تسليح المستوطنين..

نكبة جديدة تنتظر الفلسطينين في الضفة

تسليح المستوطنين في الضفة
تسليح المستوطنين في الضفة

ما يجري في الضفة الغربية من تصعيد غير مسبوق في وتيرة العنف الذي يقوده المستوطنين منذ السابع من أكتوبر يسير بالتوازي مع ما يحدث في غزة من حرب إبادة اتضحت معالمها السياسية بشكل جلى في أهداف لا تقتصر في ابعادها على غزة ولا تتعلق بالرد العسكري على ماجري في طوفان الاقصى بل بمخطط بعيد طالما داعب مخيال اليمين الإسرائيلي المتطرف منذ صعوده الى سدة القرار في تل ابيب، والمتعلق بمخطط الترانسفير والتهجير القسري وبدأت خطواته الاولى من خلال قرار تسليح المستوطنين وتشكيل الميليشيات الذى رسمه وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، من خلال منح تصاريح حمل السلاح لليهود هذا التوجه اثار قلق الجميع إقليميا ودوليا وامتدت هذه المخاوف الى ان تسللت للمجتمع الإسرائيلي باعتبار ان هذا الخطر لن يتوقف عند حدود الفلسطينين بل سيمتد ليطال الإسرائيليين أنفسهم.

مليشيا بن غفير ... مقدمات التهجير

وزير الحرائق هكذا وصفت صحيفة ليبراسيون الفرنسية في تقرير لها قرار وزير الحرب ايتمار بن غفير تسليح المستوطنين في الضفة الغربية والذي يتجاوز حالة القلق الأمني الى سياسة ممنهجة تحاول هذه العناصر المتطرفة في ائتلاف بنيامين نتنياهو الى الدفع بها مستغلة الحدث لتنفيذه كواقع والامعان في مخططات التهجير وافراغ الأرض من سكانها.

اطلاق العنان لقطعان المستوطنين في الضفة الغربية بعد قرار تخفيف القيود على اقتناء الأسلحة النارية وتشريع القوانين التي تتيح حمل الأسلحة يرسم صورة الواقع القادم لمستقبل الضفة الغربية وهو ما تكشفه الأرقام بحسب لجنة الأمن الوطني الإسرائيلية، التي قالت إنه مع اندلاع الحرب، تلقت نحو 18 ألف طلب جديد لحمل أسلحة نارية خاصة، منذ بدء القتال، وتم إصدار 1620 تصريحًا مشروطًا، و2286 رخصة جديدة، مُشيرة إلى أنه بداية من 2023 تم إصدار نحو 24600 تصريح لحمل الأسلحة النارية الخاصة للمواطنين، مقابل 12897 في 2022، و10064 في 2021.

هذا المخطط كشفت عنه صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية بعد منشور وزعه مستوطنين في الضفة، يهددون فيه أهلها بالترحيل القسري إلى الأردن. وجاء في المنشور أن "حركة حماس ارتكبت أكبر خطأ تاريخي معلنة الحرب علينا" رغم ان المشنور لم يكن يحمل توقيع أي جهة، لكنه خاطب الفلسطينيين بـ"أهالي العدو في الضفة اليهودية"، وتابع: "أردتم نكبة مثيلة بـ1948، فوالله سننزل على رؤوسكم الطامة الكبرى قريبا"، مضيفا أن أمامهم فرصة "للهروب إلى الأردن قبل أن نطردكم بالقوة".

خطوات عملية

تصاعد الهجمات على القري الفلسطينية وعمليات الاستباحة والقتل دون رادع بعد تاريخ 7 اكتوبر كانت دليل دامغ على هذا التوجه حيث لا يكاد يمضي يوما دون تنفيذ هجمات تحمل بصمات هذه المليشيات من عمليات تخريب وحرق لممتلكات المواطنين في القري المحاذية للمستوطنات والاعتداء على المزارعين وهي هجمات وصلت بحسب التقارير الدولية والإعلامية هذا العام إلى أعلى مستوياتها منذ أكثر من 15 عاما .

هذا العنف من قبل المستوطنين دفع بصحيفة الغارديان البريطانية الى الحديث عن ان ما يجري في الضفة الغربية بانه نكبة جديدة تنتظر الفلسطينين كما وثقت مراسلة الصحيفة خلال زيارتها مسافر يطا وخربة الرثيم وسوسيا العديد من هذه الوقائع والانتهاكات مما دفع بالعديد من السكان الى هجرة هذه القرى الى مناطق مجاورة.

منظمة بتسيلم الحقوقية الإسرائيلية، اطلقت الى جانب منظمات حقوقية اخري نداء للمجتمع الدولي لوقف تهجير تجمعات سكانية فلسطينية قسريا موكدتا ان حكومة الاحتلال هي من تدعم هذا التوجه حيث وثقت المنظمة عمليات الهجرة للفلسطينين على اثر هجمات المستوطنين وأكدت انه خلال الأسابيع الثلاثة من بداية هذه الحرب هجر اكثر من 858 فلسطينيا من 32 مجتمعا مختلفا، و13 مجتمعا بأكمله قسرا، والأعداد تتزايد كل يوم.

بدوره قال المدير التنفيذي لمنظمة لييش دين الإسرائيلية، ستيف ستال لقد أصبحت ظاهرة الوقوف مكتوفي الأيدي أقرب إلى "الوقوف معاً"، مشيراً إلى العدد المتزايد من الحوادث التي لا يكتفي فيها الجنود بعدم التدخل بل يتواطؤون مع المستوطنين في مهاجمة الفلسطينيين. لقد أصبح عدم قيام الجنود بكبح جماح مثل تلك الأفعال متكرراً وواضحاً إلى درجة أن رئيس أركان جيش الاحتلال هرتسي هليفي، شعر بضرورة معالجتها حيث قال: “يدفع الإرهاب وتداعياته الصعبة بعض الناس إلى ارتكاب أفعال محظورة قانونياً وأخلاقياً.

في السياق ذاته يقول الكاتب عماد عبد الرحمن ان الهدف الابعد الوصول لتسليح أكثر من 400 ألف مستوطن في الضفة الغربية وحدها، من أصل 700 الف يقيمون في الضفة بصورة غير قانونية، وهو ما يثير تساؤلات عن الغاية من حملة التسليح هذه؟ وهل سيتحول المجتمع الاسرائيلي إلى عصابات مسلحة ترهب المواطنين الفلسطينيين الآمنين في مدنهم وقراهم؟، وهو الامر الذي يعيدنا الى أجواء ما قبل نكبة عام 1948 عندما إنتشرت عصابات الهاغاناه التي نفذت اعتداءاتها الارهابية على المواطنين الفلسطينيين.

قلق عربي ودولي من تسليح المستوطنين

هذه المخاوف لم تكن مجرد تقارير تناقلتها منظمات دولية او وسائل الاعلام بل هي حقائق اكدتها مستويات رسمية فلسطينية وعربية وغربية ان ما يجري في الضفة الغربية يحمل بصمات هذا المخطط بعدما اطلقت حكومة نتنياهو العنان لقطعان المستوطنين المتطرفين لضم المزيد من الأراضي وتوسيع المشروع الاستيطاني وصولا الى تحقيق الهدف الأساسي وهو التهجير

مخطط النكبة الجديدة ظل يلوح امام اعين الفلسطينين في الضفة وعبرت عنه مستويات عدة في السلطة الفلسطينية حيث قال وزير الخارجية الفلسطيني، رياض المالكي، إن "إرهاب" المستوطنين بالضفة الغربية المحتلة يتواصل "بتسليح وحماية رسمية" إسرائيلية. مضيفا تم تسليح المستوطن من قبل دولة الاحتلال وتدريبه على قتل الفلسطيني، وحمايته من قبل جيش الاحتلال، ودعمه عبر التشريعات التي يصيغها القتلة أنفسهم".

الأردن كانت الاكثر استشعارا من غيرها بهذا الخطر المحدق من غيرها كون ان هذا المخطط يستهدفها بالأساس من خلال الحديث الإسرائيلي بدفع سكان الضفة الى الهجرة للاردن كما هو الحال بمخطط دفع سكان القطاع الى صحراء سيناء حيث أعرب وزير الاتصال الحكومي الناطق باسم الحكومة الأردنية مهند المبيضين، عن رفض بلاده مسألة تهجير الفلسطينيين من الضفة الغربية إلى الأردن، مشيراً إلى تعرض الضفة لـ"ظروف وضغوط كبيرة" من "المستوطنين" الإسرائيليين، إضافة إلى "اقتحامات" متكررة.

هذه المخاوف شاركها كذلك الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط عندما حذر من أن حكومة اليمين الإسرائيلي يقودها المستوطنون وعمادها المشروع الاستيطاني، وهي تدفع الأمور إلى حافة الهاوية عبر حمايتها لهذه الممارسات وتسليحها للمستوطنين مؤكداً أن الهدف الحقيقي هو دفع الفلسطينيين لترك أراضيهم وتهجيرهم قسرياً على مراحل، وأن ضم مناطق واسعة من الضفة بعد تفريغها من الفلسطينيين لا زال هدفاً إسرائيلياً، وأن الحكومة الحالية لن تتورع عن تطبيق الترانسفير لدفع الفلسطينيين خارج الحدود.

المواقف الغربية هي الأخرى ذهبت صوب التعبير عن قلها من تزايد إرهاب المستوطنين حيث نددت فرنسا بعنف المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية ووصفته بأنه "سياسة إرهاب" تهدف إلى تهجير الفلسطينيين، في سياق الحرب على غزة ، كما نددت المانيا بهذه الهجمات وطالبنت نتنياهو الى ادانة هذا الجرائم التي يقترفها المستوطنين في الضفة.

الولايات المتحدة التي منحت تل ابيب الضوء الأخضر لحرب الإبادة في غزة لم تخف هي الأخرى قلقها من ما يجري في الضفة وان لم يكن هذا الموقف ذو جدوى لكن تقارير اعلامية تحدثت عن مخاوف الولايات المتحدة. من توزيع الأسلحة منذ بداية الحرب دون وجود معايير واضحة حيث تتهم الولايات المتحدة بشكل واضح إيتمار بن غفير والوزير بتسلإيل سموتريتش بأنهما معنيان بتفجير الأوضاع هناك، بحيث يستغل الوزيران هذه الأوضاع لرفع حدة التنكيل بالفلسطينيين وفرض أمر واقع في الضفة الغربية والقدس.

الى ذلك اشارت تقارير إعلامية إلى أن إسرائيل قدمت طلبًا لشراء 24 ألف قطعة سلاح آلي من أنواع مختلفة على رأسها بنادق M4 وMK18 التي يخشى نواب أميركيون أن تسلمها إسرائيل للمستوطنين.

عسكرة المجتمع الإسرائيلي

ابعاد هذه السياسة دفعت بالمخاوف حتي داخل كيان الاحتلال نفسه الذى استشعر بمخاطر تسليح الستوطنين على مستقبل المجتمع الإسرائيلي مما دفع برئيس شعبة ترخيص الأسلحة النارية بوزارة الأمن القومي الإسرائيلية إسرائيل أفيشر الى تقديم استقالته من منصبه، الذي شغله على مدى 6 سنوات، على خلفية تصرفات وزير الأمن القومي زعيم حزب القوة اليهودية اليميني المتطرف بن غفير، وتوزيع السلاح بدون معايير على المستوطنين. ويعد أفيشر ثالث موظف كبير يستقيل من منصبه في الوزارة احتجاجا على سياسة بن غفير.

الى ذلك قالت قالت آن سوتشيو من جمعية "حقوق المواطن" في كيان الاحتلال "السلاح سيوجد على طاولة المطبخ في منزل كل إسرائيلي"، مشيرةً إلى أن التعليمات الجديدة بمثابة "رخصة لقتل الفلسطينيين على جانبي الخط الأخضر تحت ذريعة مكافحة العمليات على خلفية قومية". ولا تقتصر التداعيات السلبية لتسليح الإسرائيليين على الفلسطينيين فقط، لكنها تتجاوز ذلك لتصل إلى الإسرائيليين أنفسهم.

من جهتها حذرت صحيفة "هآرتس" العبرية من أن توزيع السلاح دون مراقبة يمكن أن يؤدي إلى تغييرات في الديناميات الأسرية وزيادة في حالات العنف. بينما رأت صحف إسرائيلية أخرى أن سياسة بن غفير أحدثت اضطرابات داخل الحكومة، إذ أعلن رئيس قسم ترخيص الأسلحة النارية في الوزارة استقالته، عقب اعترافه في جلسة استماع في الكنيست، أن مقربين من بن غفير وافقوا على منح تراخيص أسلحة دون تصديق قانوني.

في الاطار اعتبر مدير "مركز إميل توما للدراسات الفلسطينية والإسرائيلية" عصام مخول أن تسليح الإسرائيليين يأتي "جزءاً من عملية متكاملة للانتقال الفاشي في إسرائيل؛ هكذا تتصرف الفاشية الكلاسيكية، ولا تكتفي بأدوات القمع والعنف الخاصة بالدولة".

وحذر مخول من تداعيات تلك الظاهرة "التي لن يسلم منها أحد حتى اليهود أنفسهم في نهاية المطاف، خاصة أؤلئك الذين لا ينسجمون مع النخب الفاشية الحاكمة".

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo