إقامة دولة فلسطينية في غزة والضفة الغربية والقدس".
الحديث عن مستقبل غزة واليوم التالي كان محط نقاش بين حماس وفتح كما كشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، حيث زعماء حركة حماس "محادثات سرية" مع حركة فتح، بشأن حكم غزة بعد نهاية الحرب مع إسرائيل. موضحة أن هذه المحادثات تمثل "أوضح علامة على أن الفصيل السياسي لحماس بدأ التخطيط لما سيأتي بعد نهاية الصراع".
وكان رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية، قال أن حماس جزء من الخارطة السياسية الفلسطينية، وإذا ادعت إسرائيل أنها ستزيل حماس، فهذا لن يحصل، ومرفوض بالنسبة لنا".
الى ذلك سلطت مجلة "فورين بوليسي" الضوء على مصير حركة حماس أن الحركة لن تختفي من المعادلة بمجرد انتهاء الحرب على غزة، وستظل حماس أيا كان شكلها في المستقبل تلعب دورا ولو ثانويا في حكم غزة يقبله العرب والإسرائيليين، حتى إذا نجحت إسرائيل في القضاء على قادة حماس العسكريين الحاليين، فإن السيناريو المتوقع هو قبول العرب والإسرائيليين لأن تلعب النسخة المعدلة من حماس دورا ثانويا في حكم غزة. ومن المرجح، أن تقبل بعض الشخصيات من القيادة السياسية لحركة حماس الموجودة في الخارج، خاصة الزعيم السياسي للجماعة المقيم في قطر، إسماعيل هنية، أن تصبح جزءا من الشراكة الوطنية المقترحة.
في الاطار ذاته يقول الكاتب والسياسي الفلسطيني نبيل عمرو ضلَّلت إسرائيل العالمَ حين أعلنت أنَّها بصدد اقتلاع حماس من جذورها، فصدّق من صدّق، وتشكّك من تشكك، إلى أن تبلور ما يشبه الإجماع على استحالة التصفية وحتمية الذهاب إلى التسوية، حين تنجو حماس من التصفية الجذرية التي أرادتها إسرائيل وسعت إليها، فذلك لا يعني أنها انتقلت من موقع الفصيل الكبير إلى موقع القائد المقرر في الشأن الفلسطيني، فهي لن تكون بديلاً عن «فتح» والمنظمة بل ستكون شريكاً.
وجود حماس كجزء من مستقبل غزة بعد الحرب ليس خيارا بل مطلب إقليميا كما نقلت قناة i24 العبرية أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يرى أن حماس جزء من مستقبل قطاع غزة بعد الحرب على نحو يتعارض بالمطلق مع موقف قادة إسرائيل والموقف الامريكي الذي يدعو لإعادة هيكلة السلطة الفلسطينية تمهيدا لاستلام الحكم في قطاع غزة بعد انتهاء الحرب وأكد مسؤولون مصريون أن أي حديث عن غياب كامل لـ"حماس" بعد الحرب لن يكون واقعيا، وأنه سيكون من الأفضل البحث عن صيغ توافقية تراعي التركيبة السياسية في القطاع.
بدورها تقول الكاتبة تهاني مصطفي من المرجح أن تنجو حماس، بشكل ما، رغم هدف إسرائيل المعلن بمحوها عن الخريطة، وسيكون لبقائها ككيان سياسي تداعيات واسعة وبعيدة المدى على الجميع في إسرائيل والأراضي الفلسطينية كما ستكون أي محاولة لفرض نظام سيطرة شبيه بذاك القائم في الضفة الغربية على قطاع غزّة مستحيلاً، لقد قالت إسرائيل إنها ستحتفظ بالسيطرة الأمنية الكلية على القطاع لكنها لم توضح أي نوع من الإدارة تعتزم فرضه على المنطقة، ومن المرجح أن يصبح قطاع غزّة غير قابل للحكم.
هل تتخلى اسرائيل عن أهدافها
لازال قادة الحرب في تل ابيب يتمسكون برواية النصر وانهم لن يقبلوا بأقل من ذلك ثمنا كما ان وقف الحرب يعني انتصار حماس، كما ظل يردد نتنياهو على الدوام رغم المتغيرات التي طرأت على المواقف المعلنة والتي بدات بالقضاء على حماس وانتهت الى تصورات سياسية لغزة دون التنظيم كسلطة لكن هذه الرؤية لا يمكن هي الأخرى تحقيقها في ميدان الرماية.
عدم الإجابة إسرائيليا على سؤال اليوم التالي للحرب يؤكد ان تل ابيب ستواصل شق طريقها نحو جزء من أهدافها والتي لم يتمكن المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية إيلون ليفي، او يوضحها خلال مؤتمر صحفي، واكتفي بالقول «ليس لدينا ما نوضحه أكثر من ذلك»، ليعود مجددا للتأكيد إن إسرائيل لن توافق على اتفاق، مع حركة (حماس) بشأن وقف إطلاق النار، يسمح باستمرار احتجاز الرهائن في غزة، أو بقاء «حماس» في السلطة بالقطاع، مضيفا إن أهداف الحرب لم تتغير، وهي "تدمير قدرات (حماس) الإدارية والعسكرية في قطاع غزة"
لكن فكرة سحق حماس بالدبابة وحدها غير كافية، وان القضاء عليها في ساحة الحرب غير واقعية كما يرى الرئيس السابق لجهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي أو ما يُعرف بـ"الشاباك" عامي أيالون الذى قال إذا كان المستقبل أو اليوم التالي سيكون وقف إطلاق النار لمدة شهر أو ثلاثة أشهر أو أي شيء آخر، فأنا أعلم تمامًا أنه بدون إطار الدولتين، لن يتم تدمير حماس. ستزدهر حماس من جديد.."، مضيفا: "علينا أن نفهم أن هذه الحرب تجري على جبهتين، الأولى هي ساحة المعركة، والأخرى هي حرب الأفكار، ولن تُهزم حماس إلا على الجبهة الثانية وحرب الأفكار، إن الهزيمة الكبرى التي ستتلقاها حماس هو مستقبل حل الدولتين.
بدوره يرى الكاتب لدان بيري أنه إذا كانت إسرائيل جادة فيما يتعلق بهدف التخلص من حماس من كامل قطاع غزة، فإنها ستواجه "تحدياً حقيقياً". مضيفا إن حماس "يمكنها أن تصمد وتتحدى إسرائيل بأن تهاجم الجنوب، الذي يقيم فيه الآن مليوني شخص، من بينهم النازحون من الشمال"، و "تراهن (حماس) على أن العالم، وبخاصة الولايات المتحدة، سيجبر إسرائيل على التوقف وإعطاء الأولوية للرهائن والموافقة على صفقة تتيح لحماس البقاء في السلطة".
في السياق قال الرئيس الأسبق لجهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشاباك) كرمي غيلون إن الحرب في غزة انتهت، وإن إطلاق النار قد يتوقف لمدة تصل إلى 5 أو 6 سنوات. ورأى غيلون أن (حماس) تلقت "ضربة قوية" في هذه الحرب الانتقامية، حسب وصفه. مضيفا انها "ستبقى هي الهيئة الحاكمة في القطاع ما دام هناك فراغ وليس هناك من يملؤه حتى الآن".
الشكوك حيال وجود خطة اسرائيلية لما بعد الحرب خلق حالة من الجدل والإحباط في الأوساط السياسية كما يرى الخبير في مركز الأهرام للدراسات الأمنية والاستراتيجية بشير عبد الفتاح، ، أن حكومة بنيامين نتنياهو لا تملك تصورا واقعيا ومتكاملا بشأن وضع غزة ما بعد الحرب، ويذكر بأن كل المقترحات التي أعلنتها في وقت سابق لم تلق ترحيبا أو موافقة من قبل حلفائها الأساسيين، على رأسهم الولايات المتحدة، ناهيك عن الموقف الرافض للدول العربية الفاعلة بشكل مباشر في الملف وعلى رأسها الأردن ومصر.
يقول الخبير الاستراتيجي الأميركي، بيتر آليكس هناك تضارب بالمواقف الإسرائيلية على المستويين السياسي والعسكري تجاه مستقبل غزة، مضيفا ان حركة حماس جزء من المعادلة، وقبل ذلك فهي جزء من الشعب الفلسطيني الذي هو صاحب الحق في تحديد مستقبل غزة وكل فلسطين، وبعد ما نراه من تماسكها بالحرب، فلا أحد يستطيع الحديث عن مستقبل غزة. وان الخطط الإسرائيلية والأميركية تهدف إلى القضاء على غزة وليس حكمها.