احتلال بقفازات واستدامة الصراع

خطة غالانت لليوم التالي في غزة.. تدوير الزوايا

غالانت
غالانت

التصور الإسرائيلي عن ترتيبات اليوم التالي في غزة الذى قدمه وزير الحرب الإسرائيلي يواف غالانت او خطة الزوايا الأربعة كما اسماها، بدت وكأنها محاولة للخروج من اتهام انعدام الرؤية الذى رافق اهداف هذه الحرب وتحت ضغط المطالبات المتزايدة خاصة الامريكية حول سيناريو نهاية المعركة، بعدما نفذ التفويض والوقت الدولي الممنوح لحسم المواجهة، وبعدما اتضح استحالة تحقيق أي من سقف الأهداف التي وضعهتا تل ابيب، دون ان تقدم إجابة سياسية او جدولا زمنيا واضحة لما ستئول اليه الأوضاع بعد هذه الحرب، ليخرج غالانت أخيرا بتصورات غير رسمية حتى الان، كونها تحتاج الى توافقات أقلها إسرائيلية مع بروز الانقسامات الداخلية، لكن التحدي الأكبر يتمثل في الحصول على توافقات دولية وعربية خاصة حول هذه الخطة التي يصفها الكثيرين بالمتطرفة وعدم الواقعية .

رؤية أمنية رمادية

ما لم تحققه إسرائيل من اهداف بالحرب تريده بوسائل اخرى هذا مفاد خطة جالانت المثيرة للجدل والتي قال انها جاءت بعد عمل طواقم الأجهزة الأمنية الإسرائيلية والمشاورات مع خبراء من خارج الأجهزة الأمنية لازالت تنتمي لحالة اللامعقولية التي تضرب التصورات والاهداف الإسرائيلية غير القابلة للتطبيق لا في ميدان الحرب ولا السياسية

التصورات الأمنية الإسرائيلية التي اطلقها غالانت لما بعد الحرب والتي تقوم على فكرة لا لاحتلال او أي تواجد مدني إسرائيلي في قطاع غزة ولا بقاء لحكم حماس في غزة تشكل في وجوهرها مقدمة للفوضي التي تريدها إسرائيل حيث احتقظ الاحتلال وفق الخطة بالسيطرة الأمنية التي تتيح له حرية القيام بالعمليات العسكرية فيما تتولى تل أبيب توجيه الأعمال المدنية وتفتيش البضائع.

ضبابية الرؤية الإسرائيلية عن اليوم التالي للحرب نقلتها تقارير إعلامية أمريكية حيث وصفت الغموض الذي يهيمن على خطة غالانت جعل من الصعب تقييم مدى تطابقها مع الدعوات الامريكية، ففى الوثيقة التى حملت عنوان "رؤية للمرحلة الثالثة" من الحرب، قال مكتب وزير الحرب الاسرائيلى إن المرحلة لم تبدأ بعد، وأشار إن الأفكار كانت سياسة جالانت وليست سياسة رسمية، ولم يوضح البيان كيف سيختلف النهج الجديد عن العمليات الحالية

الرد الفلسطيني على خطة جالانت جاء سريعا حيث صرح المتحدث باسم حركة "فتح" عبد الفتاح دولة، أن مقترحات وزير الحرب الإسرائيلي يوآف غالانت وتصوراته لمستقبل حكم قطاع غزة بعد انتهاء الحرب مرفوضة و"لا قيمة لها"، مضيفا أن "مقترح غالانت لا يمكن قبوله، وفلسطين لن يحكمها إلا الفلسطينيون، ونحن مَن سيحدد ويختار مَن يحكم فلسطين. هذه بلادنا

لكن فكرة غالانت لم تلق قبولا إسرائيليا حتى بحسب التقارير الإعلامية في ظل اتساع حدة الانقسامات الداخلية وهيمنة اليمين المتشدد والذى يطالب دفع المدنيين الفلسطينيين في غزة إلى النزوح من القطاع، لكن المقترح المثير للجدل، يتعرض لانتقادات شديدة من دول في المنطقة وحلفاء لإسرائيل على اعتبار أنه "غير مجد، ومتطرف". ورغم أن خطة غالانت تبدو أكثر قابلية للتنفيذ، إلا أنها في الغالب ستقابل بالرفض من قبل الفلسطينيين

قوة متعددة الجنسيات

الحديث الاسرائيلي عن قوة متعددة الجنسيات تحت اشراف الولايات المتحدة ومشاركة بعض الأطراف العربية الاقليمية والتي تتمتع بصداقات مع كيان الاحتلال خاصة من دول الاتفاقات الابراهيمية قد لا يكون جديدا، لكن هذا المقترح لم يحظ من قبل بتاييد اسرائبلي داخلي خاصة وان وجود مثل هذه القوات لا يشكل ضمانة للامن بالنظر الى تجربة وجود اليونفيل في جنوب لبنان ما اعتبر دليل دامغ بحسب الإسرائيليين على عدم كفاءة الفكرة

الطرح الإسرائيلي يتقترب رويدا من الرؤية الامريكية دون ان يلامسها بشكل كبير في ما يتعلق بنشر قوات اجنبية او متعددة الحنسيات في غزة حيث اكد عضوان في مجلس الشيوخ أن المحادثات جارية لانشاء قوة متعددة الجنسيات في غزة بعد أن تقوم إسرائيل بالقضاء على "حماس"، وكشف السيناتوران كريس فان هولين وريتشارد بلومنثال إن هناك دبلوماسية مبكرة ومغلقة بشأن إنشاء قوة لحفظ السالم في غزة، على الرغم من أنه من غير المرجح أن تشمل قوات أميركية.

لكن هذه الفكرة لاقت رفض عربيا مبكرا حيث أكد نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية وشؤون المغتربين أيمن الصفدي أن الأردن يرفض أي حديث أو سيناريوهات يطلقها البعض عن مرحلة ما بعد الحرب على غزة، معتبراً أن ما يطرح من سيناريوهات في هذا السياق "غير واقعي ومرفوض ولا يتعامل معها الأردن"، مؤكداً رفض الأردن لأي حديث عن “إدارة غزة ما بعد الحرب عبر قوات عربية أو غير عربية”، فيما اكدت القاهرة رفضها لهذه الخطة

رغم المواقف العربية القاطعة تجاه هذه الفكرة الا ان القيادي الفلسطيني البارز ناصر القدوة لم يستبعد أن يقبل الفلسطينيون "قوة عربية متعددة الجنسيات في غزة مع بعض الضمانات"، لمرافقة المرحلة الانتقالية، أي “قوة ليست قتالية لديها تفويض من القمة العربية أو مجلس الأمن لفترة قصيرة ومهمتها الرئيسية هي استعادة الأرض من الإسرائيليين وإعادتها إلى الفلسطينيين”. مضيفا إنه “بعد الحرب ستكون هناك حكومة إسرائيلية جديدة، وقيادة فلسطينية جديدة، وحماس جديدة”

وحول طبيعة هذه القوة المقترحة يقول الكاتب إبراهيم نوار ان التصورات القائمة بعد انتهاء المرحلة الانتقالية تدور حول إنشاء مجموعة أمنية عربية بالتنسيق مع إسرائيل، تتولى مسؤوليات الأمن بواسطة شرطة عربية متعددة الجنسيات وتكون تلك القوة بأكملها تحت قيادة ضابط برتبة كبيرة ينتمي إلى دولة عربية لا توجد لها حدود مشتركة مع إسرائيل. وطبقا لإحدى الدراسات في هذا الشأن فهناك اقتراح بأن تتولى المملكة المغربية قيادة القوة الأمنية المشتركة، وأن يكون مكتب الاتصال الأمني العربي – الإسرائيلي داخل الحدود المصرية المجاورة لقطاع غزة.

قالت الكاتبة لميس اندوني ان الإدارة المقترحة لإدارة غزّة في "المرحلة الانتقالية" تشمل دولا عربية، وإن لا يعني ذلك أن هناك موافقة عربية، لكن واشنطن تضغط في هذا الاتجاه، بل هناك تصريحات حيال ذلك، إذ يمكّن دخول دول عربية في مثل هذا الترتيب إسرائيل من شنّ الاعتقالات وتنفيذ الإبعاد، والاغتيالات، تحت غطاء عربي، خصوصا وأن إسرائيل تصرّ على أن يبقى الأمن تحت سيطرة جيشها إلى أمدٍ غير محدود، كل ما تقدّم لا يمكن تحقيقه من دون تعاون عربي، خصوصا وأن الدور المرسوم للسلطة الفلسطينية مؤجّل.

من يحكم غزة.. الفلسطيني الجيد

لقد طرح غالانت ضمن وثيقته تصور حول الجهة الفلسطينية التي ستتولي إدارة القطاع بعد انتهاء العمليات العسكرية دون ان يحدد ماهية هذه الجهة والتي لن تكون السلطة الفلسطينية بل مجموعة من المحليين من غير أعداء إسرائيل كما وصفهم وهي مقاربة لاعادة انتاج ما يعرف بروابط القري او إعادة تصميم التجربة اللحدية وان لم يكن على هيئة جيش بل كيانات محلية وظيفية.

ابعاد هذا التصور الإسرائيلي كشفته عن هيئة البث الإسرائيلية الرسمية قناة "كان" ان الخطة تتضمن تقسيم القطاع إلى مناطق تحكمها العشائر، وتتولى مسئولية توزيع المساعدات الإنسانية. زاعمة أن "هذه العشائر المعروفة لدى الجيش وجهاز الأمن العام (شاباك)، ستقوم بإدارة الحياة المدنية فى غزة لفترة مؤقتة دون تحديد المدة لكن قالت تقارير اخري اكدت ان هذه الخطة التى تتولى بموجبها عائلات كبيرة تعرف محلياً باسم "الحمائل"، إدارة وتوزيع المساعدات الإنسانية في القطاع لاقت رفضا من قبل العشائر

ما تكشف من معالم حول خطة غالانت وطبيعة الإدارة القادمة ذهب اليه رئيس الوزراء الفلسطيني، محمد أشتيّة، عندما قال في مقابلة نشرتها صحيفة “فايننشال تايمز إنّ “الناس بدؤوا يتحدّثون عن اليوم التالي، عن السلطة الفلسطينية التي ستحكم غزة مجدّداً” لكنّ إسرائيل “تريد أن تفصل سياسياً قطاع غزة عن الضفّة الغربية”. مضيفا لا أعتقد أنّ إسرائيل ستخرج من غزة قريباً، بل أعتقد أنّ إسرائيل ستنشئ إدارتها المدنية الخاصة التي ستعمل تحت سلطة جيشها المحتلّ. وبالتالي، فإنّ مسألة [اليوم التالي] ليست واضحة في الوقت الراهن.

سؤال من يحكم غزة او اليوم التالي يسبق خطة غالانت بمراحل وانشغلت به أوساط دولية وعربية حيث تمحورت السيناريوهات ما بين تسليمها للسلطة الفلسطينية أو لحكومة تكنوقراط، لكن دبلوماسيون دوليون اقترحوا اسم رئيس الوزراء الفلسطيني الأسبق سلام فياض لإدارة شؤون غزة بعد انتهاء الحرب، كما أشارت المصادر إلى أن بعض الأطراف الدولية المشاركة في النقاشات أبدت اهتمامها بفياض، لكنها أكدت أنه "في النهاية يجب أن يكون القرار فلسطينيا".

الى ذلك قالت ميراف زونسزين، وهي محللة بارزة في شؤون إسرائيل وفلسطين لدى مجموعة الأزمات الدولية، إن فكرة الرغبة في أن يتولى الفلسطينيون المحليون الحكم المحلي هي النهج الصحيح ولكن عليك أن تتركهم يختارون.

في السياق قال رئيس مركز القدس للدراسات أحمد رفيق عوض حول مضمون خطة وزير الحرب الاسرائيلي يوآف غالانت: ان ما تقدم به غالانت حول الاعتماد في فترة حكم غزة على ما يسمى بالكيانات محلية ليست سوى أفكار رديئة سابقة تم تطبيقها وتجريبها وفشلت ولا يمكن تطبيقها في الوقت الحالي. وان لا أحد باستطاعته المساس بالتمثيل الفلسطيني وهي منظمة التحرير الفلسطينية.

بدوره قال المحاضر الإسرائيلي في جامعة تل أبيب ميخائيل ميلشتاين ان السيناريوهات التي تلي إسقاط حماس في قطاع غزة، "كلها سيئة". مضيفا "حتى لو افترضنا أن اجتثاث حركة حماس وارد، فماذا بعد ذلك؟ احتلال إسرائيلي طويل الأمد، عملية عسكرية سريعة وخروج يخلّف فراغا؟ دخول السلطة الفلسطينية، أو هيئة حكم محلي بمساعدة مصر من عناصر محلية في القطاع، مثل رؤساء البلديات والقبائل، وشخصيات عامة بارزة، مع إدماج عناصر في السلطة، وبدعم خارجي فإن الحديث يدور حول هدف ليس واضح المعقولية".

تصورات غالانت.. الانتداب المصري

الدور المصري بحسب ما رسمه جالانت يتمحور ضمنا في اشراك مصر في خطة اليوم التالي كونها الدولة التي تشكل جسراً للدخول إلى القطاع والتي اكدت في أكثر من مناسبة رفضها لاي مقترحات حول فكرة العودة الى حكم القطاع لكن الحديث الاسرائيلي يدور حول تأمين فصل فعال للحدود بين غزة ومصر بوسائل تكنولوجية ومادية، وبشأن سيطرة مشتركة على دخول البضائع، وعن إقامة عائق تحت الأرض على محور فيلادلفيا.

الحديث عن دور مصر لا يكاد ينتهي في اورقة الساسة داخل تل ابيب وهو ما نقله السفير الإسرائيلي السابق لدى القاهرة، يتسحاق ليفانون، في مقال نشرته صحيفة "معاريف" العبرية، أن "الحل هو وجود مؤقت لمصر، لضبط النظام في قطاع غزة والإشراف على إعادة إعماره". على ان تدخل مصر في صورة انتداب على القطاع، على غرار الانتدابين البريطاني والفرنسي الذي كان في منطقتنا في القرن الماضي، وليس الهدف إعادة غزة إلى مصر، بل إعطاء مصر تفويضا مؤقتا للوجود في غزة.

في الإطار ذاته قال خبير العلاقات الدولية طارق البرديسي، إن فكرة الإنتداب المصري على قطاع غزة هو عبارة عن سيناريوهات تعكس التخبط الإسرائيلي، مشيراً إلى ان مصر هي التي تقرر وغزة هي التي تقرر من يحكمها، مضيفا أن إسرائيل هي التي تختلق المشاكل وتفتعل عدم الإستقرار وتتطوع محاولةً منها لفرض تصورات عفى عليها الزمن، مشيراً إلى ان ما يحدث الآن يشي بأن الأمر لم يعد كما كان في الماضي.

الموقف المصري الواضح والقاطع في رفض التعاطي مع هذه المقترحات حدده الأمين العام للمجلس المصري للشؤون الخارجية، علي الحفني، بالقول ان أي أطروحات متداولة في إسرائيل أو بعض الأوساط في العالم الغربي بشأن موقف إدارة قطاع غزة "لا نتعاطى معها"، ومواقفنا ثابتة ونرى أن هذه الأرض محتلة، على إسرائيل التزامات ومسؤليات بموجب القوانين الدولية ويجب أن تضطلع بها.

وكانت القاهرة أكدت رفضها اقتراحا بأن تدير مصر الأمن في قطاع غزة حتى تتمكن السلطة الفلسطينية من تولي المسؤولية بعد هزيمة حماس، وفقا لما نقلته صحيفة “وول ستريت جورنال” عن مسؤولين مصريين كبار لم تكشف هويتهم، ان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، اكد خلال لقاء جمعه مع مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، ويليام بيرنز، إن مصر لن تلعب دورا في القضاء على حماس؛ لأنها تحتاج إلى الحركة المسلحة للمساعدة في الحفاظ على الأمن على حدود البلاد مع قطاع غزة.

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo