لماذا فشل ادخال المساعدات رغم القرارات العربية والدولية؟

ادخال المساعدات إلى غزة
ادخال المساعدات إلى غزة

لم يقتصر الفشل الدولي والعربي في وقف الحرب على قطاع غزة وتطبيق قواعد القانون الدولي عند هذا الحد بل امتد ليصل الى عدم القدرة على ادخال المساعدات الإنسانية الطارئة والكافية والمستدامة رغم القرارات الأممية التي واكبت مجريات هذا العدوان والدعوات والتحذيرات من كارثة إنسانية فاقت في اثارها وتداعياتها كل تصور بحسب التقارير والتصريحات الأممية.

إخفاق يعود مرده بحسب الكثيرين الى اختلال المنظومة الدولية وازدواجية المعايير وضعف اليات العدالة التي رافقها حالة من العجز العربي المزمن في الضغط على العالم وكيان الاحتلال وتنفيذ قراراتها في ادخال المساعدات الاغاثية والمكدسة على الجانب الاخر من معبر رفح الى السكان المحاصرين والنازحين حيث بدا خطر المجاعة يلوح في الأفق هذا الفشل والعجز دفع بالعديد من المؤسسات الإنسانية الى حد وصفه بالشراكة في المذبحة

فشل انساني

"البشرية فشلت فشلاً مدويًا" هكذا اختصر مندوب فلسطين في الأمم المتحدة رياض منصور المشهد في الأيام الاولي للحرب بعد تصويت مجلس الامن على هدن إنسانية لكن العبارة ظلت حاضرة الى اليوم بعدما تفاقم العجز حيث عادت وزيرة الخارجية السلوفينية، تانيا فاجون، الى التأكيد عليها قائلة ان العالم "فشل في اختبارات الإنسانية"

حالة الشلل التي اصابت المؤسسات الدولية في مساعدة غزة وأشار لها علانية الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش عندما قال أن المؤسسات العالمية "ضعيفة وعفا عليها الزمن، ولمّا تزل عالقة في فترة زمنية مضى عليها 80 عاما". موضحا سبب استخدامه المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة، من اجل الضغط وتجنب وقوع كارثة إنسانية. لكن للأسف، فشل مجلس الأمن في القيام بذلك، لكن، لن أستسلم".

المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، فيليب لازاريني، كان قد استبق كل هذه المداولات بالتأكيد أنّ الترتيب الراهن لإدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة عبر معبر رفح الحدودي مع مصر "محكوم عليه بالفشل". فيما اكدت مسؤولة المساعدات البارزة بالأمم المتحدة ليزا دوتن، أمام مجلس الأمن الدولي، "ضرورة وجود أكثر من نقطة دخول إلى غزة إذا أردنا إحداث الفارق.

وضع مستحيل.. هكذا وصف منسق شؤون الإغاثة بالأمم المتحدة، مارتن غريفيث، حالة الإحباط الناتج عن عملية إيصال المساعدات إلى غزة، حيث تؤثر أزمة الجوع الحادة على الملايين في الوقت الذي تواصل فيه إسرائيل هجومها ضد حماس. مضيفا ان هناك عددًا من التحديات، التي تعترش إيصال المساعدات وذكر "القصف المستمر والاتصالات السيئة والطرق المتضررة، وتعرض القوافل لإطلاق النار والتأخير عند نقاط التفتيش"

بدورها أكدت المتحدثة الإقليمية باسم برنامج الأغذية العالمي ريم ندا إن "الممرات الإنسانية لا تزال غير كافية بالمرة بالنظر إلى حجم الاحتياجات في القطاع". مشيرة إلى أن هناك شخصا من كل أربعة أشخاص في غزة "يعاني من ظروف تشبه المجاعة أي ما يوازي نصف مليون شخص في القطاع يعانون من نقص كامل في الغذاء". مضيفة أن البرنامج لا يستطيع الوصول إلا إلى جزء صغير من الأشخاص الذين هم في أمس الحاجة للمساعدة كل يوم وفي مواقع محدودة للغاية وأن ما يفعله وغيره من الوكالات الإنسانية الآن ليس كافيا.

ما جري في غزة كشف جانبا مظلما من العالم بعدما توقف عاجزا امام هذه المذبحة مما دفع بالعديد الى المطالبة بإعادة النظر في هذه الهيئات والمؤسسات الدولية حيث دعت مستشارة عدالة النوع الاجتماعي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة أوكسفام هديل قزاز الى ضرورة إعادة هيكلة نظام الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، الذي لا يخدم البشرية في ظل حق النقض الفيتو، وطالما أن هذا النظام عاجز عن ردع دولة تنتهك قواعد القانون الدولي الإنساني بشكل واضح. ورأت ان الحل، يكمن في أمرَين: توقيع ونشر الحملة الدولية لوقف إطلاق نار فوري، إذ لا يمكن إدخال المساعدات تحت القصف، وفتح جميع المعابر، وعدم الاكتفاء بمعبر رفح.

هذا الفشل في ادخال المساعدات كان ذريعة لإسرائيل صاحبة المذبحة التي انتقدت هي الأخرى الأمم المتحدة حيث أكد الرئيس الاسرائيلي يتسحاق هرتسوغ أن الأمم المتحدة فشلت في التعامل مع كمية المساعدات التي تقوم إسرائيل بتفتيشها، وأن المنظمة الدولية هي المسؤولة عن قلة المساعدات التي تدخل القطاع حتى بعد أن فتحت إسرائيل معبر كرم أبو سالم لتسهيل العملية. مضيفا نتيجة الفشل الذريع للأمم المتحدة في عملها مع الشركاء الآخرين في المنطقة، لم يتمكنوا من إدخال أكثر من 125 شاحنة [مساعدات] يوميا”.

عجز عربي

اتهام الاحتلال لمصر امام العدل الدولية انها هي من تمنع دخول المساعدات الى قطاع غزة يحيلك الى صورة اخرى رغم كذب هذا الادعاء الا انه يغطي جزء من الحقيقة ان حالة العجز والضعف العربي هي من افضت الى تعميق المأساة الإنسانية في قطاع غزة رغم ما صدر من قرارات عن القمم العربية في الرياض والدعوات الأممية لإدخال المساعدات والتي ظلت حبرا او عجزا على ورق.

كسر حصار غزة وإدخال المساعدات الإنسانية وكبح جماح العدوان الى جانب 31 بندا كان ابرز مقررات قمة الرياض والتي جاءت على عجل في رسالة ضمنية كما يبدو ان هذا كل ما يمكن فعله عربيا وهو ما تجلي وقتها في عبارة وزير الخارجية المصري، سامح شكري، " إن القاهرة لم تحصل على "إذن" لإدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة عبر معبر رفح، فيما واصلت الفصائل الفلسطينية مناشدة مصر فتح المعبر وإدخال المساعدات وإنقاذ أرواح الأبرياء من هذه المحرقة .

هذا الواقع احاله الكاتب الصحفي أحمد السيد النجار الى تساؤل من أعطى الكيان الصهيوني السلطة على تمرير المساعدات أو التجارة بين مصر وقطاع غزة رغم أن الحدود بينهما مباشرة؟ مخاطبا الحكومات جربوا اختبار سقوف رد الفعل ووراءكم شعوبكم وسيدعمكم كل أحرار العالم وحتى العديد من الحكومات الغربية التي لا تتطابق كليا مع الإجرام الصهيوني الذي لن يتوقف عند حدود فلسطين لو لم يتم ردعه، واطلبوا رسميا من الدول العربية والإسلامية التي قررت إدخال المساعدات لغزة أن تكون قوة حماية دولية لقوافل المساعدات.

بدوره اعتبر المحلل في الشؤون الدولية حسام شاكر إن الغطاء الجماعي المشترك بين العرب والمسلمين يفترض أن يوفر مظلة كافية لأي خطوة عربية باتجاه إدخال قوافل إنسانية إلى قطاع غزة غير أن القمة العربية والإسلامية التي انعقدت مؤخرا في الرياض، تفتقد إلى الإرادة السياسية، مرجحا أن يكون العجز العربي في حالة غزة يعود للخوف من الاحتلال الإسرائيلي الذي قال إنه يرعب الإقليم بما يفعله بالفلسطينيين في غزة

ويرى الباحث الفلسطيني عبد الله معروف أن الدول الأوروبية والغربية لا تنظر إلى المجتمع الغزي نظرتها إلى المجتمع الأوروبي، لذا لم تهتم بإدخال المساعدات المتكدسة كما اهتمت بإجلاء رعاياها. موضحا ان "إسرائيل" تنظر إلى هذه المساعدات على أنها لا تمثل دولة بعينها ولا تمثل مصلحة سياسية، لذلك يتم تأخير أو تأجيل دخولها". مشيرا إلى أن أبسط طريقة لإدخال المساعدات "تتمثل من خلال مرافقة دبلوماسيين للقوافل، ومن ثم تضطر "إسرائيل" إلى الامتناع عن مهاجمتها

يقول الكاتب رضوان زيادة ان القمة العربية فشلت في تقديم خطوات عملية يمكنها أن تساعد الفلسطينيين في غزة اليوم، فقد فشل العرب في تقديم خطوات عملية على الأقل في تخفيف آثار العدوان اليوم بشكل سريع وحاسم من مثل تنسيق المساعدات الطبية والإنسانية فضلا عن آليات سياسية من أجل الضغط على إسرائيل لوقف عدوانها، والضغط على الولايات المتحدة من أجل تغيير موقفها والمطالبة بوقف فوري لإطلاق النار، فضلا عن خطط عملية من أجل مساعدة النازحين الذين يفوق عددهم المليون .

انحياز وتواطئ

ربما هو الجزء الاسواء من سيناريو العجز والفشل ان ما يجري من تعطيل لإدخال المساعدات وثيق الصلة بمخطط يتماشى وفق ما تشتهيه إسرائيل في اطار تصوراتها عن المعركة والتي لا تجري بمعزل عن سلاح التجويع والتركيع الذى اعلنه قادة الحرب في تل ابيب منذ اليوم الأول لهذه المذبحة وتساوقت معها العديد من الدول قبل مراجعة مواقفها لدرء الضرر الاخلاقي

محاصرة كل سبيل للإغاثة او مساعدة المدنيين ترجمه قرار اعلان الحرب على وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الاونروا بعد اتهام إسرائيلي تساوق معه العديد من الدول على وجه السرعة بمن فيها الولايات المتحدة وإيطاليا وكندا وأستراليا وبريطانيا وفنلندا حول مشاركة بعض موظفي الاونروا في احداث السابع من أكتوبر دون دلائل واضحة  مما يؤكد هذا الاتجاه الساعي الى اطباق الحصار وقطع اهم شرايين الإغاثة والدعم الإنساني لقطاع غزة

الرغبة الاسرائيلية في انهاء عمل الاونروا أي كانت اسبابه السياسية الا ان تل ابيب لم تخف في يوما رغبتها في القضاء على هذه المؤسسة والتي توفر سبل الصمود للفلسطينيين وفق ما أعلنه رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو "الوقت قد حان لكي يفهم المجتمع الدولي والأمم المتحدة نفسها أن مهمة الأونروا يجب أن تنتهي"، معتبرا أن "هناك وكالات أخرى تابعة للأمم المتحدة، ومنظمات دولة أخرى، يجب أن تحل محل أونروا".

ما يؤكد هذا المنحى هو ما اعلنته منظمة أطباء بلا حدود التي قالت بصريح العبارة ان عدم تحرك مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة واستخدام حق النقض (الفيتو) من قبل الدول (الدائمة العضوية) لاسيما الولايات المتحدة، يجعلها شريكا في المجزرة الجارية؛ أعطى هذا التقاعس رخصة قتل جماعي للرجال والنساء والأطفال". وتابعت "سيحكم التاريخ على التأخير في إنهاء هذه المذبحة؛ فالحد الأدنى من الإنسانية يقتضي التحرك"

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo