الحرب على غزة.. تؤجج المنطقة وتدفع نحو مواجهة إقليمية

تقدم الدبابات في قطاع غزة
تقدم الدبابات في قطاع غزة

مقتل القيادي البارز في الحرس الثوري الإيراني اللواء رضي موسوي في غارة اسرائيلية على دمشق، وما سبقه من قصف امريكي على مواقع لحزب الله العراقي، ردا على استهداف المصالح العسكرية الأميركية في العراق وسوريا، ومن ثم التهديد الحوثي المتواصل في البحر الأحمر، وصولا الى تطورات الجبهة الشمالية اللبنانية، كلها مؤشرات صارخة على ان ثمة صراع إقليمي أخذ في التبلور في ظل حرب الظلال، رغم اعلان الجميع عدم الرغبة بالتورط والانخراط في المواجهة، لكن استمرار التوتر في المنطقة على وقع العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة بغطاء امريكي ودعم غربي، ورسائل التهديد وتبادل الاتهامات بين العديد من القوي بالمسئولية عن تصاعد الاحداث، قد يدفع بالمشهد قدما نحو مواجهة واسعة، ظل الجميع يحذر ويخشى من عواقبها وامتدداتها الإقليمية.

الانفجار الاقليمي ... دوافع القلق

الحرب التي قال عنها يوما رئيس وزاء الاحتلال بنيامين نتنياهو أنها ستغيير وجه "الشرق الأوسط"، ردا على طوفان الاقصي في السابع من أكتوبر لم تكن تصريحاته وقتها كما يبدو مجرد رد فعل غاضب او تكهنا سياسيا بل مشروع تدفع نحوه تل أبيب وتسعى من خلاله الى اشعال المنطقة بأسرها وتوريط القوى الكبري في صراع أوسع في ظل عدم الرغبة بالانزلاق الى هذه المواجهة.

لكن سؤال الحرب الإقليمية ظل مفتوحا ولم ينتهي عند حد هذا التوقعات وهو ما نقلته صحيفة "فايننشال تايمز" عندما قالت إن "إسرائيل" لا تكشف الكثير عن تلك العمليات لتفادي دخول حزب الله وإيران في الحرب. الولايات المتحدة الأميركية "تدير" المشهد كما لو أنها ستضمن تحقيق الحد الأقصى من أهدافها وأهداف "إسرائيل"، من دون أن يؤدي ذلك إلى اشتعال الإقليم، لكنها لا تستطيع ضمان ذلك. أن تتحوّل الحرب الإسرائيلية، التي تديرها واشنطن، على قطاع غزة، إلى حرب إقليمية هو احتمال قائم، ونسبة تحققه لا تزال مرتفعة.

مسؤولون أميركيون لم يخفوا قلقهم او حتى خططهم حيال توسع دائرة الحرب كما كشفت رويترز، إن الجيش الأميركي يتخذ خطوات جديدة لحماية قواته في الشرق الأوسط مع تصاعد المخاوف بشأن حرب إقليمية في المنطقة، وكذلك للتصدي لهجمات الجماعات المدعومة من إيران.

أوضح الجنرال مايكل إريك كوريلا المشرف على القوات الأميركية في الشرق الأوسط، أن الخطوات التي اتخذت بالفعل لزيادة تدابير حماية القوات، فضلا عن نشر أصول عسكرية أميركية إضافية في المنطقة في الأيام الأخيرة "حالت دون وقوع إصابات أكثر خطورة لقواتنا في مسرح العمليات".

اسرائيل لم تتوقف عن التلويح بهذا الخيار في مناسبات عدة خاصة باتجاه الجبهة الشمالية وهو يعكس نوايا وليس مجرد تلويح وهو ما نقله وزير خارجية إسرائيل إيلي كوهين، في رسالة إلى مجلس الأمن الدولي حملت "تحذيرا صريحا" بشأن احتمال نشوب "حرب إقليمية" بسبب الوضع في جنوب لبنان وإذا لم تستخدم قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) جميع قدراتها لمنع ما وصفه أي تواجد عسكري غير شرعي جنوب نهر الليطاني، فإنه يمكن أن تندلع "حرب إقليمية".

مفهوم الحرب الإقليمية ظل متداولا حتى على لسان الرسميين العرب حيث شارك هذه المخاوف من قبل وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي عندما حذر في تصريحاته من حرب إقليمية في حال توسعت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، مؤكدا وقوف بلاده بكل إمكاناتنا وجهودها لوقف الحرب "المُستعرة" على القطاع، مضيفا "هناك قضايا رئيسة يجب أن يسمع العالم كله موقفنا منها، وأسمعنا هذا الموقف في الجهود التي قادها ويقودها الملك عبدالله الثاني، بأنه لا مبرر لهذه الحرب".

يقول الكاتب أحمد الحيلة ان الفشل الاسرائيلي في تحيق اهداف الحرب قد يقود بنيامين نتانياهو وقادته العسكريين إلى الهروب إلى الأمام، باستهداف لبنان وحزب الله والمقاومة الفلسطينية هناك، بتوسيع دائرة المعركة بمبادرة إسرائيلية مباغتة، لأسباب شخصية تتعلق بمستقبل بنيامين نتانياهو الذي يبحث عن خشبة إنقاذ وصورة انتصار، عبر جر الولايات المتحدة إلى قلب المعركة والتخلّص من ضغوطها، الناتجة عن خشية واشنطن من تورّط إسرائيل وتوريطها في الشرق الأوسط، وإشغالها تالياً عن مواجهة روسيا والصعود الصيني عالمياً.

يري الكاتب مراد يسلاتس ان احتمال نشوب حرب إقليمية مرتفع للغاية في حال وسعت إسرائيل عملية برية وانخرط حزب الله وغيره من وكلاء إيران في صراع ضد الولايات المتحدة، فهناك احتمال أن تشارك إيران بشكل مباشر في الحرب، يمكن أن يحدث هذا السيناريو إذا حمَّلت الولايات المتحدة إيران المسؤولية عن وكلائها وشنت غارات جوية ضد إيران، أو إذا اتخذت إيران عملا عسكريا مباشرا ضد الأصول الإسرائيلية والأمريكية.

العديد من التحليلات والدراسات تحت صوب احتمال أن تتوسع الحرب خارج حدود غزة لكن دون ان تصل الى منسوب حرب واسعة النطاق، خاصة كلما طالت المدة وأصبحت الأوضاع الإنسانية أكثر كارثية، كما يمكن أن تؤدي عمليات غير محسوبة على الجبهة اللبنانية، أو ضد المصالح الأمريكية في المنطقة إلى تسريع المسار نحو امتداد الصراع الإقليمي. وقد تأكد هذا التقييم من خلال الزيادة الأخيرة، وإن كانت هامشية، في الهجمات التي تشنها الجماعات المدعومة من إيران في سوريا والعراق ضد التواجد العسكري الأمريكي

الحرب الإقليمية .. من عدم الرغبة الى الحتمية

دخول الولايات المتحدة الامريكية بثقلها في هذه الحرب على شكل دعم عسكري ولوجستي لا محدود لكيان الاحتلال او على هيئة ارسال خبراء الحرب وتحريك الاساطيل الى المتوسط كان يشى منذ البداية ان هذا السيناريو كان مطروحا على الطاولة الى جانب الردع رغم المواقف التي رأت ان واشنطن منشغلة بالصراع والتحدي الروسي الصيني وما يجري على جبهة أوكرانيا لذلك تسعي الى الابتعاد عن فتح صراع جديد .

يقول السفير الأميركي السابق لدى دمشق روبرت فورد إن "أميركا لا تريد حربا إقليمية"، وأن بلاده مشغولة بـ"مساعدة أوكرانيا ومهتمة بالصين وبالوضع في شرق آسيا، وتحديدا في بحر جنوب الصين".

وأكد أنها "ليست حربا إقليمية حتى الآن، وهي محصورة بين غزة وإسرائيل"، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن إيران -حتى الآن- لا تريد حربا إقليمية و"كلا البلدين الولايات المتحدة وإيران يحاول ردع الآخر عن بدء حرب إقليمية".

هذا الموقف عززته تقارير أمريكية نقلا عن مسئولين أكدت أن إدارة بايدن طلبت من إسرائيل ألا تهاجم الحوثيين، وجاء في تقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" أن الإدارة الأميركية قالت لإسرائيل ألا تهاجم في اليمن، خوفا من اشتعال حرب إقليمية. وهم يقدرون حاليا أن هجوما ضد الحوثيين سيكون عملا خاطئا، ويشكل خطرا كبيرا بتصعيد الحرب الإسرائيلية على غزة لتصبح مواجهة إقليمية أوسع، وأن إدارة بايدن تسعى لمنع تصعيد كهذا.

وفي ذات السياق أفادت وكالة رويترز، بأن السعودية طلبت من الولايات المتحدة بشكل واضح ألا تهاجم في اليمن الآن، بسبب تخوف سعودي كبير من تصعيد نحو حرب إقليمية واسعة في الشرق الأوسط. وكان الحوثيون قد شنوا هجمات صاروخية في الأراضي السعودية، وأصاب بعضها منشآت نفطية وأدت إلى تراجع في استخراج النفط في منشأة شركة "أرامكو".

يقول الباحث في مركز كارنيغي مايكل يونغ ان الولايات المتحدة مصمِّمة على تفادي اندلاع حرب إقليمية. وفي تجنّب خوض مغامرات عسكرية جديدة في الشرق الأوسط، ولا سيما أنها على أعتاب عامٍ انتخابي، لكن مؤازرة إسرائيل خطوةٌ تحظى بالشعبية في أوساط الأميركيين، لذا، في حال أقدم الإيرانيون ووكلاؤهم إلى توسيع رقعة الحرب على إسرائيل لإضفاء المصداقية على المواقف التي أسروا أنفسهم فيها، فستضطر الولايات المتحدة عندئذٍ إلى شنّ هجمات عليهم لإضفاء المصداقية على الموقف الذي أسرت نفسها فيه.

عسكريا شكلت التحركات الامريكية من وجهة نظر الخبراء على اعتبارها تحركات دفاعية كما حيث قال الباحث المتخصص في السياسات الدفاعية، محمد حسن، إنه بالنظر إلى الاستجابة الأميركية لتطورات الأحداث في الشرق الأوسط، مع قدوم جزء كبير من البحرية الأميركية لشرق المتوسط في سياق تطورات الأوضاع في قطاع غزة واحتمالات تفاقم الصراع لمستوى الحرب الإقليمية، تحتم على الولايات المتحدة توفير مظلة حماية للمجموعات القتالية لحاملتي الطائرات آيزنهاور وجيرالد فورد، فضلا عن توفير وسائط الدفاع الجوي للحماية من موجات الإغراق الصاروخي التي اشتهرت بها صراعات الشرق الأوسط خلال العقدين الماضيين.

خيارات هجينة للصراع 

ما تشهدة المنطقة من أحداث على خلفية ما يجري في غزة وامتدداته الإقليمية كشف عن أنماط جديدة من الحروب قد تشهدها المنطقة في ظل حالة عدم اليقين والفوضي في محاولة من قبل القوي الفاعلة لدرء سيناريو الصراع الاخطر والذى سيكون هو ذروة هذه المواجهة والتي ان اندلعت ستتحول الى حرب عالمية ثالثة.

حالة الاضطراب الإقليمي والدولي على وقع الحرب فرضت أنماط جديدة من الصراع قد يلجاء لها الفعالين حيث اعتبر الباحث السياسي الأردني محمد أبو رمان ان هناك أنماط جديدة تتصدّر للمشهد الإقليمي والمحلي في العديد من الدول منها الحركات الهجينة في (غزة، سوريا، العراق، اليمن)، وباتت ترتبط بمجموعة من الديناميكيات والسياسات الجديدة في المنطقة، منها “الحرب بالوكالة”، إذ أصبحت هذه الكيانات والكائنات السياسية- العسكرية تقوم بدور رئيس في النيابة عن أطراف نزاع دولية وإقليمية أخرى بالدخول في مواجهات مسلّحة مع أطراف أخرى، وتحل محل الجيوش الكلاسيكية في القيام بالعديد من المهمات، التي تعفي، ولو شكلياً وقانونياً، الدول المعنية من مسؤولية تلك الأفعال.

يقول الباحث في برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن أندرو جيه تابلر رغم أن واشنطن وشركائها منعوا توسع الحرب حتى الآن، إلا أن الافتقار إلى قواعد واضحة على بعض الجبهات - وخاصة سوريا - قد خلق بيئة خطيرة قد تتجاوز فيها أي جهة فاعلة عن غير قصد الخطوط الحمراء التي وضعهتا جهة أخرى ويمكن القول إن الاتجاه الأكثر إثارةً للقلق بالنسبة لواشنطن يتعلق بهجمات الميليشيات الإيرانية على القواعد الأمريكية في العراق وسوريا.

ـبدورها رأت الباحثة في مركز ويلسون روين رايت ان حرب "إسرائيل-حماس" انتقلت إلى الساحة العالمية حيث تعمّق الاصطفاف السياسي ليصل إلى مناطق بعيدة عن منطقة النزاع نفسها، بَيْد أن عواقب وتداعيات الصراع بين إسرائيل وحماس -الذي بدأ في السابع من شهر أكتوبر وشهد حمامات دم غير مسبوقة- بدأت فعلاً بالانتشار عالمياً على شكل اضطراب اقتصادي، وزيادة الضعف العسكري، وتعميق الانقسام السياسي، وظهور تحدِّيَات إستراتيجية جديدة، بالإضافة إلى تغيُّر طبيعة الحرب بسبب كون المتحاربين ليسوا دولاً.

بدوره قال السفير المصري السابق هشام يوسف ان الأحداث الجارية والاحتجاجات خارج السفارات الأمريكية والأوروبية والإسرائيلية في دول الشرق الأوسط، أكدت أن تأثير هذه الحرب، وكيفية استمرارها وكيفية انتهائها سيكون له تداعيات عميقة، كما يعتقد الكثيرون أن الوضع الراهن لا يمكن أن يستمرّ إلى أجل غير مُسمًّى، مع إدارة النزاعات ومعالجة المواجهات العسكرية من خلال نَهْج "إطفاء الحرائق".

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo